
تساهم إيران مساهمة مباشرة عمليا في تمويل مجموعات إرهابية تخريبية بالمنطقة، وكذلك تدعم وتساند أنظمة أقليات قائمة على القهر والاستبداد والطائفية، والوقت ذاته لا تقدم أي خدمات مجتمعية ذات قيمة، وهي رجعية وظلامية على المستوى الأخلاقي والتعليمي والتقني، حيث لم تتحرَّك البلاد الواقعة تحت سلطتها قيد أنملة منذ الستينات إلى يومنا هذا، مقارنة بحركة التطور العالمي, فإيران تدعمها عسكريا وماديا ومعنويا، لتضمن توسع مشروعها الطائفي أولا، فهي تعمد إلى زعزعة المنطقة وإثارة الحروب الطائفية والقلاقل فيها، لإضعافها وتقسيمها، كما أن من أهدافها، نقل مشاكلها الداخلية وتصديرها لخارج الحدود، وإشغال الجوار واستنزافه.. كل هذا نابع من طموحات ملالي طهران في التدخل والتوسع بالمنطقة، بل الهدف النهائي، هو الهيمنة عليها بطريقة أو بأخرى، أو على أقل تقدير، تقسيمها والهيمنة على أجزاء منها.. هذه هي سياسة إيران التي بيناها في مقالات سابقة.
والمهم اليوم، ألا نجعل الارتباك يتملكنا، فالأمور أصبحت أكثر من واضحة، وكل عقلاء الأمة، من مفكرين وسياسيين وحتى عامة الناس، أدركوا هذه الحقيقة، التي تتجه لتغيير حياتنا من جذورها، بل قد تغير تاريخنا وهويتنا.. فالتردد يخلق ظروفا نفسية غير مناسبة لاتخاذ القرار الصائب والمناسب في مواجهة أخطار كهذه التي تواجهنا اليوم، والتي يجب أن يكون فيها الحسم قرارا مدروسا واضحا لا ينفع فيه التدهين في مواطن الحزم والحسم، حيث تحتاج بعض الأعضاء للبتر أحيانا، لكي يحافظ الجسم على الحياة، وإن عولجت بعض الأمراض، فإنها تعالج بمعرفة تشخيصاتها، وبذلك دوائها، وإلا سوف ندخل أسلوب التجربة والتكهن.. وإننا نرى حقيقة أن اتخاذ قرار مثل قرار عاصفة الحزم، واستمراره هو قرار صائب، لإعادة تأهيل ما فقد، وتصويب ما فات، وأن تنسيقا إقليميا مع مَن يهمهم الأمر ذاته ومَن يحملون الهموم ذاتها بدا أمرا ملحا وضرورة حتمية ذات أهمية بالغة، ويجب أن يتخذ هذا التنسيق صورة الدفاع المشترك الحقيقي، وبناء تكتلات إقليمية قادرة على حماية نفسها، وصد أي عدوان مفترض، من دون العودة إلى أحد في اللحظة المناسبة، إن فرضت لا سمح الله, كما أنه يجب تحييد مَن يعملون وراء الستار كأنهم أصدقاء، لكن هدفهم إبطال وإعاقة هذا المسار، وهم كُثر اليوم.
إنه لمن الأهمية بمكان الاعتماد على الله أولا، ثم على الذات من الآن فصاعدا، من دون الارتكان إلى قوى هي أصلا سبب بلاء هذه الأمة، فإيران لن يكبح جماحها إلا قوة المنطقة والقدرة الذاتية على دفعها وردعها وردها إلى داخل حدودها، وخاصة بعد هذا الواقع الجديد الذي فرضه آخر اتفاق مع واشنطن تحديدا، والذي كان أساسه مبنيا على تبادل المصالح بين الطرفين، من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الآخرين بالمنطقة، وفق تقدير كثير من المراقبين.
فقط العمل على خلق واقع قوة جديد للمنطقة، هو العامل الأهم والكفيل بأن يُجبر كل الأطراف، وأولها الولايات المتحدة، إلى احترام مصالح أهل المنطقة، فضلا عن باقي الأوراق المهمة التي تتمتع بها المنطقة من مصالح للغرب والشرق، على حد سواء، يمكن استخدامها أيضا، لكن لن تكون فاعلة، من دون عامل ضمان، وهو القوة الذاتية، فالعمل على عدم ضمان مصالح الغرب والشرق من دون ضمان مصالحنا، هو المنطلق والمنطق الذي يجب أن ننطلق منه ونعمل عليه.
إن كل الهواجس بخصوص التدخلات الإيرانية في خصوصيات المنطقة وشؤونها الداخلية، في محلها، ولها ما يبررها، وخاصة بعدما فرض الواقع الجديد، بعد الاتفاق الأميركي – الإيراني الأخير، وما يتوقع من توظيف إيران لهذه الأموال الطائلة التي تنتظرها، بزيادة توغلها في المنطقة.. فكيف لنا أن نفهم أن إيران دعمت وموَّلت ودرَّبت كل العناصر الإجرامية التي تثير البلبلة في المنطقة، وهي تحت الحصار لعقود؟
وكيف بها بعد أن يُطلق لها العنان ويُفرج عن مئات المليارات من الدولارات، وكذلك فتح أسواق الغرب والشرق لها ومنها، ما سيعود عليها بعوائد مالية إضافية كبيرة، وها هم وزراء الطاقة والاقتصاد بدأوا يهرولون إلى طهران، وأولهم وزير الاقتصاد الألماني، وهذا دليل على جاهزيتهم وانتظارهم هذا الاتفاق بفارغ الصبر.
إنه لا ثقة بسياسة إيران الدعائية التطمينية، التي طالما فعلت غير الذي صرَّحت، والدلائل والبراهين لا يغفل عنها إلا جاهل، وآخرها وأخطرها إشراف الحرس الثوري المباشر على دعم أذرع إيران بالمنطقة، في سوريا والعراق واليمن وغيرها، عسكريا وعلنيا، هذه الأذرع التي نأمل أن عاصفة الحزم ماضية في بترها جميعا في مواضع الحسم، الذي لا ينفع فيها التدهين مطلقا وأبدا, كما يجب عدم الالتفات إلى الأصوات التي تحاول تشويهها، بهدف إضعافها أو النيل منها.