
كتب محرر الشؤون العربية:
انفتحت شهية الرئيس السوداني عمر البشير لـ«عودة» علاقات بلاده مع الولايات المتحدة الأميركية، في خضم انفتاح إدارة الرئيس باراك أوباما على دول «محور الشر»، التي تعززت أخيرا بطي صفحة خلافات واشنطن مع كوبا والتفاهمات الكبيرة مع إيران ـ بدفع أميركي ـ والتي انتهت بتوقيع اتفاق تاريخي بين طهران والدول الكبرى حول برنامجها النووي في منتصف يوليو الجاري.
فبعد عقود من التوتر بين الخرطوم وواشنطن، يعمل النظام السوداني، جاهدا، على إعادة علاقاته مع الجانب الأميركي، والتي يطمع أن يكون من ثمارها، رفع العقوبات المفروضة عليه منذ 1997، وشطبه من القـائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.
ووجد نظام البشير في فتح واشنطن أبواب المصالحة مع دول تصنفها ضمن محور الشر، فرصة له هو الآخر لتطبيع العلاقات معها، لكن هذه العودة، وفق المتابعين، مرتبطة بالتنازلات التي من الممكن أن يقدمها البشير ثمنا لها، ولاسيما أن الأخير محاصر بملفات جمة وخطيرة، قد يعرقل أقلها وزنا أي خطوة للتقارب بين البلدين، فهو مطلوب للعدالة الدولية، باعتباره مجرم حرب، كما أن بلاده متهمة بالتطهير العرقي والإبادة وقمع المعارضين ودعم الإرهاب في أكثر من منطقة حول العالم.
الخرطوم: استوعبنا الدرس
حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم، أكد أخيرا – على لسان أحد قياداته البارزة – أنه استوعب الدرس جيدا، وأنه لا مانع لديه من تقديم تنازلات للطرف المقابل (واشنطن)، حيث قال الأمين العام السياسي مصطفى عثمان إسماعيل إن حكومة بلاده «شرعت في إزالة القطيعة مع الولايات المتحدة، بعد أن تأكد لها بما لا يدع مجالا للشك، أن واشنطن لها مصالح على المستوى القطري والإقليمي والعالمي، كشرط لتطبيع العلاقات».
وأضاف أن الحكومة السودانية «لا تنكر المصالح الأميركية»، وأنهم في الخرطوم «ليسوا في سياسة مواجهة مع واشنطن».
واشنطن غير متحمسة
وفي المقابل، تبدو الولايات المتحدة غير متحمسة في الوقت الحالي لإخراج الخرطوم من دائرة «محور الشر»، وبرز ذلك في موقفها من الانتخابات العامة الأخيرة، التي كانت بمثابة تزكية للبشير، ورفض البيت الأبيض الاعتراف بنتيجة الانتخابات، معتبرا أن عمليات تزوير كبيرة رافقت عملية التصويت.
وتعزز هذا الموقف الأميركي في تصريحات المسؤولين المتواترة، التي تصبُّ بمجملها في أن مسلك النظام الحالي لا يدفع باتجاه عودة كلية للعلاقات معه، هذا مع الحرص على الإبقاء على الباب مواربا.
وآخر هذه التصريحات، تلك التي وردت أخيرا على لسان القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم، جيري لانيير، الذي قال إن «الحوار مع الحكومة السودانية يمضي ببطء، وإنه يتطلب من السودان اتخاذ إجراءات حقيقية وفعَّالة، لوقف العنف المنتشر في السودان».
توتر متزايد
وتشهد العلاقة بين واشنطن والخرطوم منذ انقلاب جبهة الإنقاذ الإسلامية، بقيادة البشير، في 1989، توترا ازداد في فترة التسعينات، على خلفية احتضان النظام السوداني لعدد من زعماء التنظيمات المتطرفة، على غرار زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
ولطالما مثلت علاقات النظام المشبوهة مع عدد من التنظيمات الإرهابية، وخاصة بأفريقيا، قلق الإدارة الأميركية، التي ضمت السودان، نتيجة ذلك، ضمن الدول الراعية للإرهاب، ودفع هذا الوضع الذي وجد النظام السوداني نفسه محشورا فيه إلى البحث عن سبل لإرضاء الجانب الأميركي.
وتوجد احترازات أميركية إزاء طريقة معالجة النظام للأوضاع في أقاليم النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، وتطالب واشنطن بضرورة وقف الآلة العسكرية، والدخول في مفاوضات مع الحركات المسلحة.
ويماطل النظام في هذا الشأن، متمسكا بفرضية أن القوة هي السبيل الوحيد لإبقاء الأوضاع تحت السيطرة، وهذا ليس بالمستغرب، ولاسيما أن العقيدة العسكرية هي التي تدير دفة البلاد.
ومنطق القوة، هو نفسه الذي يتعامل به مع المعارضة المدنية، فالرئيس البشير مازال يماطل في فتح حوار جدي معها، حيث تقول أوساط مقربة إنه تقرر تأجيل العملية التفاوضية بين الحكومة والمعارضة من جديد إلى سبتمبر المقبل، مع استمراره في سياسة تكميم الأفواه عبر قمع الصحافة والزج بالمناوئين في السجون.
جدير بالذكر أن الرئيس السوداني كان قد طرح بنفسه في يناير 2014 مبادرة الحوار الوطني، التي اعتبرها العديد آنذاك مناورة منه لكسب الوقت وتخفيف الضغوط الدولية عنه، خصوصا أن تلك الفترة شهدت تحركات لافتة للمعارضة في المحافل الدولية لتعرية النظام.
ورغم إظهار واشنطن عدم حماستها للإسراع بفتح الأبواب على مصاريعها أمام النظام السوداني، فإن مراقبين لا يستبعدون حصول الأمر، ولاسيما أن منطق المصالح، هو ما يحرك العقل الأميركي.
ويضيف هؤلاء أن ترسيخ الولايات المتحدة الأميركية لعلاقات طبيعية مع الخرطوم سيكون مرهونا بما ستقدمه الأخيرة من تنازلات.