
تواصل «الطليعة» نشر دراسة تضمنها الإصدار الأخير لمركز الخليج لسياسات التنمية، الذي حمل عنوان «الثابت والمتحول 2015: الخليج والآخر»، وتسلط الضوء على الفصل الخاص، الذي حمل عنوان «الواقع والمأمول: رصد لحالات التطبيع في دول مجلس التعاون وفرص المقاطعة وسحب الاستثمارات»، الذي ينقسم بدوره إلى جزأين؛ الأول يرصد التطبيع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودولة الاحتلال، ويبحث في التوجه السياسي الرسمي حيال سلطة الاحتلال والوضع الراهن في فلسطين، فيما يسلّط الجزء الثاني الضوء على خمس شركات متورطة في جرائم الاحتلال، وهي ذات وجود كثيف في سوق الخليج، للفت الانتباه إلى خطورة دورها في دعم الاحتلال في فلسطين، على أمل استغلال هذا الوجود في الخليج، للضغط عليها، من أجل إنهاء تعاملها مع الاحتلال.
وفي ما يلي، رصد لأهم التطورات من ناحية التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني في دول مجلس التعاون.
الإمارات
قررت الإمارات، بعد نحو شهر من حرب 2008 – 2009، منح لاعب تنس إسرائيلي تأشيرة دخول للمشاركة في بطولة في دبي، ورفع علم إسرائيل للمرة الأولى في أبوظبي، خلال اجتماع للوكالة الدولية للطاقة المتجددة بحضور مسؤولين إسرائيليين.
وفي أوائل عام 2010، أصبح وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزي لنداو، أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات، رسمياً وعلنياً، علماً أن لنداو من قيادات حزب «إسرائيل بيتنا» المتشدد.
وبعد الزيارة بثلاثة أيام فقط، أقدمت إسرائيل على اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي، والتي أطلق بعدها رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان تصريحات عدائية ضد إسرائيل، لكن بعد أقل من عام، في ديسمبر 2010، استضافت الإمارات فريق سباحة إسرائيلياً.
وفي يناير 2014، زار الإمارات وزير الطاقة الإسرائيلي سلفان شالوم، الذي سبق أن هدَّد بحرب جديدة على غزة، للمشاركة في مؤتمر حول الطاقة، وقد قاطعت الكويت المؤتمر، احتجاجاً على مشاركة الوزير الإسرائيلي.
وفي ديسمبر 2014، نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية خبر افتتاح خط جوي سري وخاص بين دولة خليجية والكيان الصهيوني، ورجح مصدر إسرائيلي أن تكون هذه الدولة هي الإمارات.
ولاحقاً، أشار كاتب الخبر، ضمناً، إلى أن الإمارات هي الدولة المقصودة بالفعل، وهي النتيجة نفسها التي رجحها تحقيق لموقع «عين الشرق الأوسط»، الذي نشر تحقيقاً مطولاً، يزعم تعاقد الإمارات مع شركة «أي جي تي» الإسرائيلية، لتركيب أنظمة مراقبة لحماية مواقع في أبوظبي، قد تكون ذات صلة وثيقة بالرحلات التي تتم عبر الخط الجوي السري، كما برزت أخبار حول التعاقد مع الشركة في الصحافة الإماراتية منذ 2008، لكن من دون ذكر لأي ارتباط بينها وبين إسرائيل.
وتزعم إحدى وثائق ويكيلكس وجود علاقة شخصية قوية بين وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، ووزيرة الخارجية الإسرائيلية حينها تسيبي ليفني. وفي نوفمبر 2013، كتب توماس فريدمان مقالاً، زعم فيه أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز خاطب عبر الأقمار الاصطناعية ممثلين عن عدة حكومات عربية وإسلامية في اجتماع في الإمارات. ولاحقاً، كررت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية ما ذكره فريدمان، وأوضحت أن بيريز خاطب ممثلي 29 دولة عربية وإسلامية، بينهم وزراء خارجية دول المجلس.. ورغم حجم هذا الزعم، لم يصدر أي نفي رسمي.
ونشرت قناة «مكملين» تسريباً لحديث بين مدير مكتب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اللواء عباس كامل، ورئيس أركان القوات المسلحة، اللواء محمود حجازي، تحدث فيه عن ندوة سرية في الإمارات حضرها شمعون بيريز، كما زعم أن الإمارات رتبت لزيارات سرية لمبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، إلى القاهرة، للتواصل مع النظام الجديد في مصر، وهو ما يتوافق مع ما أعلن عن عمل بلير رسمياً مع النظام المصري برعاية إماراتية.
السعودية
وتنقل إحدى وثائق ويكيليكس، مؤرخة في نوفمبر 2009، عن مسؤول إسرائيلي، زعم فيها أن إسرائيل تتمتع الآن بالسلام مع الأردن ومصر والإمارات والسعودية. وفي وثيقة أخرى، صادرة من السفارة الأميركية في تل أبيب، مؤرخة في تاريخ يناير 2010، كلام منسوب للأكاديمي الإسرائيلي يائير هيرشفيلد، وهو أحد المساهمين في اتفاق أوسلو، الذي يرأس مؤسسة التعاون الاقتصادي، التي تهدف إلى إحلال السلام، يتحدث فيه عن عقد ثلاثة لقاءات على الأقل مع رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية بالسعودية أنور عشقي، ضمن ما يُعرف باسم «المسار الثاني» للمفاوضات.
وقد تمحورت أفكار عشقي – وفق زعم الوثيقة – حول فكرة منح غزة وضعاً جديداً مستقراً وشبه مستقل، ونزع سلاح «حماس»، في مقابل الاعتراف بالحركة كحاكم للقطاع ومساعدات اقتصادية كبيرة لتطوير البنى التحتية.
وفي 2009، لقيت مقالة للكاتب محمد الرطيان بعنوان «تسلل سياسي أم تطبيع رياضي؟» الكثير من الصدى، بسبب انتقاده ما قال إنه تعيين مدرب إسرائيلي لنادي بورتسموث البريطاني، الذي يملكه رجل الأعمال السعودي علي الفرج.
وعلى الصعيد الرياضي، أيضاً، طالب الرئيس العام لرعاية الشباب نواف بن فيصل، في عام 2012، بمقاطعة شركة أديداس، بسبب رعايتها للماراثون الإسرائيلي في القدس المحتلة، واستجاب له النادي الأهلي، بفسخ عقده مع أديداس، لكن من جهة أخرى، أقدمت السعودية على خطوة غير مسبوقة، وهي الموافقة للسماح للمنتخب السعودي بالسفر للأراضي المحتلة، للمشاركة في تصفيات كأس العالم، في مباراة ضد المنتخب الفلسطيني، رغم أن الفريق السعودي سيمر لا محالة على نقاط تفتيش الاحتلال.
وفي 2010، تم الإعلان عن تعاون اقتصادي بين مجموعة IDB الإسرائيلية الضخمة، التي كان يرأسها الملياردير الإسرائيلي نوحي دانكنر من جهة، وجهاز قطر للاستثمار ومجموعة العليان السعودية من جهة أخرى، وهو ما نشرته صحيفة فاينانشال تايمز أيضاً.
وزادت فرص التجارة بين إسرائيل والدول العربية، بسبب الحرب في سوريا، وأصبحت إسرائيل محطة لتنزيل البضائع القادمة من أوروبا قبل نقلها إلى الأردن ودول أخرى، ما رفع عدد الشاحنات التي تعبر بين إسرائيل والأردن بنسبة 300 في المائة منذ عام 2011.
وقال عدد كبير من رجال الأعمال لوكالة رويترز إن البضائع تنتقل من الأردن إلى عدة دول من بينها السعودية.
وفي نوفمبر 2012، افتتح مركز الملك عبدالله لحوار الأديان في النمسا. وأجرى الناشط السعودي عصام مدير بعدها مكالمة هاتفية مع الحاخام الإسرائيلي ديفيد روزين، الذي زار السعودية، ضمن جهود حوار الأديان، وشارك في مؤتمر مدريد لحوار الأديان، ضمن الجهود السعودية نفسها.
وقد أقرَّ روزين في المكالمة، بأنه شارك كجندي في احتلال سيناء – وهي معلومة معروفة لم تذكرها وسائل الإعلام السعودية – وزعم أن المسؤولين السعوديين كانوا على علم بذلك، بمن فيهم وزير الخارجية سعود الفيصل، ووزير الإعلام السابق أياد مدني، الذي تسلّم الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، ولبَّى دعوة لزيارة القدس، مشترطاً عدم المرور على أي نقطة عبور إسرائيلية، ما أثار انتقاد أطراف عدّة، مثل الشيخ رائد صلاح والأزهر والكنيسة المصرية.
وفي العام نفسه، أيضاً، قامت «ويكيلكس» بتسريب وثائق شركة ستراتفور الاستخباراتية، تضمنت رسائل إلكترونية مكتوبة من قِبل مدير الشركة السابق، زعم فيها بوجود تعاون سعودي مع الموساد، بالإضافة إلى تلفظه بألفاظ عنصرية ضد العرب.
وأثار تركي الفيصل الجدل، حين صافح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف داني أيالون مطلع 2010.
يُذكر أن أيالون، هو المسؤول الإسرائيلي ذاته، الذي هدد الهاكر السعودي Ox Omar، الذي بدوره قام بشن هجمات إلكترونية ناجحة ضد إسرائيل في 2012 بانتقام بأي طريقة، بما فيها القصف بالصواريخ.
وتكررت مبادرات الفيصل تجاه إسرائيل، وتضمنت لقاءاته العلنية مع مسؤولين إسرائيليين، كان أحدها في مايو 2014 مع المسؤول الاستخباراتي الإسرائيلي عاموس يادلن، الذي قاد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أثناء حرب غزة الأولى (2008 – 2009).
وقبل أقل من ثلاثة أسابيع على بدء الحرب الثالثة في 2014، كتب الفيصل لـ»مؤتمر إسرائيل للسلام» مقالاً يدعو للتطبيع، ويحلم بيوم «أتمكن من توجيه الدعوة، ليس للفلسطينيين فقط، بل للإسرائيليين الذين قد ألتقي بهم أيضاً، للمجيء وزيارتي في الرياض».
وفي 2102، نشر عسكري سعودي مقالاً في «العرب نيوز» يدعو إلى التطبيع مع إسرائيل، ونشر عسكري آخر مقالاً يدعو إلى التطبيع في «جوينت فورس كوارترلي».
وفي 2014، تحدَّث ليبرمان عن علاقات سرية مع السعودية والكويت مدفوعة، وفق زعمه، بالعداء المشترك لإيران. وتحدث كل من نتنياهو، بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في مصر، عن توافق إسرائيلي مع بعض دول المنطقة ضد الإخوان المسلمين وإيران.
وفي أكتوبر 2013، قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني إن وجهة النظر السعودية في الملف الإيراني، هي وجهة النظر الإسرائيلية نفسها، وإن مصالح الدول «المعتدلة أو البراغماتية» في المنطقة، هي مصالح إسرائيل نفسها، وفي الفترة نفسها، زعمت «صنداي تايمز» البريطانية بوجود ثمة تنسيق إسرائيلي – سعودي حول توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران، وقد نفت السعودية صحة هذه الأنباء، التي ذُكرت في تقرير نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
مبادرة السلام العربية لا يُعرف مغزاها.. ولا حل إلا بالمقاومة
في فبراير 2002، وأثناء الانتفاضة الثانية، أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في لقاء مع الصحافي توماس فريدمان، عن مبادرة السلام، التي تتضمن اعترافاً عربياً كاملاً بإسرائيل، مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. «كنت أبحث عن وسيلة أقول بها للشعب الإسرائيلي إن العرب لا يرفضونهم ولا يحتقرونهم، لكن الشعوب العربية ترفض ما تفعله قيادتهم الآن بالشعب الفلسطيني». قال الملك عبدالله لفريدمان «إن الخطة موجودة في الدرج، لكن العنف والقمع اللذين يمارسهما أرييل شارون يمنعان خروج الخطاب من الدرج».
ولم تمر أشهر قليلة، حتى خرج الخطاب من الدرج، وصار محور القمة العربية في بيروت، وتبنته كل الدول العربية، بلا استثناء، رغم أن عنف شارون وقمعه لم يتوقفا منذ مقابلة فريدمان، ما أعطى مؤشراً على أن السياسة الرسمية العربية لا تملك سوى رؤية واحدة، ولا تسعى إلى تنويع الرؤى والخيارات، ولا إلى امتلاك أوراق ضغط حقيقية، والأدهى أنه ما إن انتهت القمة، حتى جاء الرد الإسرائيلي مباشرة بشن عملية «الدرع الواقي»، فاقتحم جيش العدو الإسرائيلي المقاطعة في رام الله، وحاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأدَّت العملية إلى سقوط نحو 375 شهيداً وإصابة المئات واعتقال الآلاف، وازداد قمع شارون وعنفه، ولم تتغيَّر المبادرة العربية، أو حتى تُجمَّد.
ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف القمع والعنف الإسرائيليان. وشهدت الحقبة ما بين المبادرة ونهاية حرب 2008 مجازر وهجمات في فلسطين ولبنان وسوريا والسودان، ولم تتغيَّر على خلفية العدوان الإسرائيلي السياسة الرسمية العربية، أو حتى تعلن أن لها بديلاً فعلياً غير مبادرة بالسلام.
وعلى الجانب الإسرائيلي، ترسَّخ الاحتلال في الضفة الغربية والجولان، وفرض الحصار على غزة، وزاد عدد المستوطنات في الضفة، وباتت اليوم تلتهم أكثر من 40 في المائة من مساحة الضفة الغربية، بينما التهم جدار الفصل نحو 10 في المائة منها، ناهيك عن سرقة الثروات الطبيعية وهدم المنازل والاعتقالات وتسليح المستوطنين وتهويد القدس والرفض المطلق لعودة أي لاجئ وغيرها، أي أن إسرائيل، عملياً، لا ترفض فقط تقديم تنازلات بالانسحاب من أراضي 67، بل تزيد من استعمارها، ولم يقتصر الرد العربي على المحافظة على المبادرة التي فشلت، بل وأيضاً تقديم الكثير من التطبيع في المقابل.
ثم جاءت حرب غزة الأولى (2008 – 2009)، التي بعد نهايتها بأيام، قدم باراك أوباما في خطابه في القاهرة وتبعه بنيامين نتنياهو بخطاب آخر حول «السلام»، حدّد فيه شروطه لـ «السلام»: إذا اعترفت السلطة الفلسطينية بيهودية الدولة الإسرائيلية، سنعطيها دولة، لكن بلا قدس، وبلا جيش، وبلا مجال جوي، وبلا علاقات مع مَن لا نحب، وبلا عودة للاجئين. باختصار: لا دولة فلسطينية. والمفارقة أن هذا الخطاب لقي ثناء من أوباما فور صدوره.
وبين خطابي أوباما ونتنياهو، قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في مقابلة مع مجلة «نيوزويك»: «ليس لدينا ما نقترحه على إسرائيل سوى التطبيع».
وإذا قمنا بذلك قبل استعادة الأراضي المحتلة سنكون قدمنا الورقة الوحيدة لدينا». إذن، يبدو أن الحرب والدماء لم تغيرا شيئاً فعلياً، والخطابات العربية حول تأرجح مصير مبادرة السلام لا يعرف مغزاها.
عادت الحرب مرة أخرى في 2012، ومرة ثالثة في 2014، ويبدو أنها ستعود مجدداً في المستقبل، ولا يبدو أن هناك حلاً لدى الفلسطينيين ومَن يدعمهم سوى المقاومة، بكل أشكالها المسلحة وغير المسلحة، بما في ذلك حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.