ترجمة ظافر قطمة:
تناولت صحيفة الإندبندنت البريطانية الوضع في مملكة البحرين وتداعيات الاضطرابات السياسية الداخليه فيها. وقالت الصحيفة في تعليق بقلم باتريك كوكبيرن، نشرته في عددها بتاريخ 20 أكتوبر الجاري، إن حكومة البحرين قامت قبل عامين ونصف العام بجرف نُصب اللؤلوة الذي تحمل أعمدته لؤلؤة عملاقة ترمز إلى مملكة البحرين، لأن ذلك الموقع تحوَّل إلى نقطة تجمهر في العاصمة (المنامة) بالنسبة للمحتجين من أنصار الديمقراطية.
ولم تقرر السلطات البحرينية اختيار رمز جديد، ليحل محل الرمز المدمر، ولكن إذا كانت ستفعل ذلك، فربما يتعيَّن عليها النظر في وضع قنابل غاز مسيلة للدموع، كرمز للبحرين اليوم.
وتماشياً مع هذا التوجه، يُقال إن الحكومة وقَّعت عقوداً مع شركات كورية جنوبية وألمانية وجنوب أفريقية، من أجل توريد 1.6 مليون قنبلة غاز مسيل للدموع من مختلف الأنواع، ما يوفر لها أكثر من قذيفة لكل مواطن بحريني.
علامات قمع
وتوجد على كل جانب علامات على قمع متزايد من قِبل عائلة الخليفة السنية التي تحتكر السلطة في البلاد، التي تشكل الطائفة الشيعية 60 في المائة من سكانها. ويوجد في سجون البحرين ما بين 2400 إلى 3000 شخص، وخلال الأسابيع الأخيرة حُكم على 50 شيعياً، بمن فيهم نشطاء في حقوق الإنسان، بالسجن لمدد تصل إلى 15 سنة، بعد محاكمات سريعة. وقد توفي يوسف النشمي في المستشفى، بعد أن تعرَّض لاعتقال وتعذيب من قِبل الشرطة، بعد وقت قصير من إطلاق سراحه.
وقال مكتب النائب العام إن «المتوفى أدخل المستشفى في 23 سبتمبر الماضي، وهو في حال حرجة، وتم تشخيص حالته على أنها إصابة بمرض الإيدز».
نقطتان بارزتان
نقطتان أصبحتا على قدر من الوضوح خلال الثلاثين شهراً منذ بدء الاحتجاجات الجماهيرية في 14 فبراير من سنة 2011:
لم تتم إخافة المحتجين من خلال عمليات القمع، وقد ردَّت الحكومة بتحويل البحرين إلى دولة قمعية بوليسية. وبعد وعود مؤقتة لم تتحقق حول الحوار والمصالحة في نهاية سنة 2011، لجأت السلطة من جديد إلى القوة لسحق المعارضة. وكان لافتاً عدم السماح لمقرر حقوق الإنسان الخاص للأمم المتحدة حول قضايا التعذيب خوان منديز ولمرتين بدخول البحرين كانت الأخيرة في شهر أبريل الماضي.
وقال أحد نقاد النظام، وهو من سكان البحرين، ورفض الكشف عن اسمه «خلال السنة الماضية أصبح التعذيب من جديد سمة طبيعية لأي معتقل».
وقال التعليق إن حساسية مدى تحول البحرين الظاهرة إلى جزيرة من الكراهية، مع انقسامات عميقة بين الحاكم والمحكوم، وبين السُنة والشيعة، قد تجلَّت عبر ردة الفعل العنيفة الرسمية على إشارة الرئيس أوباما إلى البحرين في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر الماضي، حين تحدَّث باعتدال عن «توترات طائفية تستمر في الظهور في أماكن مثل العراق والبحرين وسوريا»، غير أن وزراء من البحرين سارعوا إلى نفي وجود أي صلة مشتركة مع العراق وسوريا.
وقال وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله الخليفة، الذي يُقال إن وزارته استوردت كميات صناعية من الغاز المسيل للدموع إن البحرين «لم تشهد مطلقاً في أي وقت توترات طائفية».
كما أن وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد الخليفة قال إن المملكة عززت ثقافة التسامح بين مختلف المجتمعات «ومايحدث في البحرين هو جهد منسق من جانب مجموعات إرهابية متطرّفة تستهدف قوى الأمن والوافدين، بغية نشر الخوف والانقسام».
وكما هي الحال مع العديد من الأنظمة المطلقة عبر قرون من الزمن، قد تجد حكومة البحرين صعوبة في تخفيف أعمال القمع، حتى إذا أرادت ذلك.
وقد أذكت مخاوف الطائفة السُنية في البحرين مزاعم عن وجود مؤامرات إرهابية مستلهمة من إيران لدعم الشيعة. غير أن تحقيقاً مستقلاً بقيادة شريف بسيوني (المرجع القضائي الأميركي – المصري) حول كيفية معالجة البحرين للقلاقل في سنة 2011، لم يتوصل إلى وجود أي دليل على تورُّط إيراني.
وتصبح المزاعم عن نوايا ثورية جلية من خلال ميل المعتدلين ونشطاء حقوق الإنسان الذين تعرَّضوا لسوء المعاملة، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن لمدد طويلة، لأن يصبحوا أقل اعتدالاً بعد خروجهم من السجن.
تصعيد تعسفي
لمَ عمدت حكومة البحرين إلى تصعيد جهودها لسحق المعارضة خلال فصل الصيف؟ قد يتمثل أحد الأسباب في الإحباط الجلي من أنه بعد 30 شهراً من أول تظاهرة انطلقت من دوار اللؤلؤة، لايزال المحتجون في القرى الشيعية يواجهون الشرطة، وينظمون مسيرات.
ويوجد أيضاً إدراك مبالغ في البحرين – وفي دول خليجية أخرى – بأن القوة الأميركية في الشرق الأوسط هبطت بحدة أكبر مما هي عليه حقاً.
وهكذا، شعرت السلطات بحرية لاعتقال خالد المرزوق، وهو السكرتير العام لجمعية الوفاق الرئيسة المعارضة في 17 سبتمبر، وكانت المعارضة تأمل في حصول قادتها على قدر محدود من الحماية، لأن اعتقالهم سوف يزعج واشنطن وأوروبا الغربية.
وبشكل عملي، أعربت الولايات المتحدة وبريطانيا عن درجة كافية من انتقاد الحكومة البحرينية إزاء مزاعم حول عمليات تتسم بالقسوة والافتقار إلى الديمقراطية، بحيث لا يتم وصفهما بالنفاق الشديد عند شجبهما للرئيس السوري بشار الأسد، بسبب أعمال التعذيب وعدم إجراء انتخابات.
وقد تجاهلت وسائل الإعلام الدولية إلى حد كبير البحرين منذ نهاية سنة 2011، بسبب الأزمات المتفاقمة في سوريا ومصر وليبيا، ولكن من غير المرجح أن يستمر هذا التجاهل. وترفض البحرين منح تأشيرات زيارة إلى الصحافيين الأجانب ومنظمات حقوق الإنسان، ولكن منظمة العفو الدولية، وكذلك هيومان رايتس واتش، تحتفظان بسجل أفضل من وسائل الإعلام الأجنبية حول الاعتقالات والسجن والتعذيب والقتل.
ويشير حسيبة حاج سهراوي، وهو نائب مدير منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن اعتقال السيد المرزوق «يشكل ضربة أخرى للحوار الوطني الذي طرحته السلطات، كسبب من أجل الغاء زيارة الخبير الأممي حول قضايا التعذيب».
ويضيف إن حلفاء البحرين لم يعد في وسعهم كتمان انتقاداتهم للتجاوزات عبر التظاهر بأن ذلك قد يعطل مسار الحوار الوطني الذي لا وجود له.
ويتمثل أحد تكتيكات الحكومة الحكومة البحرينية في محاولة قمع وسائل الإعلام المحلية.
ويقول صحافي بحريني إن «كل شيء محظور بشكل أساسي، وحتى أكثر الانتقادات أو التقارير اعتدالاً قد يضعك في السجن بتهمة الإرهاب ولفترة طويلة من الزمن».
ويصف ناشط يدعى محمد حسن، الذي اعتقل من منزله في 31 يوليو الماضي، على موقعه، كيف تعرَّض للضرب ولصدمات كهربائية، وأرغم على الوقوف لثلاثة أيام وهو يضرب إلى أن انتهى بتوقيع اعتراف.
تطهير عرقي
ماذا سوف تكون الحصيلة بالنسبة إلى البحرين؟
بعد الذعر الذي تملكها في مواجهة احتجاجات سنة 2011 لم تتمكن حكومة البحرين من العودة إلى سياسة عقلانية. ويعتقد البعض من المراقبين بأن أسلوب القمع الشديد يهدف إلى تعطيل تنظيمات المجتمع الشيعي قبل عرض اتفاق أو صفقة. والتوقع الأكثر سوءاً، هو سعي الحكومة إلى تهميش الشيعة، سياسياً واقتصادياً، فيما تقوم بإحضار السُنة من سوريا والأردن والعراق وباكستان للحلول محل السكان الشيعة.
وتقول ورقة صدرت عن جمعية الوفاق حول التطهير العرقي إن من بين 58 وزيراً ونائب وزير يوجد 9 فقط من الشيعة، فيما يشغل واحد فقط المناصب العليا التي تتبع مباشرة للملك.