
ترجمة: علي بوشهري
نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقالا في 1يوليو الجاري للكاتب سيوماس ميلن قال فيه:
«أصبح واضحا الآن، أن ألمانيا والقوى الأوروبية لا تريد فقط أن تخضع اليونان، باقتصادها، إنما تريد تغييرا للحزب الحاكم من دون استعمال القوة – وهذه المهمة تدار من برلين وبروكسل، بدلا من واشنطن.
والشبهات حول رغبة المستشارة أنجيلا ميركل ونخبة الدائنين من أوروبا وصندوق النقد الدولي لإزالة الحكومة المنتخبة في اليونان أصبحت غير قابلة للشك.. فكل ما تم فعله في الأسابيع القليلة الماضية باتجاه الحكومة اليسارية، بقيادة حزب السيريزا، الذي تم انتخابه لإزالة حزمة التقشف العاصفة باليونان، ينمُّ عن محاولة لزعزعة صورة الحزب أمام الجماهير اليونانية والتقليل من مصداقيته.
لا توجد أي رغبة للتنازل من الأوروبيين، الهدف هو إذلال تسيبراس وحكومته، لاستبادلها بحكومة أكثر مرونة، نعرف من مستندات صندوق النقد الدولي أن الدائنين عرفوا منذ البداية، أن حجم القروض غير محكوم، وأن اليونان ستواجه حزمة للتقشف حتى 2030، على الأقل هذا في أفضل السيناريوهات.
وحتى مع تدابير الإنقاذ المبكرة التي ذهبت للبنوك، لا إلى الدولة، وحزمة التقشف المفروضة على اليونان، التي جلبت الفقر والتضخم للدين، فإن هذه الإجراءات تدور حول القوة، لا المال.
لذلك، فإن قرار البنك الأوروبي المركزي، بإيقاف التمويل الطارئ عن البنوك اليونانية، بعد أن طلب تسيبراس إجراء الاستفتاء حول حزمة الإنقاذ الأوروبية، هو ما دفع

اليونان إلى مرحلة جديدة من التدهور الاقتصادي ناجم عن عدم قدرتها على تسديد ديونها لصندوق النقد الدولي، لتكون أول دولة متقدمة تتخلف عن ذلك.
القيادات الأوروبية لا تحبذ الاستفتاءات، والدول دائما ما تُقنع بإجرائها مرة أخرى، إذا لم تفرز إجابة صحيحة في نظر الأوروبيين، والاستفتاء اليوناني ليس استثناء، وقد توالت التهديدات بعد الإعلان عنه.
تحذرات القادة
قائد أوروبي تلا الآخر لتحذير اليونانيين ومحاولة إقناعهم بتجاهل الحكومة والتصويت بـ«نعم»، أو مواجهة تبعات الخروج من اليورو- زون.. التفاوت الطبقي أصبح جليا بين الفريق الغني، الذي يقف في صف «نعم»، وفريق الطبقة العاملة الواقف بصف «لا»، وأمل القيادة الأوروبية، هو إذا تمَّت هزيمة تسيبراس، خشية الفوضى، فإن هذا سيؤدي إلى تدهور قوة السيريزا.
النخبة الأوروبية تصرُّ على أنها تمثل مصالح دافعي الضرائب البرتغاليين والأيرلنديين، الذين سيدفعون ثمن إجراءات إنقاذ اليونانيين، أو الذين سيغضبون لإطاحة الديون اليونانية، بينما تم إغصابهم على تدابير مماثلة، والتزموا بها، لكن الحقيقة هي عكس ذلك.
فخ الأخلاقي
ليس هناك أي ألماني أو دافع ضرائب أوروبي خسر لإنقاذ اليونان.. الخوف الحقيقي في بروكسل وبرلين، هو ليس من أن الناس في دول كالبرتغال وإسبانيا الذين قبلوا بإجراءات اليورو- زون التقشفية، سيرفضون إسقاط الديون اليونانية، بل الخوف، هو أن هذه الدول ستريد إنهاء الإجراءات التقشفية التي يعانونها هم وإسقاط الديون.
هذا ما يسمى «فخ الأخلاقي»، لكن ليس هناك ما يتصل بأي شكل بالأخلاقيات وهناك كل ما يتعلق باتحاد نقدي غير متزن، متمثلا بنموذج نيوليبرالي مدمر مفروض عن طريق اتفاقية وحزمة تقشف موجودة للإبقاء على أرباحه.
لذلك، فإن ميركل والبنك المركزي الأوروبي يريدان استسلام اليونان.. الحكومات الديمقراطية المبتدئة التي تناهض التقشف يجب أن توقف خوفا من انتقال العدوى سياسيا، قبل أن تكون ماليا. إنه نظام بحيث تستطيع مؤسسات غير منتخبة ومصادر قوة أخرى أن تتغلب على رغبة الحكومات المنتخبة، وبالأحرى فرض سياسات معينة، وفي بعض الأحيان حكومات كذلك. فالمؤسسات الأوروبية تتبنى مصدات مناهضة للديمقراطية.
خيار اليونان
نقطة ضعف السيريزا، هي التزامه بإنهاء عهد التقشف، وبالوقت نفسه البقاء في اليورو، وهذا هو تطلع الرأي العام اليوناني. لكن واقعيا، لن يكون هناك أي تنازل مع الدائنين الأوروبيين، أو قدرة على إقناع السلطات أنهم أوروبيون «جيدون».
وبالنسبة للنخب الأوروبية، فإن خطورة خروج اليونان تتقلص، مقارنة بخطر لحاق دول أكبر في اليورو القطار اليوناني في مواجهة ناجحة أمام التقشف.
إن تصميم أليكسس تسيبراس والسيريزا للبقاء في اليورو- زون، هو ما أضعف قوة اليونان في المفاوضات، والمشكلة الاقتصادية التي ستواجه اليونان في حال خروجها من اليورو- زون، بالتأكيد ستكون شديدة على الأمد القصير، لكن كلفة البقاء بتقشف دائم ستكون أعلى وأخطر على المدى البعيد.
هناك مصادر في السيريزا، تقول إنه ليست هناك أي استعدادات لما قد يفرض عليهم، الضغط اللامتناهي من البيرقراطية الأوروبية، تتطلب قوة بالرد، وفي الوضع الحالي، على سبيل المثال، أن تتحكم اليونان بالبنوك كافة.
النتيجة الأسوأ في هذه المشكلة، هي أن يطبق السيريزا حزمة التقشف التي تم انتخابه لإنهائها، وبالتالي، فإن التصويت بـ«لا»، هو الخيار الأفضل لليونان، والذي يجب أن تتبعه إجراءات راديكالية، إذا كانت للحكومة إرادة لتقوية موقف اليونان في المفاوضات، أو تجهيز الأمر لخروجها من اليورو.
الخطر الحقيقي
الخطر الحقيقي على أوروبا، هو إذا تم إخضاع السيريزا، فهذا الفشل سيؤدي إلى إخماد الموجة الجديدة في أوروبا المناهضة للتقشف، كالبوديموس في إسبانيا، والشين فين في أيرلندا، وترك المجال السياسي لليمين.
في كل الحالات، أي اتفاق يوناني حول اليورو لن يؤدي إلى إسقاط ديون لن تسدد أو إنهاء التقشف على اليونان، هو اتفاق سيؤجل المشكلة، ولن ينهيها، وإذا نجت حكومة السيريزا، فيتوجب عليها تغيير الاتجاه. قدرها ومواجهتها الفوضوية مع نبلاء اليورو- زون، هي ما ستشكل مستقبل أوروبا كلها».