
كتب آدم عبدالحليم:
في إطار الندوات التثقيفية التي يقيمها المنبر الديمقراطي ضمن نشاطه الثقافي، استضاف بمقر الضاحية بديوانية النائب السابق عبدالله النيباري، الباحث الفلسطيني سلمان أبوستة، الأكثر ارتباطا بالقضية الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق منها باللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، أو كما يصفه المراقبون للشأن الفلسطيني بعراب حق العودة.
في البداية، ثمَّن أبوستة الحضور الشبابي للندوة، مؤكداً أن اهتمام الشباب في العالم العربي والدولي يقابله هبوط شديد في آخر 25 سنة في المواقف الرسمية العربية، وخاصة بعد اتفاقية أوسلو، معتبرا أن الأجيال الجديدة التي جاءت عقب ذلك لا تعرف قضية وطنها.
ولفت إلى أن الأجيال السابقة كانت تدرك حقيقة القضية، وكانت متابعة بدقة لأحداثها المتوالية، ولاسيما النكسة، بل على العكس تماما، فقد شاركت الأجيال السابقة في أحداث القضية، على عكس الجيل الحالي، الذي لا يمتلك فرص المشاركة، بعد أن أخذ التيار السياسي العربي منحى مختلفاً عن السابق.
المناهج الدراسية
واعتبر أبوستة أن أسوأ ما حدث، الضغوط التي غيَّرت مناهج الدراسة، وبسببها أصبح الطلاب في المدارس لا يعرفون شيئاً عن فلسطين، بعد أن أصبحوا يدرسون القضية بشكل غير مناسب، معتبراً أن برامج التعليم الحالية كانت سبباً في نسيان قضية العرب الأولى، وهو هدف إسرائيل الأول، فتم تغييب القضية من أذهان العرب والأجيال القادمة.
وأضاف: لا يوجد مثيل لما يحدث الآن منذ 5 آلاف عام، فلم يصل العرب إلى هذا المستوى من قبل، مؤكدا أن ما يحدث حالياً، بأن تأتي مجموعة بمخطط سابق من دول استعمارية وتستولي على الأرض بالمال والسياسة والتخطيط والقوة العسكرية أمر مريب وغريب على التاريخ كله، مؤكداً أن إنشاء دولة إسرائيل بدأ في الربع الأول من عام 48، بإرسال جيش منظم بثمانية ألوية، بـ 120 ألف مقاتل، خرجوا من الحرب العالمية الثانية وجاءوا إلى فلسطين، بحماية بريطانية في ظلام الليل، لتهيئ لهم دولتهم.
واعتبر أبوستة أن بداية زرع إسرائيل بدأت مع هربرت صموئيل، أول مندوب سام بريطاني في فلسطين، حيث عمل على ذلك، بأن هيأ كل السبل لقدوم اليهود إلى فلسطين، وإنشاء دولتهم، بعد أن عمل على بناء مؤسسات الدولة الجديدة.
وأوضح أن المندوب السامي البريطاني، الذي كان يؤمن بالصهيونية، جاء لينفذ وعد بلفور، وخاصة الجزء الصهيوني منه، على الرغم من وحشية ذلك الجزء، مبيناً أنه على الرغم من وحشية وعد بلفور، فإنه، ومقارنة باتفاقية أوسلو، أكد عدم المساس بالشعب الفلسطيني.
وأشار أبوستة إلى أن هربرت صموئيل أنشأ إسرائيل في 5 سنوات فقط، فبدأ بإيجاد كيان يهودي بلغته العبرية، ثم نظام تعليمي منفصل لليهود، ثم نظام اقتصادي يخدم قضيتهم بنظام بنكي محكم، إلى جانب إنشاء وزارة للأشغال تخدم المستعمرات والمستوطنات التي احتاجوها في تلك الفترة، ووزارة للطاقة أمَّنت لهم الطاقة الكهربائية، وقد قام صموئيل بسنّ 120 قانوناً، فتمكن من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لصالح إسرائيل، حيث إن أي أرض كان يستولي عليها المندوب السامي كان يتصرَّف فيها كيفما شاء، باعتبار أن الأرض ملك الدولة.
حراس المستعمرات
وأكد أن أخطر ما حدث في تلك الفترة، إنشاء جيش تحت اسم حراس المستعمرات، وقالوا إنه لحراسة المستعمرات، لكن واقع الأمر يؤكد أن هذا الجيش تم تدريبه على القتال وليس الحراسة، بواسطة السلاح الذي كانوا يحملونه، على عكس الفلسطيني، الذي كان يعدم إذا ضبط معه مسدس، وبذلك، فإن المندوب السامي وضع نواة إسرائيل، لذلك جاء اليهود أفواجاً، لتثبيت أنفسهم في البلد، واستطاعوا بذلك الحصول على 6 في المائة من مساحة فلسطين، منها نصف في المائة مساحة كان يمتلكها اليهود العرب منذ أيام العثمانيين، مبيناً أن 6 في المائة ليست قيمة، ولكن قيمتها تتلخص في أنها تحت السيطرة البريطانية التي أخذت فلسطين بجيش منظم بثمانية ألوية، متمثلة في 120 ألف مقاتل، في الوقت الذي لم يكن العرب فيه مدركين لما يحدث عسكريا للجيش الإسرائيلي والتجهيزات العسكرية الأخرى.
وأضاف أبوستة: بعد ذلك، وفي أول ستة أشهر ألقى الإنكليز بالكرة في ملعب الأمم المتحدة، وأوكلوا إليها القضية، ورأت وقتها الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، وأعطت أكثر من نصف مساحة فلسطين للإسرائيليين، ليجد الفلسطينيون أنفسهم تحت سيادة دولة قادمة من الخارج.
وعن تقسيم الأمم المتحدة لفلسطين، قال: الأمم المتحدة ليست لديها الشرعية القانونية التي تخولها بأن تقوم بالتقسيم أو أي بلد آخر، ولا توجد قيمة قانونية لذلك، والدليل أنه في عام 94 وأثناء الأزمة اليوغوسلافية اقترحت عدة دول عدة تقسيمات للاستقرار على إحداها في النهاية، مبيناً أن الغرب شعر بعد فكرة التقسيم أنها لن تتم، لأن المخطط لنصيب العرب أقل من نصف مساحة فلسطين، على الرغم من أنهم أصحاب الأرض والأكثر عدداً، وبذلك تأكدوا أن التقسيم فكرة خاطئة، ليتحول بن غوريون، بعد وضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة بعد خروج الإنكليز، إلى الخطة «D»، التي سمحت له إطلاق الجيش على الفلسطينيين العزل، لاحتلال فلسطين بالقوة، وخلال ستة أسابيع من أول أبريل حتى منتصف مايو احتلت إسرائيل أو جيش بن غوريون 220 قرية.
مذابح فظيعة
وأكد أبوستة أن تلك العمليات العسكرية الهمجية تخللتها مذابح فظيعة، منها دير ياسين وغيرها، وبسبب تلك الجرائم الشنيعة، بدأت قضية اللاجئين، بعد أن تسببت تلك الفترة في نزوح نصف أعداد اللاجئين من ديارهم وقراهم، معتبراً أن كل الأحداث السابقة أقيمت تحت عدة عوامل، أهمها أن إسرائيل مجرَّد عصابات إرهابية، فهي لم تكن موجودة في تلك الفترة كدولة، فضلا عن أن بريطانيا كانت موجودة، ولم تقم بحماية الفلسطينيين، بل على العكس، أعطت لليهود أسلحة، ليقتلوا العرب، إلى جانب عدم دخول جندي عربي رسمي في تلك الأثناء، بسبب منع الإنكليز لهم من الدخول.
وأضاف أبوستة: بعد سقوط يافا وحيفا حدثت تظاهرات عارمة في الدول العربية، فقد اضطرت بعدها إلى التحرك، لإنقاذ ما تبقى من فلسطين.. وعلى الرغم من ذلك، لم تنجح الجيوش العربية في مهمتها، لطبيعة كل جيش، وأهمها عدم اتصافها بالتنظيمية، لتكمل إسرائيل مخططها في النصف الثاني من عام 1948.
وعن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في النصف الثاني، قال أبوستة: طردت أبناء 675 قرية، ليكتمل بذلك النصف الآخر لأعداد اللاجئين، معتبراً أن كل ما يُقال عن أن إسرائيل كانت تدافع على نفسها أمر عار تماما عن الصحة، وتفنده الإجراءات المتخدة.
ووصف قضية اللاجئين بأكبر عملية تهجير في التاريخ، والتي صاحبها قتل منظم، قائلاً: الدول العربية لم تدخل أي حرب من أجل فلسطين، حتى إن حربي 56 و73 كانتا بغرض الدفاع، متسائلاً: هل هذا عجز ونقص؟ وأن ذلك النهج يتعارض مع طبيعة الشعوب العربية، التي تؤمن بضرورة تحرير فلسطين.
وعن أعداد الفلسطينيين، قال أبوستة: العدد وصل إلى 12 مليون نسمة، وأن 75 في المائة من هذا العدد يعيش خارج وطنه، وأن هناك مَن يؤكد ضرورة الرضا بالأمر الواقع، مشبهاً القضية الفلسطينية واحتلال إسرائيل للأرض بشخص سارق هجم على بيت وقتل نصف العائلة وطرد الباقين ولا يزال يحاول دخول المنزل، مؤكداً أن السارق لم يحصل على الشرعية الكاملة، فالشعب الفلسطيني لا يزال موجوداً.
عجز عربي
وعن حالة العجز العربي، فقد أشار أبوستة إلى أن الحكومات العربية لم تقم بالدور المطلوب، فهناك عجز أو عدم اهتمام، مثمناً الحركات التي قاومت إسرائيل، ولا تزال تقاوم، والتي بدأت بحركة الفدائيين سنة 1949، ثم منظمة التحرير، مبيناً أن إسرائيل دخلت عضوا مراقبا في الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، بسبب السلاح والكفاح المسلح، وليس بسبب الخطب السياسية، فتلك الخطوة لم تأتِ بالتسول، وبنفس الأسلوب نجحت «حماس» في غزة بمجموعة من خمسة آلاف مقاتل.
وأوضح أن غزة مزدحمة بالسكان، بسبب أعداد اللاجئين فيها، وهم أصحاب 240 قرية تم تهجيرهم من قبل، وقال: وجود قطاع غزة جريمة حرب، وهو اختراع إسرائيلي، بعد أن قضت إسرائيل على كل قرى الجنوب الفلسطيني، وغزة هي المكان الوحيد التي يرفع فيها العلم الفلسطيني، واصفا إياها بشعلة المقاومة.
واعتبر أبوستة أن اتفاقية أوسلو جاءت خلال مراحل من الانحطاط السياسي والعسكري، مبيناً أن تلك الاتفاقية أخطر من وعد بلفور، كون وعد بلفور وضع بين أطراف استعمارية من دون علم صاحب الأرض، على عكس اتفاقية أوسلو، التي وافق على بنودها صاحب الأرض، واعترف من خلالها بالعدو بأنه مالك.
وقال إن ذلك منافٍ تماما للقانون الدولي، الذي يؤكد أن غزة والضفة أراض محتلة، وعلى الجميع أن يتمسك بهذا الحد، مجدداً وصفه لاتفاقية أوسلو بالمهزلة، التي لم تراعِ حقوق الفلسطينيين، ولم تذكر فيها كلمات كالشرعية الدولية.
مجلس وطني جديد
وأشار أبوستة إلى أن التخلص من الوضع الحالي أمر ممكن، عن طريق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، بمشاركته في القرار، ولابد من مجلس وطني جديد يشارك فيه كل الفلسطينيين في كل أنحاء العالم (12 مليون مواطن فلسطيني)، معتبراً أن الأقاويل التي تصبُّ في وجود مجلس تشريعي انتخب عام 2006 أمر لابد أن يُعاد النظر فيه، ولاسيما بعد أن انتهت شرعية ذلك المجلس بانتهاء الأربع سنوات.
وأضاف أن المجالس التي تأتي بتصويت الفلسطينيين في الضفة وغزة فقط غير مكتملة، كونها تهمش 70 في المائة من السكان خارج فلسطين، مبيناً أن هناك معارضة شديدة من قِبل إسرائيل وأميركا لذلك التوجه، لأن أي قيادة قادمة لن تتنازل أو تفرط في الأرض، معتبراً أن قضية فلسطين من أهم القضايا العربية، ولا توجد حادثة في الشرق الأوسط إلا ويكون لها امتداد أو ارتباط بالقضية الفلسطينية، بداية من القضاء على الملكية في مصر، واغتيال ملك الأردن، والحروب والأعمال الأخرى التي جاءت بعد تلك الأحداث.
واختتم أبوستة الندوة بالقول: إن إسرائيل تعتبر نفسها الوكيل الغربي للاستعمار في المنطقة، وإسرائيل التي تهدد بضرب إيران حاليا قادرة على ضرب الدول العربية الأقرب لها، مؤكداً دور الشباب في المعركة، متمنياً أن يدرس الشباب القضية الفلسطنية دراسة علمية قانونية تاريخية، لأن العالم لا يؤمن بالعواطف، وعلينا أن نحاربهم بنفس السلاح الذي يستخدمونه.
من أجواء الندوة
● أكد أبوستة أن حق العودة قانوني، لأنه من الحقوق الأساسية التي تنص على ضرورة عودة كل إنسان الى وطنه.
● استشهد أبوستة بعدد من الإحصاءات عن الفلسطينيين الذين اقتلعوا من ديارهم في المدن والقرى الفلسطينية، مؤكدا أن موطنهم الأصلي «عكا، الرملة، بيسان، بئر سبع، غزة، حيفا، الخليل، يافا، القدس، جنين، الناصرة، صفد، طبرية وطول كرم»، وتساءل: لماذا نزحوا؟ ليجيب: أهالي 122 قرية نزحوا، بسبب الطرد على أيدي القوات اليهودية، وأهالي 270 قرية نزحوا، بسبب الهجوم العسكري اليهودي المباشر، وأهالي 38 قرية، بسبب الخوف من هجوم يهودي متجه نحو القرى، ونزوح أهالي 49 قرية، بسبب تأثير سقوط مدن قريبة، و6 قرى، بسبب عوامل نفسية، فما كان هناك نزوح اختياري لـ 6 قرى، فضلا عن نزوح غير معروف لأهالي 34 قرية.