صدارة الكويت للاستثمارات الخارجية نتاج لسوء البيئة الاستثمارية الداخلية

الكويت طاردة للاستثمارات المحلية والخارجية لسوء البيئة الاستثمارية
الكويت طاردة للاستثمارات المحلية والخارجية لسوء البيئة الاستثمارية

كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
قد يعتقد البعض أن احتلال الكويت المركز الأول على مستوى الشرق في الاستثمارات الخارجية أمر جيد، ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من الزاوية الأخرى، سنجد أن الأمر ليس في صالح الكويت، فهذا الأمر يعني أن الكويت طاردة للاستثمار بـ «امتياز»، لسوء البيئة الاستثمارية وعدم جذب الاستثمارات، سواء المحلية أو الخارجية، وهذا ما جعلها تتصدر دول الشرق الأوسط في الاستثمارات الخارجية، ومعنى أن الكويت طاردة للاستثمارات، فهذا يعني أنه لا تقدم في كثير من المجالات الاقتصادية، ولا جلب لخبرات وتقنيات حديثة تسهم بالتطور الاقتصادي.

ووفقاً لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) لعام 2015، احتلت الكويت المركز الأول شرق أوسطياً، والسابعة عالمياً، في قائمة الدول الأكثر استثمارا في الخارج.

وذكر التقرير أن هونغ كونغ والصين وروسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا والكويت، على الترتيب، تتصدر قائمة الدول ذات الاستثمارات الأجنبية الأكبر في العالم، مبيناً أن الكويت احتلت المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط في قائمة الدول الأكثر استثماراً في الخارج، وبحجم استثمارات يصل إلى 13 مليار دولار، فيما احتلت دولة قطر المرتبة الثانية، باستثمارات بلغت 7 مليارات دولار، ثم السعودية بـ5 مليارات دولار، والإمارات بـ3 مليارات دولار.

مناخ استثماري متردٍ

وعلى عكس ما علَّق مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية السفير جمال الغنيم، «أن هذه النتيجة تؤكد حيوية الاقتصاد الكويتي، والدور الذي تضطلع به الاستثمارات الكويتية في الخارج في تنمية الحياة الاقتصادية»، فإن تصدر الكويت لدول الشرق الأوسط في الاستثمارات الخارجية يعني أن الكويت طاردة للاستثمار، والأفضل للكويت أن تنمي الاقتصاد الكويتي، وليس تنمية الحياة الاقتصادية الخارجية، فتنمية الاقتصاد داخلياً ستعود على الدولة والمواطن بالنفع، ولكن ما فائدتنا بتنمية الحياة الاقتصادية الخارجية، والوضع الداخلي متردٍ؟! فتوجيه الاستثمارات إلى الخارج يجعل الكويت خاوية من الاستثمارات، في حين أنه يفترض أن تظل غالبية هذه الاستثمارات داخل الكويت، ولكن المناخ الاستثماري المتردي جعل هذه الاستثمارات تهرب الى الخارج. والغريب تأكيد السفير الغنيم، «ضرورة الاستمرار في هذا النهج، والاستفادة من هذه المكانة الاقتصادية العالمية المتميزة، لتكون رديفا لتوجهات السياسة الخارجية الكويتية»، ونسي أن هذا النهج يعني خلو الكويت من الاستثمارات، وهو ما يؤثر بشكل قوي في الاقتصاد الكويتي، فجذب الاستثمارات هدف أي دولة من دول العالم، ولكن نحن نسير في الاتجاه العكسي.

«تطفيش» المستثمر

ولا عجب أن تكون الكويت طاردة للمستثمر المحلي والخارجي، فهناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى «تطفيش» المستثمرين، وعلى رأس هذه الأسباب؛ البيروقراطية القاتلة، التي ما زالت إجراءات الحكومة للقضاء عليها دون المأمول، أو بمعنى أدق «حبرا على ورق».. فوفق آخر تقرير لشركة المركز المالي، فإن الكويت لا تزال مستمرة في تصنيفها ضمن الدول التي تتراجع بها سهولة ممارسة الأعمال.. ففي الكويت يجب على رجل الأعمال المبادر إنهاء 11 معاملة حكومية لتأسيس شركة، بينما يتراوح عدد هذه المعاملات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ما بين 4 و7 معاملات.

واعتبر تقرير «المركز»، الذي استمد معلوماته من تقرير أورده صندوق النقد الدولي، أن هناك ارتباطاً واضحاً بين عدد المعاملات الحكومية وعدد الأيام المطلوبة لإنهاء إجراءات تأسيس شركة.. ففي الكويت، تشمل إجراءات التأسيس التسجيل لدى 5 هيئات حكومية مختلفة، وهو الرقم الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي. ويستغرق حجز اسم فريد للشركة يوماً كاملاً في الكويت، بينما يمكن أن يتم ذلك في المملكة العربية السعودية وقطر عبر شبكة الإنترنت.

كما أن الإجراءات في الكويت تشمل أيضا قيام البلدية بمعاينة مكتب الشركة، وهذا إجراء فريد يتم في الكويت فقط من دون بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وقد يستغرق هذا الإجراء 5 أيام.

تراجع عائدات النفط

وأشار التقرير إلى أنه في ظل تقلبات أسعار النفط وتراجعها في الآونة الأخيرة برزت بعض الأسئلة الاقتصادية المهمة جدا أمام عدد من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وأصبحت هناك حاجة مهمة إلى قيام صناع السياسة في الكويت وبعض دول الخليج بتحديث الأطر العامة للسياسات الاقتصادية، لجذب مزيد من الاستثمارات، لتعويض تراجع العوائد النفطية.

وفي الشأن ذاته، أكد تقرير شركة بيان للاستثمار، أن احتلال الكويت مرتبة الصدارة في حجم الاستثمارات الأجنبية في الخارج جاء على حساب الاستثمار في الداخل، ما يؤكد تقصير الحكومة في دعم الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى ضرورة عودة الثقة للمستثمرين عن طريق التدخل الحكومي للمعالجة الاقتصادية الشاملة، وهذا واجب الحكومة، وأصبح لزاما عليها، مثلما فعلت معظم حكومات دول العالم المتحضر في معالجة مشاكلها الاقتصادية، مبيناً أن الكويت تخلفت كثيرا في هذا الأمر الحيوي والضروري، والذي يمس الاقتصاد الوطني بصميمه.

وقال التقرير «إن شغل الكويت للمراكز الأولى على المستوى الإقليمي أو الدولي في أي من المجالات الاقتصادية، لهو أمر إيجابي يستحق الإشادة، إلا أن احتلالها مرتبة الصدارة في حجم الاستثمارات الأجنبية في الخارج جاء على حساب الاستثمار في الداخل، ما يؤكد تقصير الحكومة في دعم الاقتصاد الوطني، من خلال ضخ الأموال واستثمارها داخلياً في السوق المحلي، فالكثير من المشاريع التنموية التي صرحت عنها الحكومة بنفسها لم ترَ النور، بسبب عدم جديتها في التنفيذ من جهة، وترددها في الإنفاق الرأسمالي من جهة أخرى، وهو ما أدى بالنهاية إلى تخوف القطاع الخاص في استثمار أمواله داخل السوق المحلي، واتجاهه نحو بلدان أخرى تتمتع ببيئة اقتصادية مشجعة.

حاجة ماسة للاستثمارات

والمؤكد أن البلاد في حاجة كبيرة إلى الاستثمارات، وهذا يتطلب تنفيذ مزيد من الإصلاحات، وإعطاء أهمية مساوية لمراقبة سير أعمال تنفيذ الخطوات الإصلاحية، إلى جانب تطبيق أحدث التطبيقات العملية في مجالات الإدارة والإصلاحات، مع سرعة تحديد الفرص الجديدة واستغلالها، والاستفادة من الموارد الحالية بشكل أكثر إنتاجية وكفاءة، والتركيز على كيفية جذب الاستثمارات، وليس إخراجها من البلاد.

ولا شك أن تدفق الاستثمارات الخارجية له أهمية كبيرة، وخصوصا طويلة الأجل منها، فهذه الاستثمارات تعد أداة رئيسة لإصلاح الكثير من المشكلات والاختلالات التي تعانيها اقتصادات الدول النامية، ومنها الكويت، وهو ما يمكن هذه الدول من الانخراط في الاقتصاد العالمي، وتنفيذ خططها الإنمائية، وتحسين وضعها الاقتصادي، والحد من البطالة وزيادة فرص العمل، وتعزيز التنافسية عالمياً.

وفي الوقت الذي تقاتل فيه العديد من الدول لتحقيق هذه التطلعات، نرى الكويت تسير عكس التيار.. فبدلاً من أن تضع الحوافز والتسهيلات لجذب الاستثمارات الأجنبية، زادت من العراقيل التي جعلت منها دولة طاردة للاستثمارات الأجنبية بامتياز في شتى القطاعات.

تراجع مستمر للكويت في جذب الاستثمارات

عاماً بعد عام تتراجع الاستثمارات المحلية في الكويت، ويتزايد حجم الاستثمار الخارجي.. ووفق التقرير السنوي للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات حول مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2011، تراجعت الكويت إلى مراتب متأخرة جداً في جذب الاستثمارات الخارجية، حيث جاءت في ذيل قائمة الدول العربية، بإجمالي استثمارات بلغ 399 مليون دولار، وبنسبة 0.9 في المائة من إجمالي الاستثمارات، ولم يأتِ بعدها في القائمة سوى فلسطين، بإجمالي 214 مليون دولار، وبنسبة 0.5 في المائة، والصومال بـ 102 مليون دولار، وجيبوتي باجمالي 78 مليون دولار، وموريتانيا بـ45 مليون دولار.

في حين تصدَّرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول المضيفة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة لعام 2011، بنحو 16.4 مليار دولار، وبنسبة 38.2 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة، وذلك رغم تراجعها بنسبة بلغت 41.6 في المائة، مقارنة بعام 2010، وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية، بإجمالي 7.6 مليارات دولار، وبنسبة 17.9 في المائة، ثم لبنان بإجمالي 3.3 مليارات دولار، والسودان بإجمالي 2.6 مليار دولار، وبنسبة 6.3 في المائة، فالجزائر بإجمالي 2.57 مليار دولار، والمغرب 2.5 مليار دولار، وتونس 2.2 مليار دولار، والأردن بـ 1.65 مليار دولار، والعراق بنحو 1.61 مليار دولار.

الكويت.. من المرتبة الثانية إلى الأولى

خلال السنوات الأربع الماضية احتلت الكويت مرتبة متقدمة جداً بين دول الخليج العربية، فقد احتلت المرتبة الثانية متفوقة على دول الخليج جميعها، ولكن للأسف في حجم الاستثمارات التراكمية المصدرة منها. ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي، بلغ حجم هذه الاستثمارات ما يقارب 30.5 مليار دولار، خلال الفترة من عام 2007 إلى نهاية عام 2011، حيث احتلت الكويت المرتبة الثانية خليجياً، في حين بلغ حجم الاستثمارات التراكمية المصدرة من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الخارج خلال الفترة نفسها نحو 36.9 مليار دولار، واحتلت بها الإمارات المركز الثاني.

وها هي الكويت، بعد سنوات قليلة، تتقدم من المرتبة الثانية إلى المرتبة الأولى، لتتقدم على دول الخليج كافة، وتحتل المركز الأول شرق أوسطياً، في قائمة الدول الأكثر استثمارا في الخارج، متقدمة على الإمارات وقطر والسعودية، بحجم استثمارات يصل إلى 13 مليار دولار، فيما احتلت دولة قطر المرتبة الثانية، باستثمارات بلغت 7 مليارات دولار، ثم السعودية بـ5 مليارات دولار، والإمارات بـ3 مليارات دولار، وهذا الأمر جاء على حساب الاستثمار في الداخل، ما يؤكد تقصير الحكومة في تهيئة بيئة استثمارية مناسبة، ويؤكد المشكلات التي يعانيها الاقتصاد المحلي.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.