
كتب محرر الشؤون المحلية:
انتشرت الأغذية الفاسدة بصورة ملحوظة في البلاد، بسبب ضعف الرقابة، وعدم تشديد العقوبات، والتراخي في تطبيق القانون، ما يعرّض صحة المستهلكين للخطر.. ولا تزال المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي توزع في الأسواق، وتدخل بطون المستهلكين.. فوفق حملات وزارة التجارة وبلدية الكويت والإحصاءات الرسمية، فإن هذه الحملات أسفرت عن ضبط 350 طناً من الأغذية الفاسدة خلال الأشهر الستة الماضية، لكن مراقبين للأسواق يؤكدون أن ما يصل إلى المستهلكين من سلع غير صالحة للاستهلاك أو قاربت صلاحيتها على الانتهاء تقدر بأضعاف هذه الكميات المضبوطة، والمعلن عنها من قِبل الجهات المختصة.
وأكد المراقبون أن شركات تتكسَّب من وراء الأغذية الفاسدة وتحصل على أرباح تقدَّر بالملايين من وراء توزيع السموم على المستهلكين، مشيرين إلى أن ضعف العقوبات يغري التلاعب والتكسب على حساب صحتنا، فمَن أمِن العقوبة تمادي في التربح، بأي وسيلة غير مشروعة.
أين القانون؟
وشدد محامون وقانونيون على أن الثغرات التشريعية تجعل الكثير من مروجي الأغذية الفاسدة والمتربحين على حساب صحة المستهلكين يفلتون من العقاب، لافتين إلى أن قانون الغش التجاري يحتاج إلى تحديث.
ولفت المحامي محمد القلاف إلى أن بعض ضبطيات تُحال بالفعل للنيابة، لكن بعض القضايا يكون مصيرها الحفظ أو البراءة أمام المحكمة المختصة والتفتيش على مخازن الأغذية، مشيراً إلى ضرورة تأهيل مفتشين على قدر عالٍ من الخبرة القانونية، فضلاً عن تأهيلهم في نواحي الفحص.
ضعف العقوبات
من جانبه، أكد المحامي سعود العازمي، أن ضعف العقوبات، هو السبب في انتشار الغش التجاري بصفة عامة والأغذية الفاسدة على وجه الخصوص، لافتاً إلى أن بعض هذه القضايا الخطيرة يحرر لها محضر «غش تجاري»، وينال المخالف فيها غرامة مالية متفاوتة، وفق نوع القضية وطبيعتها، مدللاً على ضعف العقوبات، بإدانة بعض الغشاشين بغرامة لا تتجاوز 200 دينار، أحياناً، ومن ثم لا يرتدع الغشاشون، ويواصلون نشاطهم بلا وازع أو ضمير.
تجارب مؤلمة
من جهتهم، روى مواطنون ومقيمون تجاربهم مع شراء أغذية فاسدة، مؤكدين أنهم وقعوا ضحية لبعض معدومي الضمير في الأسواق، والذين يحترفون الغش والتلاعب.. إما في نوعية السلعة وإما كميتها، لكن الأخطر على الصحة هو غش الأغذية، لأنه يسبب أمراضاً خطيرة، وفق تأكيد الأطباء.
وتروي المواطنة أم علي واقعة تكشف ضعف الرقابة على سوق اللحوم، حيث قصدت محل جزارة في الشويخ، واشترت كمية من اللحوم، لكنها اكتشفت بعد ذهابها للبيت أنها فاسدة، مشيرة إلى أن ابنها الذي لديه ماجستير في العلوم الصحية، هو مَن وضع يدها على علامات الفساد الغذائي في هذه اللحوم.
وتضيف: بعد أن ذهبنا إلى بائع اللحوم نفسه، وهو من جنسية عربية، وبعد تضييق الخناق عليه، اعترف بأن اللحم مجمَّد، وباعه على أنه طازج، لكنه أنكر أن يكون فاسداً، ثم اضطررنا إلى إبلاغ الرقابة التجارية بوزارة التجارة، إلا أنهم طلبوا منا فاتورة الشراء، وبالتأكيد لم تكن معنا فاتورة، متسائلة: مَن منا يقصد محل لحوم ويطلب منه فاتورة شراء؟
سلع التعاونيات
لكن عبدالرحمن حافظ روى واقعة أخرى تؤكد ضعف الرقابة في بعض الجمعيات التعاونية، مشيراً إلى أنه اشترى كمية من الأغذية المعلّبة، ثم اكتشف أن صلاحيتها لم يتبقَ بها سوى يوم واحد، واضطر إلى الصمت عن هذه الواقعة، بعد أن أكد له مسؤول في مجلس إدارة الجمعية، أن ترك هذه السلع على الأرفف خطأ بشري وارد، وقد عُوقب المتسبب في ذلك.
صمت حكومي
بدوره، تساءل أستاذ الأغذية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.سالم المطيري: متى تتخذ الحكومة إجراءات صارمة وتستقبل الاقتراحات الجادة من المختصين لتعديل الأوضاع ومحاصرة الفاسدين، بما يواكب حالات التسمم التي قد تمر بها أنت أو يمر بها أحد أقربائك، ولو «على خفيف»، فتظن ويظن هو أن الأمر مرَّ بسلام، بينما كبدك أو كليتاك المكلفتان بالتخلص من هذه السموم يتم إرهاقهما.
وأردف بالقول: إن خلو البلاد من مختبرات متطورة لفحص الأغذية يفتح الباب لوصول الكثير منها إلى بطون المستهلكين، مشيراً إلى أن آلية فحص الغذاء حائرة بين «التجارة» و»الصحة» والبلدية، ولا يوجد سوى مختبر يتيم يتبع وزارة الصحة، وترسل إليه عينات الأغذية من قِبل «التجارة» والبلدية لفحصها، وتعلن نتائج الفحوص بعد فترة طويلة.
وأشار المطيري إلى أن الوقت قد حان لتأسيس المزيد من المختبرات، في مناطق مختلفة، وفي المنافذ الحدودية، لفحص عينات الأغذية فور دخولها البلاد.
مفتشو «التجارة»
وكان لابد من طرق أبواب القائمين على ضبط الغش التجاري، ويقول أحد مفتشي الرقابة التجارية إن عدد المفتشين التجاريين غير كافٍ، وعلى سبيل المثال، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد في منطقة العاصمة، التي تزدحم بالأسواق والمراكز التجارية ومخازن الأغذية.
وقال: نحن مسؤولون عن مراقبة جميع المحال والمؤسسات والسلع، بأصنافها، والمفروض أن نهيئ للأسواق كادرا مناسبا ودورات متخصصة مستمرة ووسيلة انتقال، لكنا نضطر كثيراً إلى ترك بعض السلع المضبوطة عند صاحب المخالفة نفسه، وبالطبع قد يغير فيها كما يشاء.
وأشار إلى عدم توفير آليات متطورة للفحص، وعدم وجود برادات متنقلة، لتنقل فيها الأغذية الطازجة التالفة أو التي يُشتبه في تلفها، ولاسيما اللحوم والأسماك، من المحل المخالف الى مختبر «الصحة»، حتى لا تتلف، وكي لا يجد المخالف حجة أو ثغرة قانونية يفلت بها من العقاب.
مختبر «الصحة»
وأضاف: حتى أجهزة مختبرات وزارة الصحة تحتاج إلى تحديث.. ففي كثير من الأحيان لا نجد الجهاز المناسب لإجراء فحص معيَّن للحوم والأسماك وغيرها من السلع.
ولفت المفتش التجاري إلى أنهم يمرون على المحال والمخازن، ويسحبون عينات من السلع الغذائية، ومن ثم يرسلونها للمختبر التابع لوزارة الصحة، مشيراً إلى أن أكثر المواد غير الصالحة للاستهلاك السبب في تلفها سوء تخزينها، فالتجار باتوا يستوردون مواد غذائية فوق طاقة السوق بكميات كبيرة، والسوق لا يتحمل فيخزنونها، في مخازن غير ملائمة، ومن ثم تفسد البضاعة، والمستورد لا يريد أن يخسر، فيبدأ في تصريفها قدر الإمكان.. وطالما الغرامة ليست رادعة، والمكسب من تسريب السلع التالفة أكبر، فبالتالي يصبح ترويج الغذاء الفاسد مغامرة مأمونة العواقب بالنسبة لمن يريد التكسُّب على حساب صحة الناس.
خطر صحي
ثمة تساؤل يطرح نفسه: ما مخاطر تناول غذاء فاسد على الصحة العامة؟ يجيب عن هذا التساؤل اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي د.عماد النامي، مؤكداً أن أقل هذه المخاطر، أعراض التسمم الغذائي، المتمثلة في القيء والإسهال وارتفاع درجات الحرارة والتلبك المعوي، لكن هذه الأعراض قد تتطور إلى نزلة معوية حادة والتهاب حاد في المعدة والأمعاء.
وأضاف: تناول بعض الأغذية الفاسدة قد يسبب الفشل الكلوي، وتليف الكبد، بسبب إرهاقه بالسموم التي تحتوي عليها أنسجة اللحوم والأسماك الملوثة والتالفة، مشيراً إلى أن بعض هذه الأغذية لا تظهر لها أي أعراض عند تناولها، لكن أضرارها تكون مختبئة في أجهزة الجسم، وتظهر على المدى البعيد.
وجبة مطعم تصيب أسرة بالتسمم
قبل رمضان بأيام تناولت أسرة مكونة من 5 أفراد وجبة في أحد المطاعم بمركز تجاري، وإذ بأعراض التسمم تظهر عليهم جميعاً.
الأسرة تقدَّمت بشكوى رسمية إلى الرقابة التجارية – التابعة لوزراة التجارة، وذلك بعد إثبات حالة في المخفر.
وأكد مصدر مسؤول في وزارة التجارة، أن حق الأسرة مصون، ولكن عليها أولا أن تكون قد أثبتت حالة التسمم بتقرير طبي، فضلاً عن الاحتفاظ بفاتورة المطعم، لتثبت ساعة تناول الطعام فيه، وترفق الأوراق مع محضر الرقابة التجارية.
تدريب المفتشين
قال مصدر مسؤول بوزارة التجارة: هناك دورات تدريبية لمفتشي الرقابة على الأسواق، لكنها قليلة، ولا تتناسب مع تطور أساليب الغش.
أنواع الغش
تتعدد وسائل الغش الغذائي، وأبرزها: تسويق سلع منتهية الصلاحية، أو أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، وبيع لحوم وأسماك مجمَّدة على أنها طازجة، بعد تسييحها، فضلاً عن التلاعب في النوع والكميات.