تسلـُّط أردوغان وطموحه الزائد.. أفقداه نفوذه

كتب محرر الشؤون الدولية:
انشغلت الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا، بسقطة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، التي جرت في السابع من الشهر الجاري، وأسفرت عن خسارة الحزب للأغلبية المطلقة التي كان ينالها، وظل يطمح إلى تحقيقها لإجراء تعديلات كبيرة على الدستور.

وتناولت الأوساط مسيرة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يرى كثير من المحللين، أنه «تعجل كثيرا في ترك منصب رئاسة الوزراء، وسعى إلى أن يكون رئيساً بصلاحيات دستورية واسعة، لم تصادف هوى الأتراك».

ويرى هؤلاء أن أردوغان «كان في قمة نفوذه قبل انتخابه رئيسا لتركيا» في أغسطس الماضي، حيث اقتنص 52 في المائة من الأصوات، ليصبح أول رئيس دولة منتخب انتخابا شعبيا مباشرا في تركيا، بعد أن شغل رئاسة الوزراء لنحو 12 عاما، وليضطلع بدور شرفي إلى حد كبير كان يعتزم تحويله إلى منصب تنفيذي قوي.

إخلال بالالتزامات

الآن، وبعد مرور عشرة أشهر فقط من ذلك التنصيب، يقف حزب العدالة والتنمية، الذي كان يأمل أن يصدق على تلك الخطة، عاجزا عن تشكيل حكومة بمفرده، بعد أن خسر أغلبيته البرلمانية، لأسباب يرجعها البعض إلى طموح أردوغان الزائد.
ويبدو أن تعجل أردوغان في محاولة إقامة نظام رئاسي، والاستحواذ على سلطات أوسع، إضافة إلى تعويله على دائرة مستشارين أضيق، كان من الحسابات الخاطئة التي ألحقت ضررا بشخصية سياسية متألقة.

وخلال أول فترتين من عمله رئيسا للوزراء، نال أردوغان إشادة من الداخل والخارج، لإصلاحاته السياسية والاقتصادية، لكنه مُني بسلسلة انتكاسات في السنوات الأخيرة، منها احتجاجات مناهضة للحكومة في صيف 2013، وفضيحة فساد تكشفت بعد ذلك بستة أشهر، ما أذكى لديه شعورا مرضيا بالاضطهاد.

ويلمس البعض أيضا غطرسة في ملاحقته المنتقدين بتهمة «إهانة الرئيس» في التغريدات أو المقالات أو الاحتجاجات.
أما أردوغان، فيرى أنه يبني تركيا جديدة، ويدافع عنها أمام نخبة علمانية متشددة قديمة، يقول إنها عاملت المتدينين المحافظين لعقود على أنهم رعايا من الدرجة الثانية وسجنته لفترة قصيرة عام 1999.

عودة غول

في غضون ذلك، تزايدت التكهنات حول عزم الرئيس السابق عبدالله غول العودة إلى الحياة السياسية، مجددا، عقب فشل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تحقيق الأغلبية المطلقة التي كان يطمح إليها في الانتخابات الأخيرة.

وآخر هذه التكهنات جاءت في كتاب مثير للجدل صدر أخيرا، وكشف كيف أدى اتساع الهوة بين أردوغان وسلفه إلى اهتزاز السياسة التركية بعد الانتخابات الأخيرة.
هذا الاهتزاز، الذي يتمثل في فشل العدالة والتنمية في التوصل إلى صيغة تحالف مع أحد الأحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية، تسبب في تراجع شعبية أردوغان، الذي يكن لغول مشاعر ملتبسة.
وكان «الطموح الزائد» لسلفه سببا في انسحاب غول من الحياة السياسية، بعد انتخاب أردوغان أواخر العام الماضي، واختيار أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء لرئاسة الحزب، على عكس ما كان يأمل غول والمتابعون لمسيرة الحزب الإسلامي المحافظ.

بهلوانيان وحبل واحد

ويقول مؤلف الكتاب أحمد سيفر، أبرز مستشاري غول إبان ولايته، إن الرئيس السابق كان يريد العودة إلى السياسة في الخطوط الأمامية، بعد انتهاء ولايته، لكنه لم يفعل ذلك، لسبب واحد، وهو رجب طيب أردوغان.

والكتاب، الذي صدر تحت عنوان «12 عاما مع عبدالله غول»، يعرض علنا للمرة الأولى المشاجرات والخلافات الشخصية الكبيرة بين أردوغان وغول، حليفه السابق الذي بات ينظر إليه الآن كخصم محتمل.
والآن، يتخوَّف مؤيدو أردوغان من طموح غول للعودة مرة أخرى إلى الحياة السياسية، من خلال ترشيحه لرئاسة الحكومة الائتلافية، وزادت مخاوف المحافظين في يناير الماضي، حينما خرج غول عن صمته إزاء فضيحة الفساد التي تورط فيها أربعة من وزراء الحكومة، وقال بعدما رفض البرلمان إقالتهم إن على تركيا «تعميق ديمقراطيتها».

وإذا قرر غول البدء جديا في العودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى، فمن الممكن أن تشهد تركيا غيابا للاستقرار السياسي يستمر لسنوات، بسبب الصراع الذي قد يشتعل بينه وبين أردوغان، ولاسيما أن الكتاب ينقل عن غول قوله «سيؤدي ذلك إلى نزاع بيننا لن يكون مفيدا للبلاد. لا يستطيع بهلوانيان اللعب على الحبل ذاته».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.