
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
لا يختلف اثنان على أن الأمن الغذائي لأي دولة في غاية الأهمية، فهو يعادل في أهميته الأمن القومي للدول، بل هو فعلاً جزء من الأمن القومي، فالدولة التي تملك أمنها الغذائي تملك قرارها الاستراتيجي.
ورغم هذه الأهمية الكبيرة للأمن الغذائي، لكن تناولنا لقضاياه، وخطط الاكتفاء الذاتي في الغذاء لاتزال عشوائية سطحية، بعيدة كل البعد عن الواقع، تعتمد على إطلاق تصريحات غير مدروسة، وتبتعد تماما عن الواقع، وكأن الأمر بالبساطة التي ليس بها تعقيد، بحيث يخرج علينا مسؤول ليقول «إننا سنحقق الأمن الغذائي خلال 10 أعوام، أو حتى 20 عاماً»، من دون أن يرتكز هذا القول على حقائق علمية، أو دراسات واقعية.. فعندما نتحدث عن الأمن الغذائي يجب أن يكون الحديث مقروناً بالأدلة والأرقام والاحصائيات، وإلا بقي مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي فقط.
قضية الأمن الغذائي في الكويت
منذ زمن وقضية الأمن الغذائي في الكويت تواجهها الكثير من الصعوبات، وغالبية هذه الصعوبات تتعلق بالعوامل الطبيعية والجغرافية، مثل الظروف المناخية، وارتفاع درجة الحرارة، وشح الأمطار، ونضوب الآبار الجوفية، ومحدودية الرقعة الصالحة للزراعة، وضعف استثمار القطاع الخاص في مجالات الزراعة المختلفة (نباتية حيوانية سمكية)، بالإضافة إلى عدم الخبرة الزراعية الكافية، فالكويت لم تكن يوماً دولة زراعية، وقد أنفقت الدولة خلال العقود الماضية مبالغ مالية طائلة على قطاع الزراعة، ولكن لم يتحقق الاكتفاء من المنتجات الزراعية، أو يصل حتى إلى معدلات جيدة، بل ظل الاعتماد على الاستيراد من الخارج في غالبية المحاصيل والسلع بنسب عالية تصل في بعضها لأكثر من 90 في المائة، وإذا نظرنا إلى الإنتاج النباتي، الذي يعتمد في الأساس على توافر المياه، خصوصاً في ما يتعلق بإنتاج الحبوب، التي هي أهم عناصر الأمن الغذائي، سنجد أن إنتاجها في الكويت محدود جداً، بسبب قلة المياه، فإنتاج الحبوب في الكويت يسجل أرقاماً متواضعة جداً، لذا، فإنها تعتمد بشكل رئيس في توفير حاجاتها من الحبوب على الاستيراد.
تصريحات المسؤولين
وفي ظل كل هذه المعوقات التي تجعل من الصعب تحقيق الكويت للاكتفاء الذاتي في الأمن الغذائي، تخرج علينا رئيسة مجلس الإدارة مدير عام الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية (بالوكالة) نبيلة الخليل، بتصريح تؤكد فيه أن «الكويت سوف تحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بحلول عام 2040»، مشيرة إلى أن المشاريع الزراعية المدرجة في خطة التنمية قادرة على تحقيق هذا الهدف.
وأشارت الخليل في تصريحات على هامش مشاركتها في المؤتمر الوزاري للتحالف العالمي للأراضي الجافة الذي أقيم في المغرب نهاية مايو الماضي إلى أهمية المشاريع الزراعية التي يتم تنفيذها في إطار خطة التنمية في منطقتي العبدلي والوفرة الزراعيتين، وفي مناطق أخرى في تأمين احتياجات الكويت من الغذاء، وكذلك مشاريع تربية الدواجن والمواشي وتنميتها وإنتاج الحليب، وزيادة أعداد الثروة الحيوانية، واستصلاح الأراضي وزراعة الأعلاف الخضراء.
لا حاجة لدلائل
وبالتدقيق في ما ذهبت إليه الخليل، نجد أنه مبني على ما وضع في خطة التنمية، سواء السابقة، أو الحالية، ومن هنا، فإننا لسنا في حاجة لسرد أدلة على عدم دقة كلام الخليل، فالجميع يعرف ما حدث في خطة التنمية السابقة (2010/ 2014) من فشل ذريع في كافة المشاريع التي كانت تهدف لتنفيذها، والأمر لا يختلف بالنسبة للمشاريع الزراعية عن بقية المشاريع الأخرى، فالفشل طال الجميع.. أما خطة التنمية المقبلة (2015/ 2020) فمصيرها معروف مقدماً، والمؤكد أن حديثها في هذه المناسبة كان لمجرد الاستهلاك الإعلامي فقط، فالحقيقة أن هذا الكلام لا وجود له على أرض الواقع، وحتى إن كانت هناك دراسات لما تتحدث عنه، فالمؤكد أن مصيرها هو ذات مصير خطط التنمية.
إحصائيات وأرقام
ووفق الأرقام التي اعتمدتها الحكومة نفسها في خطة التنمية الخمسية (2015 / 2020)، فإن هذه الأرقام تؤكد أن الكويت لن تحقق الاكتفاء إلا في إنتاج البيض المحلي فقط، حيث بلغت نسبة الاكتفاء حتى آخر بيانات متاحة للخطة بنسبة 121 في المائة.
وفي قائمة عرضتها الخطة لتطور الاكتفاء الذاتي من الإنتاج النباتي والحيواني والدواجن بين عامي 2009 و2012، تبيَّن أن هناك تراجعا في الاكتفاء الذاتي للحليب، والدواجن، والأعلاف، والخضراوات، في وقت شهدت فيه هذه المنتجات المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين والمقيمين ارتفاعا في الأسعار، نتيجة اضطرار الدولة إلى استيرادها من الخارج لسد النقص.. أما نسبة الاكتفاء في اللحوم الحمراء، فقد ظلت عند مستويات متدنية إذ بلغت 22 في المائة، بينما كانت 14 في المائة في عام 2010.
وفي خطة الحكومة الخمسية، لا يبدو أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد اكتفاء في هذه المنتجات جميعها، باستثناء البيض والأعلاف، إذ سيرتفع الاكتفاء المحلي في الإعلاف إلى 112 في المائة في 2016، ثم 152 في المائة في 2020، وهو ما يفسر «استثماريا» أن هناك استثمارات سيشهدها هذا المنتج.
والغريب أنه في الوقت الذي يؤكد فيه المسؤولون أن الدولة تحقق تقدماً ملموساً في الاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية، نجد ارتفاعا ملحوظا في كافة المواد الغذائية، والأغرب أن الحكومة نفسها تؤكد أن هذا الارتفاع راجع إلى نقص الكميات المستوردة من المواد الغذائية من الدول القريبة، بسبب التوترات السياسية التي تشهدها هذه الدول، وضعف قدرة المنتجات المحلية على تلبية هذا النقص، والأمر المؤكد أن ضعف قدرة القطاع الزراعي على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للسكان من الغذاء على المدى البعيد، هي ما تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.