
محمد الغربللي:
تناولت «الطليعة» في أعداد سابقة عديدة لها موضوع خصخصة «الخطوط الجوية الكويتية»، منذ صدور القانون 2008/6 بتاريخ يناير 2008 وحتى أبريل 2015 الماضي.
ومنذ أن صدر القانون والمتغيرات التي جرت عليه كانت لدينا القناعة الكاملة، بأن الدولة أو وزارة المواصلات أو حتى «الخطوط الجوية» أو أي جهة أخرى، لن تكون قادرة على المضي في تطبيق القانون الهادف إلى خصخصة «الكويتية»، ومع ذلك مضت الحكومة بإصرار في موضوع الخصخصة، وفق القوانين التي أصدرتها، وانتهت بتوثيق عقد التأسيس لشركة الخطوط الجوية الكويتية، بموجب عقد التأسيس بتاريخ 2015/3/25، وبالنظام الأساسي للشركة التي جرى ترشيحها لدى وزارة العدل، وقد ورد في المادة السابقة من هذا النظام اتجاه الشركة لتخصيصها ضمن النسب الواردة في القانون رقم 2008/6، وهي 35 في المائة من رأسمال الشركة، كمزايدة لمستثمرين من شركات كويتية أو أجنبية، 20 في المائة لجهة حكومية يحددها مجلس الوزراء، و3 في المائة للعاملين الذين نقلت خدماتهم من مؤسسة الخطوط إلى شركة الخطوط، و2 في المائة لمن أنهوا خدماتهم من المؤسسة، وأخيراً 40 في المائة للاكتتاب العام.
هذا ما ورد في النظام الأساسي للشركة، الذي نُشر في مارس الماضي، تنفيذا للقوانين التي صدرت بهذا الخصوص.. لا جديد في الأمر تجاه ما صدر من قوانين وعقد تأسيس ونظام داخلي، لكن ما طرأ على الوضع الذي ينسف كافة القوانين، وما تبعها، كان تصريح وزير المواصلات، وهو الذي وقع على عقد التأسيس، بأن الحكومة ليس لديها أي مانع في إعادة النظر بشأن تخصيص شركة الخطوط، بموجب الرغبة التي أبداها بعض أعضاء مجلس الأمة، بجعلها الناقل الوطني الرسمي للدولة، بملكية حكومية بمقدار 75 في المائة، على أن تطرح بقية الأسهم للاكتتاب العام.
تداعيات المقترح النيابي
بمقترح نيابي و«بجرة تصريح حكومي»، تم نسف جميع ما تم اتخاذه، في حال قبول المقترح والمضي في تنفيذه، ولكن ماذا يعني هذا تفصيلاً؟
أولاً: إن الجهة الاقتصادية والمالية التي تخطط للدولة بشأن مرفق ما وتضع له قوانين للتنفيذ جهة غير مؤهلة وغير جديرة بوضع تصورات وفق دراسات مُحكمة تجاه هذا المرفق أو ذاك.. جهة تضع تصوراتها عرضة لنسمة ريح، ليتم شطبها، لعدم القدرة على التنفيذ.
ظروف المعطيات الاقتصادية لقطاع الطيران تفترض أن تكون دراسته شاملة كاملة تسير على مسار واضح لا تلكؤ فيه أو تعطيل، ولكن يبدو أن هذه الجهة، أياً كانت، تتعامل مع موضوع الخصخصة وكأنه بيع صندوق طماطم، فمثل العاملين بها ليسوا مختصين في قطاع الطيران وغير جديرين بوضع أسس واضحة تصدر بموجبها قوانين ليتم تنفيذها في ما بعد، فهي تعتمد على التخمين لا اليقين في وضع تصوراتها ودراستها وقوانينها.
ثانياً: كم من الأموال صُرفت لدراسة تخصيص شركة الخطوط الجوية الكويتية بداية، ثم تكليف مؤسستي الخليج للاستثمار وروتشلد لتقييمها؟ ولا تعرف قيمة العقود التي أبرمت مع هاتين المؤسستين لإنجاز مهمة التقييم، ولكن أتت دراستهما في النهاية وفيها الكثير من العيوب والمثالب المالية، من جراء عدم احتساب أصول مالية للمؤسسة، ما يعني خفض قيمتها المالية، وقد أُلغيت دراسة المؤسستين، بسبب هذه الأخطاء، بعدها تم تكليف شركة آرتر أندرسون، ولا يعرف مبلغ التعاقد معها، لإجراء دراسة أخرى في تقييم أصول المؤسسة مرة ثانية.. كل هذه المبالغ المالية أهدرت من دون الوصول إلى الهدف.
نية الدولة
بعدها صدرت إعلانات في الصحافة العالمية، عن نية الدولة بيع حصة لمستثمر أجنبي، للمساهمة في الشركة المقرر إنشاؤها، ولكن لم تقدم أسعارا مجزية أو ذات معنى، فقطاع الطيران الكويتي ليس مؤهلاً لأن يكون مركز ترانزيت، على غرار دبي أو قطر، ليتم الاستثمار في «الكويتية»، فالعملية متشابكة، ما بين قطاع الطيران والخدمات المكملة له وقوانين الدولة بشكل عام، والجميع يعرف مدى صرامتها، قياساً بدول إقليمية أخرى، كما أن المستثمر يعلم أن يده ستكون شبه مغلولة، كون الدولة تحوز السهم الذهبي، الذي يحق لها بموجبه الاعتراض على قرارات الإدارة العليا، وأي مستثمر سيفكر ألف مرة قبل الدخول بشراكة، فهو يعلم تماماً أن هناك خسائر مالية فادحة في الشركة تتجاوز الأربعين مليون دينار عليه تغطيتها بداية، ليبدأ بتحقيق أرباح، وليس بالضرورة أو حتى بالإمكان تحقيقها، في ظل المنافسة أمام شركات الطيران الإقليمية الأخرى التي سبقت «الكويتية» بمراحل، في ما يخص عداد الطائرات وكثرة المحطات المتواصلة معها. هناك مصروفات إدارية متعددة أخرى جرى صرفها لتنفيذ القوانين خلاف عمليات تقييم الأصول والإعلانات، هذا خلاف المدة الزمنية التي استغرقت 7 سنوات كاملة لتنفيذ قانون يفترض أن يكون قانونا مدروسا قابلا للتطبيق، وما أهدر خلال كل تلك السنوات من مصاريف لا جدوى منها ولا نتيجة.
ما وصلنا إليه مجرَّد تغيير اسم وكيان قانوني من مؤسسة ضمن مؤسسات الدولة وميزانياتها التي تصدر من الحكومة، إلى شركة بقطاع مشترك حكومي وأهلي، وكان يفترض أن يكون هذا الاتجاه واضحاً منذ البداية، لو كانت لدينا جهات اقتصادية ومالية كفؤة لتضع تصوراتها على هذا النحو.
عدنا لموضوع «الكويتية»، كحالة صارخة على التخبط الذي تعيشه وتمارسه أجهزة الدولة في سوء وضع الدراسات وصرف الأموال من دون حساب، والتخبط بالقرارات.. إنها حالة ضمن حالات أخرى، بعضها مكشوف وأخرى خفية، وأساسها صرف الأموال من دون حساب وهدر الوقت من دون اعتبار للزمن.
تنويه…
تمت كتابة الموضوع حول التخبط بملف الخطوط الجوية الكويتية قبل صدور تقرير الشال حول الموضوع ذاته، الأمر الذي يؤكد ما ذهبت إليه “الطليعة” في تناولها لهذا الملف وعرضها لملابساته منذ بداية صدور قانون الخصخصة، وبالتالي يأتي مواكبا لتقرير الشال.