
الطليعة ـ خاص:
الانتكاسات المتوالية للجيش العراقي أمام هجمات تنظيم «داعش» المتشدد، جددت الحديث عن ضعف إرادة القتال لدى عناصر الجيش وغياب القيادة، لكن اللافت في الآونة الأخيرة، أن معظم التحليلات، التي يسوقها خبراء عراقيون على قنوات فضائية مختلفة، غلب عليها حديث عن «مؤامرة» تقف خلف سقوط مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، مشيرين إلى أن تلك المؤامرة يديرها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
وإذ قال شهود عيان وجنود شاركوا في المعركة، واضطروا إلى الانسحاب بعد اشتداد القصف، إنهم فوجئوا بتجهيز القوات الخاصة، التي تعرف باسم «الفرقة الذهبية» لمعداتها، كي تنسحب قبيل اقتحام المدينة، أكد محللون عسكريون عراقيون أن هذه الفرقة لا تزال تخضع حتى الآن لأوامر المالكي، الذي تربطه بطهران علاقات وثيقة.
والفرقة الذهبية هي وحدات خاصة تحظى بمستوى تدريب خاص وكفاءة قتالية عالية، وشاركت القوات الأميركية في تدريب هذه القوات، التي صمدت منذ استيلاء «داعش» على مساحات شاسعة من البلاد، ونجحت في الانتصار على الجهاديين في عدة جبهات.
وكشف ضابط عراقي، لم يشأ الإفصاح عن اسمه، لإحدى الفضائيات، أن المالكي «قد يكون وراء إصدار الأوامر بالانسحاب للقوات الخاصة»، التي كان رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يعول عليها كثيراً للدفاع عن المدينة.
وإذا ما كان ذلك صحيحاً، فسيعيد تصرف المالكي إلى الأذهان ممارسات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي مهَّد الطريق أمام ميليشيات الحوثيين الشيعية لاقتحام العاصمة اليمنية (صنعاء) ومدن أخرى، حينما أعطى أوامره لوحدات الجيش بتسليم مواقعها لقادة الميليشيات، أو البقاء على الحياد وعدم الدفاع عن المدن التي استولوا عليها.
وجاء ذلك حينها، ليكرر ما حدث في مايو 2008، حينما قرر حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، إرسال قوات من مناطق نفوذه في جنوب لبنان لاجتياح العاصمة (بيروت)، وسط حياد الجيش.
وعلى غرار انسحاب وحدات الجيش اليمني أمام تقدُّم الحوثيين في مدن إب وتعز ولحج وسط وجنوب اليمن، فرَّت القوات العراقية أمام تقدُّم مئات المقاتلين من «داعش» في مدينة الموصل إبان حكم المالكي.
وإيران هي الجهة التي تجني ثمار الانهيارات المتعاقبة التي تعرَّض لها الجيشان العراقي واليمني.
ففي اليمن، حيث يحاول صالح العودة بقوة إلى المشهد السياسي مرة أخرى، بعد الإطاحة به، إثر انتفاضة شعبية كبيرة في عام 2011، وسّعت طهران من نفوذها عبر الحوثيين المتحالفين مع صالح، ليصل إلى حدود مدينة عدن الجنوبية قرب مضيق باب المندب.
أما في العراق، فمنحت سيطرة «داعش» على مدن كبرى في الشمال، على رأسها الفلوجة وتكريت والرمادي، إيران فرصة لتعميق نفوذها على الحكومة العراقية، برئاسة العبادي، الذي يبدو في موقع دفاعي أمام ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية التي تأتمر بأوامر طهران.
ويحاول العبادي وضع هذه الميليشيات تحت إمرة الحكومة المركزية، لكنه يجد في الوقت ذاته مقاومة شرسة من المالكي وآخرين ممن لا يزالون يتمتعون بتأثير عميق داخل الجيش والمؤسسات الأمنية، ويحافظون على علاقات وطيدة مع طهران.
وفشلت آخر محاولات العبادي في إحكام سيطرته على الحشد الشعبي وتلبية رغبة واشنطن في أن تشارك الميليشيات في عملية استعادة الرمادي تحت إمرته.
وبعد ذلك، وجد نفسه في مأزق أمام شعار «لبيك يا حسين»، الذي رفعته الميليشيات لتحرير المدينة. وقالت واشنطن إنه قد يسهم في تأجيج مشاعر الطائفية في محافظة الأنبار السُنية مترامية الأطراف، ما اضطر حكومة العبادي إلى التراجع عن الشعار الذي قد يؤدي إلى زيادة الاحتقان الطائفي، وأعلنت بأنه ليس الاسم الرسمي لمعركة استعادة الأنبار.