
محمد الغربللي
كان يفترض بموجب العقود المبرمة، أن يتم الانتهاء من إنجاز مستشفى جابر في جنوب السرة في ديسمبر عام 2013، وها نحن ندخل في منتصف عام 2015، ولم يتم الانتهاء بعد من هذا المشروع المهم جداً، كونه يخدم ما يزيد على نصف مليون من السكان في المنطقة المحيطة به، ومن شأنه أن يقضي على ازدحام يقارب الإرباك في المراكز الصحية بمحافظة حولي، وكل ذلك من جراء التأخير في إنجاز مشروع مستشفى جابر، الذي تم البدء في الإعداد له منذ عام 2005.. ليس هذا المهم، فقد بات من المعتاد أن يتأخر إنجاز مشاريعنا ضمن التاريخ المحدد لها، بل وصلت الأمور إلى تردٍ وسوء في الإنجاز، كما حدث في مشاريع مليونية أخرى.
الجانب العملي
هناك جانب آخر من القضية، خلاف التأخير في إنجاز المشروع، فإن لم ينجز هذا العام، فمن المقرر أن يتم الانتهاء منه العام المقبل، لنصل إلى عملية فيها صعوبات كبيرة تتعلق بتشغيل المشروع على أتم وجه، فتشغيله يعني توفير جميع الكوادر الطبية والفنية والتمريضية والخدمية لإدارته بالصورة المطلوبة.. المشروع ليس بالأمر الهيّن، فهو ليس مركزا طبيا، بل يشبه المدينة الطبية، من حيث تشعباته في العلاج الطبي، وكثرة مبانيه وتخصصاته، فهو يضم 1168 سريرا، ومساحة المباني فيه تبلغ 470 ألف متر مربع، ويحوي 36 غرفة عمليات كبيرة وصغيرة ومختبرات للقسطرة وMRi لجميع عياداته العلاجية، يُضاف إلى ذلك المكونات الأخرى للمشروع، من مواقف سيارات تتسع لـ 5000 موقف، وسكن للممرضات، ومبانٍ أخرى للأعمال الكهربائية والميكانيكية، التي تحتاج إلى مباشرة يومية، من حيث التشغيل والصيانة على مدار الساعة.
العملية التشغيلية
وردت معلومات، تفيد بأن وزارة الصحة العامة لديها مشكلة، أو قدر كبير من الصعوبات لتشغيل هذا المشروع الطبي الكبير، من حيث توفير الكوادر الطبية والتمريضية، وغيرها من الوظائف الطبية والفنية الأخرى، وقد جرى التفكير بأن تُعهد مهمة التشغيل وإدارة المستشفى وتوفير كوادره لإدارة طبية خاصة، وقد تكون أجنبية، إلا أنه لم يتم التأكد من المضي في هذا الاتجاه، وعلى وزارة الصحة ترتيب أمورها وتوفير كافة الكوادر لتشغيله، حتى لا يصبح مجرد مبانٍ، بانتظار مَن يقوم بالعمل فيها، وعملية التشغيل عبارة عن خدمات متكاملة، فلا يمكن توفير أطباء من دون ممرضين أو فنيي أشعات أو أطباء تخدير، كما لا يمكن الاعتماد فقط على الكوادر الطبية والتمريضية من دون عمال نظافة وتعقيم، وهكذا، فالعملية مترابطة، لا يمكن الاستغناء عن أي فئة أو تخصص، حتى لو كان من الكوادر العادية، كعمال النظافة، مثلاً، أو مَن يتولى الأعمال الإدارية، كملفات المرضى.
عجز «الصحة»
في العديد من الدول، وفي مثل هذه المشاريع، يتم الإعداد المُحكم لتوفير الكوادر، قبل انتهاء المشروع، مع وضع جدول زمني وتوجيهي لإعداده، كما يتم تحديد مراكز العمل والإشراف والمباني والمكاتب.. وغيرها من أماكن العمل، بالأسماء والأعداد، وفور التسليم النهائي للمشروع، بمحتوياته الطبية، يكون الجميع على معرفة بمكان وجودهم ومراكز توليهم الخدمة اليومية، ويكون كل موظف واختصاصي على دراية شبه كاملة بالمكان الذي ستتم فيه مزاولة مهنته، ولا نعتقد إطلاقاً أن وزارة الصحة اتخذت مثل تلك الإجراءات لتتولى تشغيل المشروع بالصورة السليمة والجاهزية الكاملة.
في الواقع، وزارة الصحة العامة من الوزارات القديمة جداً في الكويت، وحتى قبل أن تصبح الكويت دولة مستقلة، كانت موجودة، ممثلة بدائرة الصحة العامة، وبهذا يفترض أن تمتلك الخبرة التي تراكمت لديها لإدارة المنشآت الجديدة وتولي أمورها بكل كفاءة، ولكن ومع كل هذه الخبرة، نجد أنها شبه عاجزة، أو ليست على استعداد كافٍ لتشغيل مستشفى جابر، لذا أُثير موضوع استخدام إدارة أجنبية لإدارته، ويُقال أيضاً إنه حتى الميزانية المرصودة لتوظيف الكادر التمريضي المخصص للمستشفى تم استخدامها، من أجل توظيف كوادر تمريضية للمستشفيات الحالية، فهل ذلك لتنفيع لبعض الأطراف، أم لاحتياج حقيقي للمراكز الحالية؟.. الله أعلم.
مشروع مركز جابر الثقافي
مشروع آخر جديد هذه المرة على الساحة الكويتية يأتي خارج المألوف، ونعني به مشروع مركز جابر الثقافي، وهو قيد الإنشاء في ساحة العلم، وتم إنجاز ما نسبته 40 في المائة منه حتى نوفمبر من العام الماضي، وأيضاً مكوناته كبيرة جداً وميزانيته مليونية، بواقع 284 مليون دينار، ويتولى الإشراف عليه الديوان الأميري.. تبلغ مساحة المشروع 214 ألف متر مربع، ومكوناته الرئيسة ستكون مسرحا كبيرا يتسع لـ 2000 مقعد، وآخر متوسطا يضم 700 مقعد، والمسرح الصغير لـ 200 مقعد، وسيكون هناك مبنى الموسيقى، ويقع على مساحة 7000 متر مربع، وبه مسرح حفلات موسيقية كبير يتسع لـ 1000 مقعد، ومسرح آخر صغير يضم 300 مقعد، ومبنى مركز المؤتمرات، وفيه قاعة سينما تحوي 400 مقعد، وقاعة محاضرات وصالات متعددة الأغراض، ومبنى المكتبة والمستندات التاريخية بمساحة 5000م2، هذا خلاف مناطق التخضير والأماكن التجميلية المحيطة بالمشروع.
وإذا كان مشروع مستشفى جابر من المشاريع المتعارف عليها، وتستلزم الكادر الطبي والتمريضي والإداري، وبالطبع الأجهزة الطبية، فإن المركز الثقافي يختلف تماماً، من حيث الإعداد البشري لإدارة المشروع، كما أنه ذو نشاط متواصل ومتغير، من دون توقف وهذا النشاط يستلزم الإعداد السنوي المسبق له ضمن برامج معدَّة مسبقاً بسنة أو أكثر، للارتباط مع المسارح والفرق الفنية وغيرها من الفرق إن كانت أجنبية أو عربية.
متطلبات المشروع
من المفترض أن يتم الانتهاء من هذا المشروع على مستوى البناء في نهاية هذا العام، أو في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل، على أقصى تقدير، وهذا يعني أن تكون الفرق والكوادر، بمختلف تخصصاتها، جاهزة لتولي إدارته من الآن، سواء في الجوانب الفنية أو الإدارية، أو تلك المتعلقة بالصيانة والتطوير، كما يفترض أن تكون الكوادر الفنية التي تتولى إدارة المسارح الكبيرة والمتوسطة والصغيرة لديها دراية وعلم بالفرق الفنية الموجودة في الدول العربية والأجنبية، كما أنه يفترض أن تتم ترجمة الاتفاقيات الثقافية المبرمة مع العديد من الدول العربية والأجنبية، والتي ظلت معطلة التنفيذ أو شبه جامدة منذ توقيعها، لتكون أداة استقطاب الفرق الفنية، بمختلف أنشطتها الموسيقية والأوبرالية والمسرحية.. هذه الأمور يجب أن تكون محفوظة عن ظهر قلب، الكوادر التي سيؤول إليها تشغيل المركز الثقافي بعد تسلمه، ولاشك أن إعداد مثل هذه البرامج يحتاج إلى وقت مسبق، فمثل هذه الفرق الفنية في الخارج ذات ارتباطات، ولا تلبي الدعوات بين ليلة وضحاها، كما أن العملية ذات استمرارية، من دون توقف أو سكون.
لا نعرف لمن ستؤول عملية تشغيل هذا المركز؟ هل لوزارة الإعلام، ذات الأداء المتواضع، الذي يصل إلى حد التردي، من جراء تواضع الكوادر؟ أم لجهة أخرى أكثر قدرة وابتكارا متجددا؟ وخصوصا أنه يفترض أن مَن سيتولى إدارة المركز يجب أن يتمتع بخبرة ودراية في إدارة المراكز الثقافية، والحقيقة أن هناك فقرا في وجود كوادر مؤهَّلة بصورة جيدة لتوليها.
الخلاصة
ملخص الكلام، أنه عند القيام بمشروع ما تحت عنوان التنمية، يظل العنصر البشري هو الأهم في توليه، ومن المفترض أن يتم إعداده بالتوازي مع البدء في المشروع، ولدينا مثال صارخ على الافتقار لهذا الإعداد وقلة الخبرة في تولي إدارة المشاريع، منها مشروع محطة مشرف، فما إن انتهى المقاول من أعمال هذا المشروع وتسليمه لوزارة الأشغال العامة، لتتولى تشغيله، حتى تعطل ونتج عنه كارثة بيئية.
العملية ليست بناءً فقط، بل إعداد للكوادر البشرية القادرة على إدارة المشاريع، ونخشى أن نصل إلى مرحلة لا نجد فيها سوى أبنية فارغة، أو موظفين بأداء متواضع لا يتناسب إطلاقاً مع الملايين التي تم صرفها على المشروع.
