
عندما تقدَّم النائب الأسبق عباس الخضاري، باستجواب لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد الكليب، في أحد مجالس الأمة سابقاً، علَّق النائب عدنان عبدالصمد على هذا الاستجواب، بعبارة تحمل شيئا من الغمز، بقوله إن «الحكومة تستجوب الحكومة»!
نسوق هذه الواقعة، على ضوء الاقتراح أو التوصية النيابية الموجَّهة للحكومة، بإنشاء شركة مواشٍ أخرى تساهم فيها الحكومة، لمواجهة «احتكار شركة المواشي الحالية للسوق، وارتفاع أسعار اللحوم»، كما يدعي مقدمو الاقتراح.
في الحقيقة، يدعو النواب من خلال مقترحهم هذا إلى أن تأتي الحكومة لتنافس الحكومة، كما كان حال استجواب الخضاري، فشركة المواشي الحالية تبلغ المساهمة الحكومية فيها عن طريق الهيئة العامة للاستثمار ما نسبته 51.5 في المائة، وأيضاً تملك مؤسسة التأمينات الاجتماعية 11.1 في المائة من رأس المال، وبذا يصبح بيد الحكومة، فعلياً، ما نسبته 62.6 في المائة من رأسمال الشركة، لذا فهي تملك بموجب هذه الحصة 4 أعضاء من بين السبعة أعضاء من مجلس الإدارة، وتستطيع بموجب أغلبية الأعضاء المعينين من قِبلها السيطرة الكاملة على القوة التصويتية لمجلس الإدارة، حتى لو رفض الأعضاء الثلاثة الآخرون قرارا ما أو مقترحا من أعضاء الحكومة.
الأمر الآخر، أن شركة المواشي الحالية مضى على إنشائها أكثر من 40 عاماً، فقد تأسست منذ عام 1973، وهذا زمن طويل لتراكم الخبرة والمعرفة والقوة المالية، إلا أننا نجد أنها شبه متعثرة في ما يخص تحقيق الأرباح أو التغلب على خسائرها، فقد بلغت خسائرها خلال 9 أشهر من عام 2014، مليونين وسبعمائة ألف دينار، واستمرت هذه الخسارة حتى نهاية عام 2014، مع زيادة أيضاً بلغت 121 ألف دينار، عمَّا سجلته في الأشهر التسعة الأولى من عام 2014، وهذا انعكس على قيمة سهم الشركة المتداول حتى الأسبوع الماضي إلى 108 فلوس للسهم، ما يعني أنه على افتراض أن الحكومة وافقت على المقترح النيابي العجيب، وفي حال العزم على إنشاء شركة جديدة، فإنها ستطرح قيمة الاكتتاب بواقع 100 فلس على المواطنين، وهو سعر لا يحمل أي إغراء لمساهمتهم في الشركة الجديدة، في حال إنشائها، قياساً بسعر سهم شركة المواشي الحالية، وبالتالي لا يتوقع أن تكون هناك طلبات اكتتاب، في حال إنشاء شركة جديدة.
واجب النواب
وإذا كان مقترح النواب يهدف إلى مواجهة غلاء أسعار اللحوم – التي ليس من أسبابها وجود شركة واحدة للمواشي- فإن عليهم، أي على النواب، الاطلاع على أجواء المنافسة الكبيرة على المستوى العالمي للحوم واتساع رقعة أسواق العالم للطلب، كما في الصين وغيرها من دول العالم، التي زادت من طلباتها على لحوم المواشي، من جراء ما يشبه التدهور في مزارع الماشية في بعض البلدان لعدة أسباب مناخية وغيرها، وبالتالي ما يفترض أن يقدمه النواب من اقتراحات يجب أن ينصبّ على معالجة وضع الشركة، التي تعد في الحقيقة شبه حكومية من حيث ملكية رأس المال، فقد تم إيقاف دعم الحكومة عنها بالنسبة لكل رأس من المواشي، وكذلك تم إيقاف الدعم عن الأعلاف التي تستخدمها الشركة، وأيضاً وبموجب تصريح رئيس مجلس إدارة الشركة في الجمعية العمومية التي عُقدت الأسبوع الماضي، فقد بلغت مديونية وزارة التجارة للشركة 13.330 مليون دينار، ولم تقم الوزارة بتسديدها، ما دفع الشركة إلى رفع دعوى قضائية لتحصيل المبلغ.
تعسف حكومي
إذن، نحن أمام ما يشبه التعسف الحكومي تجاه الشركة، من حيث وقف الدعم على الماشية والأعلاف وحجز أموال لصالح الشركة لديها، من دون تسديد، وهذا يمثل الطريقة الكويتية بامتياز لإدارة الأعمال، والتي تتفنن في وضع العراقيل. مقترح النواب، بإنشاء شركة جديدة، لن يؤدي إلى أي نتيجة لتثبيت أسعار اللحوم، ولن يعمل بالطبع على خفضها.. وإذا كانت لديهم اقتراحات عملية تصبُّ في اتجاه التخفيف عن المواطن والمقيم في خفض الأسعار، فعليهم فقط التوجه إلى علاج أوضاع الشركة ودعمها، بداية من تسديد المديونيات الخاصة بها.. أما مقترحهم هذا، فلا معنى له إطلاقاً، سوى أنه ينمُّ عن جهل مطلق في سوق اللحوم والماشية.