
محمد الغربللي
وفق ما ذكرته جريدة القبس في عددها يوم السبت الماضي (9مايو الجاري)، أن لجنة حماية الأموال العامة تعتزم استدعاء وزيري العدل والمالية، لمتابعة سرقات مؤسسة التأمينات الاجتماعية، والإجراءات المتخذة بحق المدير العام السابق، الذي ولَّى الأدبار، هارباً.. وهنا نود التذكير بأن مَن كان يرأس المدير العام هو وزير المالية، ويفترض أن يكون مع وزير العدل على اطلاع كامل، بحُكم منصبيهما، بكافة النواحي المتعلقة بمؤسسة التأمينات، وبالذات النواحي الاستثمارية، لأنها الجانب المتحرك.. أما الجوانب الأخرى، المتعلقة بعملاء المؤسسة أو المتقاعدين، فهي روتينية الأداء، من حيث الاشتراك والرواتب، وغيرها من الأعمال الروتينية الأخرى، وهنا – أي في الجانب الاستثماري – تقع المسؤولية السياسية، كما الإدارية، بحكم توليهما المناصب الرئاسية في هذه المؤسسة، ليتم استدعاؤهما، من أجل معرفة المزيد من التفاصيل، وأخذ الدروس، والخروج بتقرير وافٍ، يحدد المسؤولية التي كان يتولاها كلٌ منهما، وخاصة أن أحد الوزراء، ممن كان يتولى هذا المنصب، أُعيد تعيينه، بعد خروجه من المنصب الوزاري في لجنة استثمارية حكومية كبرى، كعضو فيها، ومن واقع هذا التعيين، يفترض أن يكون على اطلاع بالجوانب الاستثمارية عندما كان في منصبه الوزاري، أو كرئيس مباشر على المدير العام السابق، وهذا يعني أيضا درايته الكاملة بالجوانب الاستثمارية، ليُعاد تعيينه في المنصب الحالي، من دون تعطيل، أو فترة نقاهة، بعد عمله الوزاري، فلا يُعقل – منطقياً – أن يكون عضو مجلس إدارة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وهو د.فهد الراشد قادراً – بموجب عضويته – على كشف السرقات والاختلاسات المالية واستغلال النفوذ أكثر من مدير «التأمينات» السابق! لا يُعقل أن يكون على دراية أكثر من الرئيس، بحكم المنصب الذي يتولاه! فعضو مجلس الإدارة يتابع أعمال «التأمينات»، من خلال مجلس الإدارة، متى ما انعقد وقدمت له كشوفات وأوراق.. أما الرئيس، فعلاقته مباشرة مع المدير العام، من دون انقطاع، وبالتالي، فمساحة اطلاع الرئيس أكبر بكثير من مساحة اطلاع عضو مجلس الإدارة، ومع ذلك استطاع هذا العضو تقديم المستندات والقرائن الدالة على تلاعب المدير العام في أموال مؤسسة التأمينات.

تجاهل الرئيس
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، من تجاهل الرئيس السابق (الوزير السابق أيضاً)، بل حتى حين واصل عضو مجلس الإدارة، عن طريق مجلس إدارة «التأمينات»، متابعة ما تم التوصل إليه من تحقيقات بشأن الاختلاسات، وبقي الرئيس ساكتا، لم يتحرَّك قيد أنملة، بل بلغ به الأمر حد التجاهل والهروب من متابعة ما توصل إليه عضو مجلس الإدارة من التقدم بشكوى لدى النيابة العامة عام 2008، وتقديم كافة المستندات التي تحمل اتهامات بالتلاعب المالي ضد المدير العام السابق، والرئيس «عمك أصمخ»، وكأنه ليس معنيا، سياسيا أو وظيفيا، كونه يحتل منصب الرئاسة في «التأمينات»، ولم يولِ أي اهتمام بما أثاره عضو مجلس الإدارة، سواء على نطاق المجلس، أو عند توجهه للنيابة العامة، وكأن الموضوع لا يعنيه، أو أنه راضٍ عما يدور في تلك المؤسسة، التي كتب الكثير حول ممارسات المدير السابق فيها منذ عدة سنوات.
ألا يفترض من لجنة حماية الأموال العامة استدعاء وزراء المالية السابقين، الذين حدثت في عهدهم تلك الاختلاسات، وبالذات وزير المالية الأسبق، الذي تمَّت المسارعة إلى تعيينه في منصب استثماري كبير؟
المطلوب قليل من المصداقية بالأداء يا لجنة حماية الأموال العامة، فما تم اختلاسه والفترة الزمنية التي جرى فيها هذا الاختلاس أمران كبيران جداً، وأموال طائلة عدا عن حدودها على المستوى الجغرافي أو قيمتها المالية، فالمنصب مسؤولية، وليس وجاهة وبشوت فضفاضة وامتيازات مالية.

اللجنة البرلمانية باستدعائها هذا، تبحث في ما تم التوصل إليه من نتائج، من دون الدخول في عمق الحدث والمسؤولين عنه، وهو نوع من حب الاستطلاع، لا أكثر، وملء أعمال اللجنة بتقارير لا تسمن ولا تغني من مكافحة الفساد.
اللافت أنه في هذه الفترة، وبصورة شبه واضحة، تعلن لجنة حماية الأموال العامة متابعتها لنفقات «خليجي 16».. هذه الدورة الخليجية التي أُقيمت عام 2003، أي منذ أكثر من 10 سنوات، مضت ولا تزال تصريحات بعض الأعضاء تندد بالهدر المالي الذي صاحبها، مع أنه، وعلى لسان أحد الأعضاء، فإن المبلغ المشكوك فيه بالاختلاسات التي صاحبت الدورة يصل إلى ما يقارب المليون و400 ألف دينار تقريباً، وهذا المبلغ يعد «خردة»، قياساً بالمبالغ التي سُرقت من أموال استثمارات مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وأيضاً لا يشكل إلا ما نسبته 16.8 في المائة من مبلغ «تصليحات» استاد جابر، البالغ 8 ملايين دينار، والذي لا نسمع حوله صوتاً أو همساً من لجنة حماية المال العام أو من أي عضو من أعضاء مجلسنا المحترم، ومع ذلك كم عدد التصريحات شبه المكررة بشأن تجاوزات «خليجي 16»، وكأنه لا يوجد تلاعب أو هدر مالي إلا في هذا الخليجي فقط؟!
هي إذن عملية انتقائية، وأيضاً نوع من تعبئة الأعمال، من دون مردود حقيقي للبحث في جذور الفساد ومتابعة مسؤوليه، بل نجد أعضاءها بعد هذا النوع من الأداء يتولون مسؤوليات حكومية، و«على عينك يا تاجر».
