
كتب محرر الشؤون المحلية:
تبدو الكويت برَّاقةً، بمدنها ومبانيها وشوارعها وأضوائها وصخبها، ومجمعاتها وتنظيم قطعها، ولأول وهلة ينبهر الزائر لها بمظاهر الترف، وظواهر الثراء، بيد أن دولة الرفاة تلك تضج بالكثير من مظاهر العشوائية والإهمال.
وفيما تحظى المناطق «الداخلية» بالاهتمام الحكومي وتوفير الخدمات، ووسائل الراحة، لكن على النقيض من ذلك، تضج المناطق الخارجية بكل مظاهر العشوائية والفوضى وغياب أدنى المتطلبات الحياتية، فتبدو تلك المناطق كنقطة سوداء.
وتعد «جليب الشيوخ» على رأس المناطق المهملة، بل والأحرى المنسية من قِبل الجهات المختصة، وما يُثير الاستغراب، أن هذه المنطقة التي تعاني تراكمات الإهمال طوال سنوات وحقب ممتدة، لم تمتد إليها يد الحكومات المتعاقبة بالتطوير، ولم تفكر جهة مختصة بمعالجة المشكلات المتكررة فيها، بسبب غياب التنظيم وسوء التخطيط، حتى تحوَّلت الجليب إلى ما يمكن تسميته بمنطقة «سيئة السمعة»، فهي بؤرة لإيواء الكثير من العمالة العشوائية والسائبة ومخالفي الإقامة، فضلاً عن تجار المخدرات والمسروقات، ولا تكاد تخلو قطعة فيها من الأسواق العشوائية.
وتكشف الجولة بمنطقة جليب الشويخ عن معاناة مضاعفة يعيشها سكانها، بصفة يومية، بدءاً من الاختناق المروري، وفوضى الشوارع والطرقات، مروراً بالحفريات والمطبات التي تملأ الشوارع، والتكسير الذي يجعل السير على الطرقات ضرباً من العذاب، إضافة إلى ضعف التواجد الأمني والمروري، ما يغري الخارجين عن القانون بالتمادي في جرائمهم، ويتبدى ذلك في ارتفاع عدد السرقات والسلب بالقوة إلى 275 جريمة خلال الأشهر الأربعة الماضية، وفق دفاتر أحوال مخفر المنطقة وضبطيات وزارة الداخلية.
وأكدت مصادر أمنية مسؤولة، أن منطقة جليب الشيوخ تضم الآلاف من مخالفي قانون الإقامة، والعمالة السائبة والهاربين من أحكام، والمطلوبين على ذمة قضايا.
قنبلة موقوتة
وحذرت المصادر من أن هؤلاء المخالفين والمطلوبين، بمنزلة «قنبلة موقوتة»، وتتزايد خطورتهم، من جراء إهمال الجهات الحكومية المختصة للمنطقة كلها، وعدم وضع خطة أمنية محكمة لضبطهم.. فرغم تزايد حملات الداخلية، لكنها تعاني حتى الآن عمليات تنظيف المنطقة من المظاهر العشوائية والجرائم التي تتكرر بصفة شبه يومية.
وذكرت المصادر، أن تجار المخدرات يتخذون من الجليب مأوى لهم، فضلاً عن وجود أوكار تُدار في أعمال الدعارة، والتستر على الخادمات الهاربات، كما تُستغل شقق سكنية في تصنيع الخمور المحلية.
صمت مريب
صمت الحكومة تجاه ما يحدث في جليب الشيوخ، التي تحوَّلت إلى بؤرة فوضى مستغرب، ومن الواضح أن «التنفيع» وراء إهمال المنطقة، خصوصا أن فكرة تثمين الجليب تديرها أطراف متنفعة، تخطط للاستفادة بقدر المستطاع عبر الاستحواذ على أكبر قدر من المساحات الفضاء، وهذا الصراع وراء تأخير الالتفات للمنطقة وتنفيذ خطة تطويرها.
10 في غرفة
وأكد عدد من أهالي المنطقة، أن البيوت العربية القديمة يؤجرها مالكوها من المواطنين للعزاب، ونظراً لارتفاع الإيجارات وتدني دخل العمالة، فإن كل 10 أفراد يقطنون الغرفة الواحدة، في صورة تتنافى مع الآدمية والكرامة الإنسانية.
وتسبب هذا التكدس في تكرار الحوادث، حيث شهدت المنطقة عشرات الحرائق الجسيمة، من جراء العشوائية ومخالفة اشتراطات الأمن والسلامة، حيث يسكن آلاف الوافدين في ببيوت تستغل في تخزين السكراب والأخشاب والأثاث و«سلندرات» الغاز، كما أن سوء التخطيط واختناق الشوارع يؤخران وصول رجال الإطفاء عند حدوث حرائق.
أين القانون؟
ولخص المواطن سالم العمر أوضاع المنطقة، بالقول: لا وجود للقانون في جليب الشيوخ، مؤكدا أنها تستحق أن يُطلق عليها «دولة داخل الدولة»، فكل الأعمال المخالفة للقانون ينفذها المجرمون في «الحساوي» و«العباسية» وغيرهما، مثل تجارة المخدرات وبيع السلع والأجهزة المسروقة، فضلا عن عمليات السطو المسلح المتكررة.
أما م.عزت عليو، وهو مصري الجنسية، فأكد أنه مضطر للإقامة في جليب الشيوخ، بحكم عمله فيها، إذ يعمل في شركة مقاولات تنفذ مشاريع في المنطقة، ويعاني كثيرا، بسبب العشوائية، والفوضى التي تضج بها الشوارع، فلا التزام بقواعد المرور، ولا مواقف كافية للسيارات، لكن الأخطر من ذلك الخارجون عن القانون والذين لا يتورعون عن ارتكاب جرائهم في وضح النهار، على حد قوله.
مستنقع جرائم
والتقط أطراف الحديث المواطن مشعل العنزي، وهو صاحب محل هواتف، وعبَّر عن أسفه، من أن هذه المنطقة التي كانت توفر المياه النقية في قديم الزمان لأهل الكويت، تحوَّلت إلى مستنقع للجرائم وبؤرة للعمالة العشوائية.
وأضاف: لقد تكررت حوادث كسر المحال التجارية في الجليب، لذا اضطر إلى اصطحاب أجهزة الهواتف الباهظة الثمن والمبالغ المالية في نهاية الدوام كل يوم.
خطف الخادمات
ووفق ما يتداول، فإن منطقة الجليب شهدت في الآونة الأخيرة وجود عصابات من العمالة الآسيوية، لخطف الخادمات، وإجبارهن على ممارسة البغاء، ويقومون على إيوائهن بالقوة في بيوت محاطة بحراسة ومراقبة منهم، ومغلقة بأبواب وسياجات حديدية.
كم أن الكثير من هذه البيوت التي يديرها مجرمون ويستغلونها في أنشطتهم الإجرامية لا تصل إليها الحملات الأمنية، بسبب بُعدها عن أعين الناظرين، فضلا عن العشوائية التي تضج بها المنطقة كلها، فمعظم شوارعها ضيقة، ومساكنها تزدحم بآلاف الوافدين، ومن ثم يتم تنفيذ حملات محدودة في الشوارع الأمامية، وتقام نقاط تفتيش تسفر أحياناً عن ضبط أعداد من مخالفي الإقامة والعمالة السائبة، لكن هناك مجرمين محترفين يعرفون كيف يراوغون وكيف يهربون، ومتى ينفذون جرائمهم من بيع الحبوب المخدرة والسلب بالقوة والخطف وغيرها من جرائم.
صداع أمني
وشدد مصدر مطلع على أن هذا المنطقة أصبحت صداعاً في رأس الأجهزة الأمنية، مطالباً بهدمها بالكامل والعمل على إعادة بنائها، وقبل ذلك يجب وضع خطة لنقل المقيمين فيها إلى منطقة أخرى، تحت إشراف الجهات الحكومية المختصة، لافتاً إلى وجود أعداد كبيرة من المستهترين ومزعجي العوائل، مدللاً على ذلك بأن المنطقة شهدت الكثير من عمليات تكسير حافلات النقل العام، حيث يفاجأ سائقو الباصات بحجارة يقذفها صبية، ثم يفرون هاربين.
وأكد خطورة أوضاع المنطقة، فإهمالها لسنوات متكررة جعلها بؤرة قابلة للانفجار، في أي وقت، كما أنها تشكل خطورة، لقربها من مطار الكويت الدولي، كما تطل على استاد جابر، إلا أنها خارج دائرة الاهتمام الحكومي.
من المستفيد؟
تساؤلات مشروعة تُطرح حول من المستفيد من هذا الوضع السيئ في الجليب؟ ولماذا صمتت الحكومات المتعاقبة على بؤرة العشوائية المتراكمة فيها طوال عقود؟ فيما سارعت بتثمين القطعة 4 في خيطان، بعد أن تفاقمت مشاكلها، وأصبحت تضج بالفوضى، وبعد أن كان يقطنها آلاف الوافدين من أبناء الجنسية العربية.
تاريخ الجليب
تعد جليب الشيوخ من أقدم مناطق الكويت، وتبعد 13 كيلومتراً، إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وكانت تضم قديما عبارة عن منطقة صحراوية بها الكثير من الآبار التي حفرها شيوخ من الأسرة الحاكمة، وكان يلتف حولها البدو الرحل لجلب الماء، لذا سميت بجليب الشيوخ.
يبلغ عدد سكان المنطقة 265 ألف نسمة وفق إحصاء هيئة المعلومات المدنية في عام 2010.
أين المخفر؟
تساءل عدد من سكان الجليب: أين رجال مخفر الشرطة مما يحدث من جرائم في وضح النهار في الحساوي والعباسية، مؤكدين أن المنطقتين تحولتا إلى قنبلة موقوتة، من جراء مخالفي الإقامة والخارجين عن القانون.
أسواق عشوائية
تنتشر الأسواق العشوائية في جليب الشيوخ بصورة ملحوظة، وتدير العمالة الوافدة بسطات يُباع فيها كل شيء، بدءاً من السلع التموينية، مروراً بالأغذية المنتهية الصلاحية، وتلك التي أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، وحتى الملابس العسكرية يمكن الحصول عليها في هذه الأسواق.
