
التعلم بمثابة المنارة في بحر ظلمات الجهل، من خلال تحرير العقول من القيود والأوهام، كما أنه يُدير حركة الإنتاج وعجلة النهضة والازدهار والتنمية، ويقضي على الفساد والكساد والأمية في المجتمع.
يُعد العلم أساس كل معرفة، فالتعليم الفعَّال في المجتمع يهدف إلى المعرفة المستدامة، ومواكبة تحديات العصر الحديث في خلق قيم مضافة للعمل والاقتصاد وحياة الأفراد، والبداية الحقيقية لأي تقدم للمجتمع، فكل الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في التقدم كانت من بوابة التعليم، فوضعته على رأس هرم برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وحيث إننا في عصر متغير، بكل المقاييس، وازدياد المعلومات، كماً ونوعاً، مقارنة بالعصور السابقة، فإن مَن يمتلك المعرفة واستخداماتها وتطبيقاتها بما يتناسب مع احتياجاته ومتطلبات العصر يكون في صف الأول بين الدول.
ومع تصاعد التطور التكنولوجي في العالم، تغيَّرت أشكال التعليم ونظمه في المجتمعات، فخرج لدينا مفهوم «التعلم الذاتي»، أو كما يُطلق عليه «التعليم عن بُعد»، الذي يمكن تعريفه، بأنه ذلك النشاط الواعي للفرد، الذي يستمد حركته وتعليمه من الانبعاث والتنظيم الذاتي، بهدف تغيير شخصيته ومعيشته إلى مستويات أفضل، ويقوم على عدم الاقتران بين المعلم والمتعلم في الموقع نفسه، بل يعتمد على وسيط بين هذين الطرفين لنقل وتلقي المعلومة، وقد ساعدت التقنيات الحديثة في أن تكون هذا الوسيط مع تعدد القنوات التعليمية، كالإذاعة والتلفزيون والإنترنت وغيرها من الوسائل الأخرى.
وتأتي أهمية هذا النمط من التعليم في مساهمته في التغلب على التكرار التعليمي، وتنوُّع مصادر الحصول على المعرفة، والتكَيُّف مع ظروف المتعلم، والتوفيق بين العمل والدراسة في زيادة إنتاجية الفرد، والاطلاع على ما هو جديد في عالم التكنولوجيا، وتوفير أساليب في إدارة وقته وتحديد أسلوب دراسته والمساعدة في مراقبة الفرد لأدائه وتقييم نفسه، كما يساهم بتشكيل منظومة بشرية، بالتعاون المتبادل المعرفي والمعلوماتي، وخلق روح التنافس السليم وتطوير مهارات البحث، ويقوم أيضاً على اعتماد الفرد لحل المشكلات بأسلوب التفكير الذاتي.
ويُعد «التعليم عن بُعد» من أهم استراتيجيات التعليم والتعلم الفعالة، لمواجهة تحديات الانفتاح على العالم والكم الهائل من المعلومات في وسائل التكنولوجيا، فهو يساهم بالتعلم المستمر والدائم، الذي يشعر فيه الفرد بقيمته وكيانه ونشاطه في الحياة بحل المشكلات ومهارات التفكير الإبداعي والتفكير النقدي ورفع المستوى الثقافي والعلمي والاجتماعي، فنجاح الأفراد والمؤسسات يعكس مدى قدرتهم الذاتية على التعلم.
وحيث إنني أرى أن الاستغلال الجيد للتعلم عن بُعد يساهم بتقدم المجتمع واكتساب أفراده مهارات وعادات مهمة، وتحملهم لمسؤولية قراراتهم، من خلال المساهمة في تجديد وتطوير وبناء مجتمع فعَّال لما يتميَّز بالمرونة والفاعلية والجاذبية، في الوقت الذي تبدو فيه المؤسسات التعليمية التقليدية محدودة الإمكانات وبطيئة الاستيعاب وعدم توافقها مع سرعة التغيرات في العالم، إضافة إلى التكلفة الاقتصادية الباهظة ومحدودية توافر المعلمين والتخصصات وتقيد المتعلم في تلقيه للمعلومات وغياب روح التحدي