
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
ما زالت تحذيرات خبراء الاقتصاد وخبراء النفط مستمرة، بشأن تأثير تراجع أسعار النفط على اقتصادات الدول الخليجية التي تعتمد في موازناتها بنسبة 50 في المائة، وما فوق على النفط، فتلك الدول ليس أمامها إزاء هذا الهبوط في أسعاره إلا البحث، وبسرعة، عن كيفية تنويع اقتصاداتها، وتوفير إيرادات إضافية بجانب مداخيل النفط.
ورغم تأثر الدول المنتجة للنفط بهذا التراجع الكبير لأسعار النفط الذي وصل إلى نسبة 50 في المائة خلال الفترة من يوليو 2014 حتى أبريل 2015، فإن هناك إصرارا من قِبل كبار المنتجين على الإبقاء على حجم إنتاجهم، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من تراجع الأسعار، مستقبلا، أو على الأقل ثباتها على المستويات الحالية.

وفي هذا الشأن، توقع تقرير لصندوق النقد الدولي، أن تستخدم الدول المنتجة للنفط الاحتياطيات المالية المتراكمة وموارد التمويل المتاحة، لتخفيف وطأة انخفاض الإيرادات على النمو، بينما تعمل على إبطاء إنفاقها من المالية العامة بالتدريج، حتى تتمكن من التكيف مع تقلب أسعار النفط، إذ من المتوقع أن يبلغ متوسط سعر البرميل 58 دولاراً في 2015، قبل أن يرتفع بالتدريج إلى 74 دولاراً للبرميل بحلول عام 2020، وذلك كرد فعل على تراجع الاستثمارات في قطاع النفط، وانخفاض نمو الإنتاج وزيادة الطلب، في ظل اكتساب التعافي العالمي قوة أكبر.
وأشار التقرير إلى أن التوقعات تشير إلى بلوغ معدل النمو لدول مجلس التعاون الخليجي3.4 في المائة في عام 2015، حيث تم تخفيضها بنقطة مئوية واحدة عن تنبؤات أكتوبر الماضي، ما يرجع بصفة رئيسة إلى تباطؤ النمو غير النفطي، كرد فعل على انخفاض أسعار النفط، مع توقع بتراجع التضخم بنصف نقطة مئوية، أي أنه سيزيد قليلا على 2 في المائة، بفضل تزايد قوة عملاتها، وتراجع أسعار الغذاء، ولا يرجح أن يحدث انخفاض أسعار النفط تأثيرا ملموسا في التضخم، لأن معظم بلدان الخليج تستخدم أسعار موجهة إداريا لمنتجات الوقود.
ويرى التقرير أنه في ظل فرضيات أسعار النفط الحالية، سوف تنخفض إيرادات صادرات النفط المتوقعة في 2015 بمبلغ قدره 287 مليار دولار (21 في المائة من إجمالي الناتج المحلي) في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد يؤدي تراجع أسعار النفط إلى تحول فائض الحساب الجاري الذي يتحقق منذ فترة طويلة في البلدان المصدرة للنفط إلى عجز، مع العودة إلى تسجيل فوائض في الحساب الجاري تدريجياً على المدى المتوسط، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، والضبط المتوقع لأوضاع المالية العامة.
ومن شأن حدوث تراجع دائم في أسعار النفط، أن يخفض الدخل الحقيقي للبلدان المصدرة للنفط، ما يتطلب الإسراع بتطبيق خطط لضبط الموازنات العامة.. ونظراً لأن الإنفاق الحكومي هو أحد العوامل الرئيسة الدافعة للنمو غير النفطي، ينبغي ضبط أوضاع المالية العامة على نحو داعم للنمو، ويمكن تحقيق ذلك، من خلال الحد من تجاوزات الإنفاق وإبطاء نمو الإنفاق على أجور القطاع العام وغيرها من النفقات الجارية، وضمان إنتاجية الإنفاق الرأسمالي، والتأخر في تنفيذ هذه الإصلاحات سيقتضي على الأرجح إجراء تعديل أكثر حدة وتكلفة في المستقبل.
ويؤكد انخفاض أسعار النفط أهمية الحد من اعتماد البلدان على إيرادات النفط، ويمكن تكملة جهود احتواء الإنفاق، بزيادة كفاءة النفقات الرأسمالية، من خلال تحديد المشروعات ذات الأولوية، ورفع مستوى الإشراف عليها والشفافية فيها، وتحسين الإدارة الضريبية، وزيادة تحصيل الضرائب غير النفطية.
وفي ضوء معطيات الواقع الجديدة في سوق النفط العالمية تزداد الحاجة الماسة إلى التحول عن نماذج النمو السابقة القائمة على الإنفاق الحكومي الممول بالنفط، وتقاسم الثروة النفطية، من خلال دعم الأسعار وتوظيف المواطنين في القطاع العام، وقد أدت هذه النماذج إلى انخفاض نمو الإنتاجية، كما أنها لا تحقق نتائج كافية لتوفير فرص العمل، وتنويع قاعدة النشاط الاقتصادي، لذلك ينبغي وضع نموذج جديد يتحقق فيه النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل بدافع من تنويع قاعدة النشاط الاقتصادي في القطاع الخاص، ويمكن تحقيق تقدم كبير نحو تحقيق أهداف تنويع النشاط الاقتصادي بتوفير الحوافز لمشروعات ريادة الأعمال الخاصة في قطاعات السلع التجارية، وتحسين الاتساق بين التعليم والمهارات اللازمة للعمل في القطاع الخاص، وزيادة تشغيل المواطنين في القطاع الخاص.