
محمد الغربللي
هي نوع من القرارات الارتجالية، التي تتخذها بعض الدوائر الحكومية، تنمُّ عن التخبُّط، وتعزز من مسار التجربة والخطأ، وكأننا في معمل مختبري، نقوم بتجربة، وعلينا معرفة صحتها أو خطئها.
هذا ما فعلته وزارة النفط منذ بداية العام، برفعها لأسعار الديزل، ليصل إلى 170 فلسا للتر الواحد، وبعدها بشهر خفضته إلى 110 فلوس، بدلا من السعر السابق.
مجرد شهر واحد مارسته وظهر خطؤها، بعد أن وجدت تأثير هذا الرفع على عدة قطاعات، من جراء استخدامهم للديزل في نشاطهم التجاري والإنشائي والخدماتي.
في الأيام القليلة الماضية، أعلنت وزارة الداخلية، أنها بصدد رفع رسوم استخراج رخص السواقة للوافدين، لتكون 500 دينار، وبعدها بأيام رُؤي أن يكون مقترح الزيادة أقل من ذلك، ليكون 300 دينار، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى رقم نهائي بهذا الخصوص.
من الواضح أن هدف وزارة الداخلية ليس تعزيز إيرادات «المرور»، بل محاولة منها للحد، بقدر ما، من أعداد السيارات المتزايدة في الشوارع، والازدحام على مدار الساعة، من جراء ذلك، علماً بأنها سبق أن رفعت منذ مدة شرط الحد الأدنى من الراتب، والشهادة التي يحملها وطبيعة الوظيفة لكل مَن يتقدَّم للحصول على رخص القيادة، علها تساهم بخفض، أو على الأقل، الحد من تزايد أعداد السيارات من سنة لأخرى.
محاولات بائسة
هي ليست حلولا كاملة، بل إجراءات تجريبية، وما يشبه المحاولات البائسة لمعالجة موضوع الازدحام المروري محل التذمر العام. نعترف بأن «المرور» تتلقى نتائج وأفعالا غير ممثلة بالتراخيص للبناء التي تمنحها بلدية الكويت، والتي تجعل عددا من المناطق الاستثمارية السكنية غير قابلة للاستيعاب، من جراء منح مثل تلك التراخيص لبناء أبراج سكنية واستثمارية تفوق طاقة الشوارع التي تخدمها، فهي على حالها أنشئت منذ عقود بمساحات لتخدم عددا متوسطا من المركبات، وأيضاً كذلك هي تتحمَّل نتائج تأخر وزارة الأشغال في تنفيذ ومواكبة التمدد السكاني والإسكاني المتواصل، شمالاً وجنوباً، ما أبقى على ذات الطرق المستخدمة قبل هذا التمدد، ومثال على ذلك مناطق جنوب السرة الخمس (السلام، حطين، الشهداء، الزهراء والصديق)، التي شهدت طفرة كبيرة في البناء، يُضاف إلى ذلك الأعداد الكبيرة من الذين أنهوا دراستهم للمرحلة الثانوية العامة كل عام، وبلوغهم سن الـ 18.. هؤلاء قادمون جدد يتزايدون سنوياً، يتقدَّمون للحصول على رخص القيادة.. جميع هذه العوامل تجعل من الأزمة المرورية عملية متحركة، وليست ثابتة، كأزمة يمكن حلها والقضاء عليها للأبد، ما لم تكن هناك رؤية مبنية على الأرقام، وحلول لها، تخدمها بمعطياتها الحالية، وهذا غير متوافر، وتلبي الاحتياج للمستقبل البعيد، وهذا غير وارد أيضا على مستوى التخطيط الحكومي العام، فكل قطاع من قطاعات الدولة يسيّر أعماله بصورة منفردة.
أجراءات عاقلة
ومع الأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعطيات، وغيرها من المعطيات الثانوية ذات التأثير، فإن ذلك لا يستدعي من وزارة الداخلية اتخاذ إجراءات قسرية والإعلان عنها بطريقة فجة على مستوى الصحافة اليومية، عندما تتخذ قرارا أو إجراء، بأن كل من يقود السيارة من دون رخصة صالحة سيتم إبعاده فوراً عن البلاد، والمقصود بالطبع هنا هم الوافدون. مثل تلك الإجراءات تخلق مناخا سيئا على وجود المقيمين لدينا، وكأنهم عالة على المجتمع، وليسوا أناسا منتجين، كلٌ في مجال عمله، كما أن مثل هذا الإجراء خارج عن القانون، فقانون المرور، وتحديداً المادة 33 منه، تنص على :«مع عدم الإخلال بالتدابير المقررة في هذا القانون أو بأي عقوبة أشد في قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب فعلاً من الأفعال التالية: قيادة مركبة آلية بدون رخصة قيادة صالحة لقيادة مركبة التي يضبط قائدها أو برخصة تقرر سحبها أو إيقاف سريانها»، وقد تم وضع لائحة لهذا القانون في ما يخص المخالفات، حيث وضع مدة زمنية محددة للصلح، ودفع غرامة من يرتكب هذا الفعل بمقدار 30 دينارا، وفي حال عدم الامتثال للصلح الإرادي يتم تحويل الأمر للسلطة القضائية، عن طريق محكمة المرور، التي حددت الغرامة القصوى بنحو 100 دينار، والسجن 3 أشهر، وهذا يعني أن هناك سلطة قضائية تفصل في هذا الموضوع ما بين مَن يرتكب المخالفة وإدارة المرور.
لم يرد في القانون إجراء الإبعاد عن البلاد، كما أتى في التصريح الأخير من وزارة الداخلية، ويفترض أن تكون كافة إجراءاتها مبنية على القانون، وليس عملا سلطويا تهدد به كيفما شاءت.
إن كانت هناك مخالفات عديدة وكثيرة فيمن يقود مركبة من دون رخصة قيادة، فيمكن للإدارة زيادة قيمة الغرامة، ورفعها، كعملية ردع، ويشمل ذلك الكويتيين أو المقيمين، على حد سواء، أما إجراء الإبعاد الإداري، فهذا إجراء يعتمد على البطش، وليس القانون.
حل المشكلة المرورية وقت الذروة يأتي بالعقل والتخطيط السليم، وليس بالقوة والمنع والقسر وإطلاق التصريحات النارية، التي تجعل من البنية الكويتية طاردة ومنفرة من التواجد، فاستعمال العقل والدراسات أصعب من عملية الإبعاد، كما أن مثل هذه الإجراءات لن تحل القضية المرورية، لا الآن، ولا مستقبلا.