قانون «الأنفاق» يُحكم الحصار على غزة ويقطع عنها شريان الحياة

الأنفاق لا تقتصر على التبادل التجاري بل حتى الأعراس تقام أحيانا فيها
الأنفاق لا تقتصر على التبادل التجاري بل حتى الأعراس تقام أحيانا فيها

محمد الغربللي
تمتد الحدود المصرية – الليبية بنحو 1115 كلم طوليا، وهي مساحة كبيرة جداً، وبتضاريس مختلفة.. أما ما بين مصر والسودان، فامتداد الحدود ما بين البلدين يبلغ 1280 كلم طوليا، وهذا يعني أنها أطول بمقدار مائة كيلومتر عن الحدود المشتركة الليبية – المصرية، ولتقريب تلك المسافات من ناحية القياس لامتداد وطول هذه الحدود، علينا أن نعرف أن المسافة ما بين مدينة الكويت والعاصمة الأردنية (عمان) تبلغ 1240 كلم، أي أقل بأربعين كلم عن مساحة الحدود السودانية – المصرية.

ما مناسبة الحديث عن الحدود الرابطة ما بين الدول؟

المناسبة، هي القانون الأخير الذي أصدرته الحكومة المصرية، بعد أن وجدت أنه لا توجد مواد قانونية تعالج موضوع حفر الأنفاق ومن يقوم بها، لهذا أصدرت منذ أيام (كما نشر في جريدة الوقائع المصرية، وهي الجريدة الرسمية للدولة) القانون رقم 2015/21، الذي ينص على «يُعاقب بالسجن المؤبد كل من حفر أو أعدَّ أو جهَّز أو استعمل طريقاً أو ممراً أو نفقاً تحت الأرض في المناطق الحدودية للبلاد، بقصد الاتصال بجهة أو دولة أجنبية أو أحد رعاياها أو المقيمين بها، أو إدخال أو إخراج أشخاص أو بضائع أو سلع أو معدات أو آلات أو أي شيء آخر»، كما نصَّ القانون على عقوبة مماثلة، أي السجن المؤبد، «لكل مَن ثبت علمه بوجود أو استعمال طريق أو ممر أو نفق تحت الأرض في المناطق الحدودية للبلاد، أو ثبت علمه بوجود مشروع لارتكاب أي من تلك الأفعال، ولم يبلغ السلطات المختصة بذلك قبل اكتشافه».

وبهذا، يُعاقب القانون ليس مَن يحفر الأنفاق، بل حتى مَن يعلم بأمر أحد ما يحفر نفقا على الحدود الرابطة مع دول أخرى ولا يقوم بإبلاغ السلطات المعنية!
والحقيقة، لا يمكن معرفة الطريقة التي تثبت أن شخصا ما كان على علم بوجود أنفاق أو بمَن يعمل على حفر نفق حدودي، وهذا القانون الذي تم تشريعه، وفرض العقوبات على مَن يقوم بحفر الأنفاق ليس موجها لمن يحفر نفقا ما بين الحدود الليبية – المصرية أو السودانية، فامتداد المساحة كبير جداً (فوق الألف كيلومتر طوليا)، ولا يمكن حفر نفق بين البلدين.

إذن المقصود هنا هي الحدود المصرية مع قطاع غزة، ذات الامتداد الجغرافي بنحو 12 كيلومترا طوليا، والهدف الأساسي من سنّ هذا القانون، هو مكافحة وتجريم كل مَن يحاول بناء الأنفاق بين مصر وغزة المحاصرة.

قصة الأنفاق

موضوع الأنفاق بدأ منذ عام 2006، عندما فرض الاحتلال الإسرائيلي الحصار على غزة، بسكانها الذين يقدَّرون بنحو مليون وثمانمائة ألف نسمة، وقد برع الغزاويون في التغلب على الحصار المفروض عليهم، بابتكار الأنفاق، بمختلف الاستخدامات.. أنفاق لمرور البشر، وأخرى لنقل المواد الصغيرة، وأخرى للمواد كبيرة الحجم، بما في ذلك الماشية، وتفننوا في بناء الأنفاق، ومهروا في إنشائها، وأصبح هناك خبراء بها، ومنهم من أطلق عليه لقب «الفأر»، لتمكنه من حفر الأنفاق بسهولة، وهناك نشاط آخر مشترك ما بين الطرفين؛ المصري والغزاوي، حيث تشكَّلت مجموعة تجارية، وتوسعت أعمالها في تهريب البضائع، بيعاً وشراءً، من الجانبين، مجموعات كبيرة اعتمدت على هذا النشاط، الذي يتراوح ما بين نقل المواد المطلوبة وعرض المنتجات وعقد الصفقات التجارية بين الطرفين، وقد قامت إسرائيل أكثر من مرة بضرب تلك الأنفاق، بحملاتها الجوية، إلا أنها لم تستطع إنهاءها، أو القضاء عليها، كما أدَّى انهيار بعض الأنفاق عند إنشائها إلى وقوع ضحايا عدة ممن يقومون بحفرها، بسبب رخاوة التربة، ومع ذلك استمرت عمليات الحفر والتهريب.

إجراءات السلطات المصرية

وفي الأشهر الماضية عمدت السلطات المصرية إلى اتخاذ إجرائين؛ الأول تمثل في هدم الأنفاق بأعداد كبيرة، والآخر في تفريغ المدن والنواحي السكنية المحاذية لقطاع غزة ونقل سكانها وإخلاء المنطقة المحاذية من السكان بمسافة نصف كيلومتر، لتكون ساحة مكشوفة، واكتشفت بعد ذلك أن هناك نفقا يمتد إلى كيلومتر طوليا.

وفي المحصلة النهائية، تقلصت بشكل كبير عملية التبادل التجاري غير الرسمي مع قطاع غزة عن طريق الأنفاق التي جرى ردمها، ولا يزال قطاع غزة يعاني بشكل كبير الحصار الصهيوني، وخاصة بعد العدوان الإسرائيلي صيف 2014، ونعتقد أنه يفترض بالسلطات المصرية، بحكم العلاقة بين مصر وسكان قطاع غزة، تنظيم عملية إرسال المواد عن طريق معبر رفح الحدودي، وخاصة أن هناك قرارا على مستوى القمة العربية اتخذ منذ سنوات، يدعو إلى مواجهة الحصار المفروض على قطاع غزة، بسبب صموده في وجه الكيان الصهيوني، إلا أن هذا القرار الذي اتخذ على مستوى القمة لم يفعَّل إطلاقاً، ومع القانون الذي صدر أخيرا سوف تتفاقم آثار الحصار على سكان غزة، وتزيد معاناتهم المعيشية، صيفاً وشتاءً، فضلا عن أن آثار العدوان الهمجي لا تزال باقية، وركامها يحكي حكاية عدوان استمر 50 يوماً من قذائف الجنون الصهيوني.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.