
محمد الغربللي:
ثلاثة مرتكزات حددها الأمين العام المساعد لشؤون التخطيط في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، د.رياض الفرس، بشأن المعضلة الإسكانية، وهي جميعها تؤدي إلى تفاقم المشكلة، مع مرور الوقت؛ المرتكز الأول، أن هناك 60 في المائة من الأسر الكويتية لا تملك سكناً، والأسرة تعني الزوج والزوجة وعددا من الأولاد، المرتكز الثاني أن فترة انتظار الحصول على سكن تصل إلى 20 عاماً من تاريخ تقديم الطلب، والمرتكز الثالث والأخير، أن الطبقة الوسطى عاجزة عن شراء منزل أو أرض، لإقامة سكن، وسط تصاعد كبير في أسعار الشقق والبيوت السكنية.. ثلاث زوايا حادة في مثلث الوضع الإسكاني تضيق على الأسرة الكويتية، وعندما يعلن مسؤول رفيع المستوى عن هذه الإحصائية، فهذا يعني أولاً أن هناك أقلية من الأسر الكويتية لا تشكل إلا 40 في المائة حصلت على سكن منذ بدء العملية الإسكانية عام 1955 حتى الآن، وهنا نتحدَّث عن فترة زمنية طويلة، ولا تزال العملية الإسكانية متأخرة في تلبية ما دون النصف من الطلبات.
لمعالجة مثل هذا الوضع في إحدى السنوات في منتصف السبعينات، تم الدفع عن طريق مجلس الأمة لإنشاء هيئة للإسكان، وتم توفير كافة التسهيلات لها، سواء على المستوى الإداري أو الفني، بل ذهب مجلس الأمة إلى حد إقرار تجنيب الهيئة المرور بلجنة المناقصات لكي تتمكن من سرعة إنجاز المهام الموكلة إليها في توفير الرعاية السكنية، وقد كان من المحتمل والمتصور، أيضاً، أن يتم حل القضية الإسكانية وتراكم الطلبات خلال فترة زمنية لا تتعدى السنتين أو الثلاث سنوات، للوصول إلى تلبية الطلب الإسكاني مباشرة عند تقديم الطلب لهيئة الرعاية السكنية.. هذا التصوُّر والآمال نسفها الأداء الحكومي في الدوائر ذات العلاقة بالهيئة، كما أن عجز الدولة في جميع خدماتها وترهلها انعكس على أداء هيئة الإسكان، وأصابها بفيروس العجز المزمن للأداء الحكومي العام، وهكذا تزايدت الطلبات أمام عجز سنوي أدَّى إلى التراكم، إلى أن وصلنا حالياً إلى هذه النسبة.

عندما يشير د.الفرس إلى فترة انتظار طويلة تصل إلى 20 عاماً، للحصول على سكن، فهذا يعني أنه إذا كان مَن تقدَّم بطلب إسكاني متوسط عمره 24 سنة على أدنى تقدير، فسيصل إلى سن 44 عاماً، كي يحصل على منزل، ويعني أيضاً بلغة السنوات، أن أمامه 10 سنوات، ليصل إلى سن التقاعد، والراتب التقاعدي راتب شبه متوقف، من دون تغيير، ويتوجب عليه، فوق التزاماته الأسرية تسديد أقساط الحصول على المنزل، وهو في سن التقاعد، وهذا افتراض متفائل، فقد نجد أن معدل سن الزواج يتراوح ما بين 28 و32 عاماً، وهذا يعني أن مَن سيحصل على الرعاية السكنية سيقوم بتسديد الأقساط وهو على مشارف الشيخوخة.. أما بشأن المرتكز الثالث، فما هو إلا انعكاس للمعطيين الأول والثاني، فما دامت الطلبات بهذا العدد الكبير للحصول على الرعاية السكنية وسنوات الانتظار تصل إلى خُمس قرن، فلابد أن ترتفع الأسعار، سواء بالنسبة للأراضي أو الشقق أو البيوت المتاحة للبيع، وهي نظرية قائمة، وسوف تستمر وتتزايد، في ظل تلك المعطيات.
الصرخة الرقمية
عندما يتحدَّث مسؤول يعمل في التخطيط وهو يمتلك كافة الأرقام والإحصائيات، فإن حديثه ليس نابعا من انطباعات عامة قد يشوبها الخطأ أو سوء التقدير أو ضيق الرؤية، بل مستمدة من الأرقام التي بحوزته، وهي أرقام تعكس الفشل في معالجة قضايا الناس وتلبية احتياجاتهم المعيشية، ولو كان الفشل والعجز في قطاع لا يعاني منه إلا 5 أو 10 في المائة من الأسر، لكان هناك أمل في معالجته، فالمتضررون لا يشكلون إلا نسبة قليلة في المجتمع، إلا أن «الصرخة الرقمية» أعلنت عن 60 في المائة، وهذه شهادة «امتياز مع مرتبة الشرف»، تشير إلى فشل الأداء الحكومي وعجزه.