
كتب محرر الشؤون المحلية:
قف.. فالفضاء الإلكتروني ليس مفتوحاً، وتغريدة واحدة قد تقودك إلى السجن والغرامة.
هذا هو واقع الحريات بالكويت.. ففي الوقت الذي يبحث فيه مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي عن متنفس أرحب وواقع افتراضي أكثر حرية، وحوار يفتح قنوات الرؤية الوطنية الهادفة إلى إصلاح الأوضاع، يجد المغردون أنفسهم في دوامة الملاحقة الأمنية والقضائية، بل صدرت بحق العديد منهم أحكام جعلتهم قابعين خلف الأسوار.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه الحريات عموماً، وحرية الرأي على وجه الخصوص، تضاعفت القضايا المرفوعة ضد المغردين ومستخدمي مواقع التواصل إلى نحو 472 قضية خلال العام الماضي، وفق مصادر قانونية.
ويكشف واقع المحاكم وجهات التحقيق عن مؤشر خطير، حيث أصبحت القضايا المرفوعة ضد مستخدمي «تويتر، إنستغرام، فيسبوك، المدونات» وغيرها من المواقع شبه يومية، ومن أكثر مسببات هذه الملاحقات الأمنية والقضائية، التعليق على الأحداث والقضايا السياسية.
لا للقمع
وتجيء ملاحقة المغردين وأصحاب الرأي، لتكمل حلقات قمع الحريات وتكميم الأفواه، ما يدل على ضيق الحكومة بحرية التعبير، ومحاولاتها المستمرة لتضييق الفضاء الإلكتروني، والسعي إلى مراقبته، ومن ثم رصد بعض أصحاب التغريدات، ولاسيما ذوي التوجهات السياسية والرافضين للتنفيع والفساد والتعدي على المال العام، فضلاً عن ملاحقة الشباب الراغب في طرح قضايا بجرأة وشجاعة، لخدمة الشأن العام.
ووفق مصادر، فإن المحاكم تشهد كل يوم تقريباً قضايا جنائية، بسبب تغريدات، فيما يُحال آخرون إلى القضاء، بسبب إعادة آراء لغيرهم عبر «الرتويت»، ولا يحتاج الأمر سوى تصوير التغريدة أو الرتويت، ومن ثم التقدُّم بشكاوى إلى المخافر، سواء قام بذلك أشخاص أو جهات أمنية، ومن ثم تأخذ القضية إجراءاتها، بدءاً من المخفر، مروراً بالمباحث، ثم الإدارة العامة للتحقيقات، وانتهاء بالنيابة، فالإحالة للمحكمة.
أين الضوابط؟
مصادر قانونية أكدت أنه لا توجد حتى الآن ضوابط ولا نصوص قانونية تضبط قضايا المغردين ومستخدمي مواقع التواصل، مشيرة إلى وجود نصوص عامة خاصة بالمرئي والمسموع، ويتم الأخذ بها في الوقت الحالي، لكن لا يوجد قانون خاص بالجرائم الإلكترونية واستخدام مواقع التواصل.
وتكشف المصادر عن قيام أحد النواب برفع نحو 150 قضية سب وقذف ضد مغردين في يوم واحد، يتهمهم فيها بالإساءة إليه عبر «تويتر»، وقد تم استدعاؤهم جميعاً، وأحيل 120 منهم إلى المحكمة.
ويرى مغردون ومثقفون وإعلاميون وقانونيون، أن تزايد القضايا المرفوعة ضد مستخدمي مواقع التواصل يدل على ضيق السلطة بمساحة الحريات، مشيرين إلى أن الإساءة للأشخاص والتشهير بهم عبر الفضاء الإلكتروني مرفوضان، لكن في الوقت نفسه نرفض نهج الملاحقات الأمنية والاستمرار في تكميم الأفواه، والمزاجية في تفسير التغريدات والآراء.
وأكدوا أن الحكومة تتبع الانتقائية في ملاحقة المغردين.. ففيما تغض الطرف عن البعض لاعتبارات مصلحية، ترفع القضايا ضد آخرين لا يقصدون بتغريداتهم وكتاباتهم السب والقذف والتشهير ولا زعزعة الأوضاع في البلاد.
حق دستوري
ويؤكد الأستاذ في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.علي خريبط، أن حرية الرأي حق دستوري وإنساني، وعلى الحكومة أن تكف عن نهج الملاحقات.
واضاف: كلمة الحق مسؤولية الجميع، فلا خير فينا، إن لم نقلها.. ولا خير في الحكومة، إن لم تسمعها، مشيراً إلى أن الخطأ يكمن في إساءة البعض لـ «تويتر وإنستغرام» وغيرهما من مواقع التواصل، لكن الكثير من الغريدات عاقلة ومتزنة وغايتها المصلحة العامة، ومن العبث ملاحقة أصحابها، أمنياً وقضائياً، لمجرد التعبير عن آرائهم في قضايا سياسية أو اجتماعية أو فكرية.
وأكد خريبط أن الحل يكمن في تكريس التعددية، وقبول الآخر، وفتح آفاق الحريات، فالمجتمع الكويتي مجبول على الحرية، ولن يقبل أبداً بسياسة تكميم الأفواه.
حرية الفكر
من جانبه، يقول المحامي عبدالحميد الصراف: الأصل الدستوري، هو حرية الفكر وإبداء الرأي، وفقاً لنص المادتين 36 و37 من الدستور الكويتي، وأن الاستثناء هو القيد، ولا يجوز أن يمحو الاستثناء الأصل، أو يجور عليه أو يعطله، فيقتصر أثره على الحدود المحظورة، والتي نص عليها القانون، سواء قانون الجزاء أو قانون المطبوعات والنشر، سواء في ما يتعلق بمصالح الدولة أو العقائد الدينية أو الأشخاص والمنصوص عليها على سبيل الحصر.
ويرى ضرورة حماية الحريات، مع الحفاظ على مصلحة الأفراد وجهات الدولة من بعض التجاوزات وإساءة استخدام هذه المنظومة الإلكترونية، لافتاً إلى أنه إذا ثبت ارتكاب الجريمة الإلكترونية، ونسبتها إلى الجاني بكافة أركانها وعناصرها القانونية وتوافر الأدلة اليقينية على ثبوتها، فإن العقوبة المقررة لهذه الجرائم، هي الحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة، وبغرامة لا تجاوز 75 ديناراً أو إحدى هاتين العقوبتين، ويجوز للمحكمة أن تقضي بمصادرة الأجهزة المستخدمة والمضبوطة بالمحضر.
تزايد القضايا
وتطرَّق الصراف إلى تزايد القضايا المرفوعة ضد المغردين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: إن العالم يشهد تطوراً هائلاً في مجال الاتصالات الإلكترونية، التي تعتمد على تبادل المعلومات عبر شبكات الاتصال الحديثة، سواء تلك التي تمر من خلال شبكة الاتصالات الدولية (الإنترنت)، أو غيرها من وسائل الاتصال والنظم الإلكترونية المرتبطة تقنياً بأجهزة الحاسوب، كوسيلة لتبادل ونشر المعلومات وبثها، والتي أصبح الدخول إليها متاحاً للكافة، كما أضحى للتعامل وتبادل المعلومات عبر هذه الوسائل الإلكترونية المتطورة مفهومٌ واسعٌ يحظى بسائر الأنشطة وكافة مجالات الحياة اليومية، لما تتميَّز به من سرعة الاتصال والتواصل بين كافة الأطراف، ومن ثم، فقد بات من الضروري أن يواكب هذا التطور في وسائل الاتصالات الإلكترونية، إعداد تشريع ينظم المعاملات المرتبطة بهذه الوسائل، ويضع لها القواعد والضوابط المناسبة وصور التجريم والعقوبات المقررة لها، ولا يترك الأمر للاجتهادات، لما في ذلك من تعدٍ على قواعد القانون المتعلقة بالقاعدة الدستورية «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص».
ظلم وتعسف
بدوره، قال المحامي محمد القلاف: هناك بعض التغريدات تبث الفتنة والكراهية، كما أن بعض الحسابات الوهمية وراءها أهداف خفية لزعزعة أمن البلاد، وهؤلاء يستحقون العقاب، لكن مع الأسف، فإن مغردين أحيلوا للمحاكمة بلا تهم حقيقية، وتعرضوا للظلم والتعسف، بسبب إساءة تفسير آرائهم عبر مواقع التواصل.
وشدد على ضرورة الاحتكام للدستور، الذي يقر الحريات، ويكفل حرية الرأي والتعبير.
قضايا وطنية
أما المحامية ريم النقي، فذكرت أن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت آفاقاً أرحب أمام أبناء الجيل الصاعد، للتعبير عن آرائهم، وهناك قضايا وطنية مهمة فجَّرها المغردون عبر «تويتر»، وما أكثر «الهشتاغات»، التي تصدَّرت المشهد الكويتي، وساهمت بصنع القرار، لكن الحكومة كثيرا ما تضيق بهامش الحرية، فتلجأ إلى ملاحقة مغردين أبرياء لم يقصدوا من تغريداتهم سوى المصلحة العامة، وبعض هؤلاء يقبع خلف الأسوار، بسبب تغريدة.
الحكومة متناقضة
أما محمد عجيل، فذكر أن الحكومة تناقض نفسها، فهي تؤكد على لسان وزراء ومسؤولين، أنه لا مساس بالحريات، في الوقت الذي تلاحق فيه عشرات المغردين وأصحاب الرأي.
وأضاف: إن «تويتر» وغيره من مواقع التواصل، لم تعد ترفاً، بل أضحت ضرورة عصرية، ومن الخطأ اتباع النهج الأمني في تعقب المغردين، والأجدى من ذلك إقرار صيغة توافقية لتنظيم الوسائل الإلكترونية، بعيداً عن المراقبة والملاحقة والنهج البوليسي.
أين الحريات؟
أما الصحافي والأديب شريف صالح، فيقول: نصَّت المادة 19 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء، من دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت من دون تقيد بالحدود الجغرافية»، لكننا دائما نعاني هوة فادحة بين مبادئ تحدثنا عن حريات واسعة وواقعنا المعاش.
العالم الأسوأ
وأردف: لا يحتاج الأمر إلى إحصاءات تثبت أن العالم العربي عموما هو الأسوأ بمجال الحريات، في ظل وجود أشكال رقابة لا حصر لها على الكتب والفنون ووسائل الإعلام التقليدية، مثل الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية، وحتى وسائل الإعلام الحديثة، مثل شبكات التواصل الاجتماعي. نحن هنا إزاء مأزق مزدوج، لأن المشكلة لا تتمثل فقط في رغبة الحكومات في السيطرة، بل هناك أيضا هوس مجتمعي يضيق بالاختلاف والتعبير عن الرأي. فنحن، كشعوب، نسابق حكوماتنا في اختراع قوانين ولوائح ومؤسسات وأجهزة رقابية، لضبط مستوى وحدود الكلام.
وزاد بالقول: إذا تطرَّقنا إلى الصحافة الإلكترونية، فهي أكثر نشاطا الآن، ويبدو عجز الحكومات «نسبيا» عن ملاحقة كل ما يجري فيها، وإخضاعه للمساءلة.. وهي ميزة تبشر بمستقبل يسحب البساط، نوعا ما، من الصحافة المكتوبة.. مع ذلك، لا تتورَّع الحكومات عن فعل المراقبة، وهناك طلبات رسمية تقدم إلى شركات عالمية، مثل «فيسبوك» و»غوغل»، للكشف عن هويات حسابات لمساءلة أصحابها، بما فيها طلبات من دول متقدمة، مثل أميركا! وبالفعل، رصدت أسماء، وأُحيلت للنيابة في دول عربية عدة.
ويبدو أن محاسبة هؤلاء تستغل عفوية واندفاع الآراء والتعليقات على مواقع التواصل، ما يجعلها مدانة، اجتماعيا وقانونيا.. ورغم ذلك، لا يمكن إنكار دور العالم الافتراضي في فتح نوافذ مهمة لتبادل المعلومات والآراء وإعادة تشكيل الرأي العام، وخلق حراك سياسي واجتماعي وثقافي، واتضح ذلك بجلاء في ما يسمى بثورات الربيع العربي.
ووفق صالح، فمهما كانت تعقيدات اللحظة، فنحن مدينون للعالم الافتراضي برفع مستوى حرية التعبير في منطقتنا.. والاقتراب أكثر مما أقرَّته الأمم المتحدة في إعلانها العالمي لحقوق الإنسان، الذي يبدو في أحيان كثيرة حبرا على ورق!
آراء مؤثرة
والتقطت أطراف الحديث الإعلامية سحر الببلاوي، قائلة: إن الآراء التي تنشر عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أصبحث مؤثرة في الرأي العام، وفتحت مجالات رحبة للتعبير عن الآراء، لكن الملاحقات المستمرة لمستخدمي المواقع الإلكترونية مؤشر خطر، ودليل على الضيق بحرية الرأي.
وأشارت إلى أن البعض يسيء استخدام هذه الوسائل في التجريح أو نشر الآراء المتطرفة، لكن هذا لا يبرر الترصد والملاحقة تحت ذريعة ضبط النشر الإلكترونى، فهناك الطرح الإيجابي، وعرض وجهات النظر، ولا يمكن التعميم في هذا الصدد.
تنظيم الاستخدامات التقنية بشرط
تزايدت القضايا ضد المغردين ومستخدمي المواقع الإلكترونية، وطالب قانونيون ومحامون بإعداد تشريع شامل ينظم الجرائم التقنية، من دون المساس بالحريات، على أن تشارك في صياغته مؤسسات المجتمع المدني، وكل التيارات النخبوية.
3 ملايين مستخدم لمواقع التواصل بالكويت
كشفت إحصائية عالمية، أن أعداد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت ارتفعت إلى نحو 3 ملايين مستخدم، منهم أكثر من مليون مغرد عبر «تويتر».
وشدد ناشطون سياسيون على ضرورة تعزيز حرية الرأي، والكف عن الملاحقات الأمنية لمستخدمي الإنترنت، فهي تشوه الديمقراطية وتسيء للبلاد.
أبرز اهتمامات المغردين
تستحوذ على اهتمامات المغردين قضايا عدة، أبرزها:
1- التطورات السياسية ومستجدات الأوضاع محلياً وإقليمياً.
2- أخبار الرياضة.
3- التطورات الصحية ومستجدات الأمراض المعدية.
4- أخبار الفن ومتابعة النجمات والنجوم والمشاهير.
5- المال والأعمال والتطورات الاقتصادية.
6- تقلبات الطقس.
7- الجديد في الطبخ والأكلات.
8 – الأزياء والموضة والجديد في الماركات.
9 – عالم السيارات.
10 – أغرب الحوادث والقضايا الجنائية.