
كتب محرر الشؤون الدولية:
منذ توقيع اتفاق لوزان، والحكومة الإسرائيلية تحاول الحط من شأنه، ودفع الكونغرس الأميركي لرفضه أو تعطيله، والتأثير في مجريات المفاوضات بشأن الاتفاق النهائي في نهاية شهر يونيو المقبل، لهذا تعتزم إسرائيل السير بمسارين متوازيين لإحباط الاتفاق؛ الأول مواصلة الضغط على البيت الأبيض، والثاني محاربته من الداخل، بالعمل على تجنيد أغلبية ضد الاتفاق داخل الكونغرس الأميركي.
لكن في ظل الأوضاع السياسية الحالية في الولايات المتحدة، ولاسيما بعد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الكونغرس، الذي أدَّى إلى اصطفافات واضحة بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن الحديث يدور عن مهمة صعبة، بل مستحيلة، وحرب خاسرة لإسرائيل، لا يمكن توقع تداعياتها، لكن في المقابل، قال مسؤول إسرائيلي إن الحكومة ستواصل اتصالاتها مع البيت الأبيض، من أجل التأثير على شكل الاتفاق النهائي مع إيران.
استبعاد التوقيع النهائي
في هذا السباق المحموم، والتضاد الذي تشهده المواقف الأميركية والإسرائيلية حول اتفاق لوزان المرحلي، استبعد مسؤول في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن توقع الدول الكبرى وإيران على اتفاق نووي دائم، بحلول يونيو المقبل، أو حتى في المستقبل القريب، وعبَّرت هذه الأجهزة عن مخاوفها من عدم تعاون أجهزة استخبارات غربية معها حول البرنامج النووي الإيراني.
ونسب محلل شؤون الاستخبارات في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رونين برغمان، لمسؤول رفيع في مجال تقييم الأوضاع في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قوله إن «احتمال توقيع اتفاق بين إيران والغرب في يونيو أو في المستقبل القريب عموما، هو أقل من 50 في المائة».
وأضاف المسؤول نفسه، أن ما يبدو للكثيرين في الغرب أنه نهاية الأزمة مع إيران، ما هو إلا بداية مفاوضات منهكة ومضنية، حول تفاصيل اتفاق الإطار المليء بالثقوب.
وأوضح «خضنا تجربة مشابهة في الماضي، وخلال السنوات العشر الماضية أعلن الإيرانيون والأوروبيون عدة مرات، أنه يوجد اختراق تاريخي، لكن عندما وصلت الأمور إلى مرحلة الصياغة والتوقيع والتطبيق، اتضح أنه توجد لدى الأطراف، وغالبا لدى الإيرانيين، تفسيرات مختلفة للأمر برمته».
رغم ذلك، أشار بيرغمان إلى أنه في حال كان هذا المسؤول مخطئا، وتم التوقيع على اتفاق دائم في يونيو المقبل، فإن هيئة إسرائيلية واحدة ستكلف بمسؤولية المراقبة، كي لا تتحول إيران إلى دولة عظمى تحوز سلاحا نوويا، وهذه الهيئة هي الموساد.
وأضاف أنه ربما تكون المسؤولية الملقاة على الموساد في هذه الحالة أكبر من تلك التي ألقيت على عاتقه في عام 2004. واعتبر بيرغمان، أنه تتزايد أهمية الموساد الآن، لأنه سيعمل مع «أمان» على التأكد مما إذا كانت إيران تطبق الاتفاق مع الغرب في حال توقيعه.
المطالب الإسرائيلية
في هذه الأثناء، قدمت إسرائيل سلسلة مطالب تتعلق بالاتفاق مع إيران، وعرض وزير الاستخبارات يوفال شطاينتس مطالب إسرائيل في مؤتمر صحافي، حين ذكر أن تطمينات الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن أمن إسرائيل غير كافية، وأنه يجب تعديل الاتفاق المرحلي بشكل جذري، وأن خيار استخدام القوة يبقى «على الطاولة» بالنسبة لإسرائيل، التي تسعى إلى أن توقف إيران الأبحاث على أجهزة الطرد المركزي الحديثة وتطويرها.
وأعرب الوزير الإسرائيلي عن القلق من أن تكون إيران في حال سمح لها بإجراء هذه الأبحاث قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب لإنتاج قنبلة ذرية خلال ثلاثة أو أربعة أشهر، كما تحدث عن خفض عدد أجهزة الطرد المركزي التي ستستمر إيران في تشغيلها وإغلاق موقع فوردو للتخصيب تحت الأرض، ونقل مخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب المنتج إلى خارج إيران، والسماح للمفتشين الدوليين الذين سيحرصون على تطبيق الاتفاق «بزيارة أي موقع في أي وقت»، ومطالبة إيران بالكشف عن كل أنشطتها النووية السابقة، والتي يشتبه بأن لها بُعدا عسكريا.
وصرَّح للصحافيين أنه مع هذه التعديلات البسيطة، «لن يكون الاتفاق جيدا، بل سيكون مقبولا أكثر»، وكشف شطاينتس عن أن «الدراسة الشاملة (التي أجرتها إسرائيل) لاتفاق الإطار في لوزان، كشفت إثر التنازلات غير المسؤولة التي قدمت لإيران».
وقال إنه يثمّن تطمينات أوباما المتعلقة بالدعم الأميركي لإسرائيل، في حال تعرضها لتهديدات، مضيفا أنها غير كافية.
وأخيراً، أعلن شطاينتس أن إسرائيل تفضل الحل الدبلوماسي، لكن الخيار العسكري «كان ولا يزال وسيبقى على الطاولة».
التهديد بعصا الكونغرس
لكن العصا الأخرى، التي تهدد بها إسرائيل، هي عصا الكونغرس، حيث ندد زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، بـ «التنازلات» التي قدمتها إدارة أوباما لطهران في اتفاق لوزان المرحلي، مؤكدا أن المجلس متمسك بحقه في أن تكون له كلمة بهذا الشأن. وكرر وعده بأن يصوت الكونغرس على اقتراح قانون أطلق عليه اسم كوركر- ميننديز، ويعطي الكونغرس حق النظر في الاتفاق، وهو القانون، الذي يفرض على الرئيس باراك أوباما الرجوع إلى الكونغرس في أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران حول برنامجها النووي، ولكن البيت الأبيض يرفض رفضا تاما هذا الأمر، مؤكدا أن إبرام مثل هذا الاتفاق من صلاحية السلطة التنفيذية حصرا، وأن تدخل الكونغرس في هذه المسألة سيخلق سابقة، داعيا الكونغرس إلى عدم وأد هذا الاتفاق.
وعلى الرغم من التوتر المتزايد بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، فإن البيت الأبيض لا يزال يحاول استرضاء إسرائيل بشأن اتفاق لوزان، ويمتنع عن توجيه انتقادات علنية لها، تجنبا – على ما يبدو – للدخول في مواجهة معها، قد تكون لها انعكاسات على الساحة الأميركية الداخلية، ولكنها دافعت مجددا عن اتفاق لوزان، وذلك عبر طغيان نبرة التودد والاسترضاء لإسرائيل على نبرة المتحدثين الرسميين.. ففي حين رد البيت الأبيض على الانتقادات الإسرائيلية بالقول إن الاتفاق هو «الطريقة الأنجع لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي»، وفق الناطق باسم البيت الأبيض جوش أرنست، الذي أضاف أن «الرئيس أوباما سيبذل كل الجهود ليثبت للعالم قاطبة بأنه لا يوجد حليفة (للولايات المتحدة) أقرب من إسرائيل»، ردت الناطقة باسم البيت الأبيض، ماري هارف، على الانتقادات الإسرائيلية، بالقول إن أوباما «أوضح بأنه بفضل الاتفاق ستحتاج طهران لسنة للقيام بذلك، الأمر الذي يتيح اتخاذ خطوة عسكرية لكبحها».
معركة أخرى
هي معركة أخرى، مشابهة لمعركة نتنياهو، التي خاضها من داخل الكونغرس، ضد إدارة أوباما وسياسات البيت الأبيض، حيث يعتمد رهان إسرائيل اليوم على مواقف في الكونغرس داعمة لها ولسياساتها، من قبيل مشروع القانون الذي تهدد إسرائيل بأنه يمكن له أن يفشل اتفاق لوزان، ويعرقل رفع العقوبات عن إيران، باشتراطه موافقة لجنتي الخارجية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، حتى إنها تطالب بإدخال بند لمشروع القانون يعتبر الاتفاق مع إيران «معاهدة» تتطلب إقرار الكونغرس. ففي سباق استعراضات القوة للحفاظ والاحتفاظ بالمصالح العليا، لمن تكون الغلبة؟ لسياسة «الحرد الإسرائيلي»، أم لمحاولات «الاسترضاء الأميركية»؟ وهل يستطيع الكونغرس أن يصمد حتى النهاية، في خوض معركة إسرائيل ضد البرنامج النووي الإيراني؟