«الخطوط الجوية الكويتية» تحط الرحال في المربع الأول

 «الكويتية» تعود إلى المربع الأول مجددا
«الكويتية» تعود إلى المربع الأول مجددا

محمد الغربللي
مرة أخرى، نحط في إحدى محطات «الخطوط الجوية الكويتية»، التي لا نعرف تسميتها بعد، فهل لاتزال حتى الآن مؤسسة أم شركة، بحكم القوانين التي صدرت، بتحويلها من مؤسسة إلى شركة؟.. من الناحية الفعلية، هي تتصرَّف، حتى الآن، على وضعها كمؤسسة، ولم تخرج إلى الوجود، فعلياً، لتصبح شركة.. فهي لا تسير كالحمامة ولا تمشي كالغراب.

نعود مرة أخرى لمحطة «الكويتية»، كما نقول، وآخرها ما بيناه في العدد الصادر في 17/12/ 2014 من «الطليعة»، حول الموضوع ذاته، ولابد من الإشارة إليه، أو بالأدق إعادة فقرة منه، عندما تذكر «وأخيراً هناك مادة قانونية أيضاً ممثلة بالسهم الذهبي في ملكية الشركة ويحظى هذا السهم الذهبي بقدرة تصويتية اعتراضية في مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية للشركة، وذلك حماية للمصلحة العامة، كما ورد في القانون، والمصلحة العامة تعبير واسع قد يؤدي إلى عزوف ما يسمى بالمستثمر الاستراتيجي على الاستحواذ على 35 في المائة من رأس المال، وأمام مثل تلك العقبات، لا يستبعد أن تمتد عملية تنفيذ قانون شركة الكويتية لسنوات، ولاسيما أن لدينا تجربة لم يمضِ عليها الكثير، عندما تم وضع سقف زمني محدد بسنتين، لإنجاز مشروع التحويل من مؤسسة إلى شركة، ولم ينجز خلالها أي شيء، سوى التصريحات».. هكذا كانت الرؤية لدينا منذ أن صدر قانون خصخصة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية في يناير 2008، وتم وضع سقف زمني لتنفيذه، ينتهي في يناير 2010. والآن، وبموجب مقترح اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة، وبحضور الجهات الحكومية، لمشروع قانون تعديل قانون «الكويتية»، لتصبح الناقل الرسمي للدولة، وأن تكون مساهمة الدولة في رأسمال الشركة 75 في المائة، بدلا من 20 في المائة, كما كان في القانون الذي صدر عام 2008، والقوانين الأخرى المكملة له التي صدرت بعده، فإن لدينا بعض الملاحظات:

رأي «الهيئة»

بداية، أشار مقرر اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة إلى أن شركة الخطوط الجوية الكويتية مؤيدة لهذا الاقتراح.. أما الهيئة العامة للاستثمار، التي عليها المساهمة الحكومية في رأسمال الشركة، فقد كان رأيها أن مجال النقل ليس ضمن نشاطها الاستثماري، وتم الخروج بمقترح لتشكيل لجنة مشتركة من اللجنة البرلمانية والخطوط الكويتية والهيئة العامة للاستثمار لدراسة المقترح.

إن هذا المقترح يعني في النهاية العودة للمربع الأول، بأن تظل المؤسسة ملكا للحكومة، ويلغى نهائياً موضوع الخصخصة، الذي أقر في مجلس عام 2008، ولدينا في هذا الخصوص دراسات وغيرها منذ بدء العمل في القانون السابق حتى الآن، سواء دراسات الجدوى، أو تقييم الأصول، أو الدعاوى القضائية التي رفعت، من جراء الدخول في مسار بعيد عن الواقع، وكأن هناك جهات كثيرة كانت تطمح وتطمع في الحصول على ملكية «الكويتية»، مع أن النقل الجوي كان يعاني ويتكبَّد خسائر سنوية كبيرة على مستوى العالم، و«الكويتية» ليس فيها رائحة إغراء مالي للاستحواذ عليها.

قانون معطل

ثاني الملاحظات، أنه ليس بالقانون الصادر يمكن تنفيذ أمر ما، ليكون كن فيكون، فالعملية ليست صياغة قانونية تصدر كتشريع نهائي في الجريدة الرسمية، وينتهي الأمر، يظل قانونا معطلا غير قابل للتنفيذ، لبُعده عن الدوافع الموضوعية والمعطيات الاقتصادية، فكم من مرة سمعنا أن مجلس الأمة يعطل القوانين، كذريعة لتدني الأداء، كما نسمع بشكل متواصل ومكثف عن قدرات مجلس الأمة على إصدار القوانين والإنجاز القانوني المتراكم، وكأن الأمر ينحصر في إصدار التشريعات بشكل متواصل، بعيدا عن الواقع الموضوعي، أو أنه يعد غاية نهائية، بإصداره، حتى لو بقي مجمد التنفيذ.

الجهة التنفيذية

الملاحظة الثالثة، أنه عند إصدار تشريع ما، سواء كان تشريعاً جديداً أم تعديلا لوضع ما، فمن يملك المعلومات المؤيدة لهذا التشريع ليس الجهاز التشريعي، بل الجهة التنفيذية.. وبموجب المعلومات تلك، يكون لديها الإرادة والإقناع في السير بمثل تلك التشريعات، بموجب ما تقدمه من معلومات، وهي الجهة المناط بها تنفيذ القانون، والتي تملك المعطيات الكاملة لمعرفة إمكانية تنفيذه منذ صدوره على مستوى جهازها التنفيذي.. لكن بالنسبة لهذا القانون، المتعلق بمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، فقد ثبت أن الحكومة ليس لديها قراءة واضحة عند إصدار القانون على صعيد الفترة الزمنية المقرر تنفيذها له، أو العوامل الموضوعية التي تفرض نفسها على هذا القانون، حال أوضاعها، كحال النواب الذين يناقشون الأمر، بعيدا عن المعطيات الاقتصادية التي تحدد تنفيذ سيره بصورة تلبي الواقع.

حالات الفساد

وأخيراً، كان يعتقد أن علاج مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، بالتخلص منها وبيعها للقطاع الخاص، علها تحقق أرباحا في مسيرتها، بدلا من الخسائر المليونية التي تكبَّدتها طوال سنوات، مع أن الحل في الحقيقة ينحصر في مواجهة الفساد والسرقات التي ارتكبت فيها طوال سنوات، وهذه الاتهامات ليست أقوالا مرسلة، بل هناك حالات جسيمة تم اكتشافها، وتحويل مَن قام بها للمحاكم، التي أصدرت أحكامها على كثير من حالات الفساد والسرقات التي تم ارتكابها، هذا خلاف حالات فساد كثيرة تمَّت في بعض المحطات الكويتية في الخارج.. بعضها تم اكتشافه وتقديم مرتكبيها للمحاكم المختصة، وأخرى لم ينل مَن قام بها جزاءهم.. هذه الأحوال الفاسدة هي التي قادت «الكويتية» إلى تحقيق خسائر، وأدَّت إلى تردي أحوالها، حتى وصلت إلى مرحلة التخلص منها عن طريق قانون الخصخصة، كحل غير عملي.

الحل المطلوب

المطلوب، أن تكون هناك إدارة نظيفة وذات مصداقية وأمانة في الأداء المهني، وهذا ما نفتقر إليه في إدارة «الكويتية»، بل في جهات أخرى، أيضا، سواء كانت عامة أم خاصة، والشواهد كثيرة ومتعددة، سبق أن ذكرت على مستوى الصحافة، أو تم تناولها في «الطليعة» في أعداد سابقة.
على كلٍ، هي عودة للمربع الأول، بالمقترحات الجديدة، وهذه العودة تستلزم فتح الملفات والتجاوزات التي تم ارتكابها، حتى لا تتكرر مرة أخرى.. أما استحداث قوانين، كأداة حل و«طمطمة» للأمور، فلن يقود إلا لضياع الوقت والجهد والمال.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.