
محمد الغربللي:
لا خلاف على أن المشكلة الإسكانية في تزايد مستمر، لعدة أسباب، أبرزها تراكم الطلبات الإسكانية من سنة لأخرى، بأعداد تفوق إنجازات الرعاية السكنية، وقد وصل عدد الطلبات إلى 110 آلاف طلب إسكاني، والعملية في تزايد مضاعف من سنة لأخرى.. ومهما بُذل من مجهود لتوفير أراضٍ أو دور سكنية، فإنها لن تحل إطلاقا المشكلة، وليس لها أي تأثير في تخفيف وتيرتها.. وثاني الأسباب، بخلاف زيادة وتفاقهم الطلبات، يتمثل في الأسعار العالية جداً للأراضي الفضاء أو للدور السكنية المعروضة للبيع.. كم كان ملفتا للنظر ما نُشر في الجريدة الرسمية (كويت اليوم) في العدد 3/15، عن إعلان بيع عقار في المزاد العلني في منطقة غرب مشرف السكنية ومكوناته نصف سرداب ودوران أرضي وأول بمساحة 400 متر مربع، ويبدأ المزاد بـ 580000 دينار، كسعر أساسي، وهذا يعني أن سعر المتر 1450 دينارا! وهذه هي معطيات السوق، في ضوء احتكار الأراضي وزيادة الطلبات الإسكانية وعدم الجدية وسوء التخطيط في معالجة الموضوع الإسكاني منذ عقود، ومازالت العملية مستمرة حتى يومنا هذا.
جهود مبذولة
جهات عدة تحاول بذل ما باستطاعتها، لتذليل العقبات، والتخفيف من معاناة الأسر، قدر الإمكان.. وزارة الإسكان تتولى عملية تخصيص الأراضي، للقيام بالبناء، بالتعاون مع بلدية الكويت، وقد وصلت عملية تحرير الأراضي إلى أماكن قصية في البعد، وفي الوقت ذاته، مهما قامت وزارة الإسكان بأداء مهامها، فإنها لن تكون قادرة ولا متماشية مع تلبية الأعداد المتراكمة من الطلبات، أو ما سيردها مستقبلاً من طلبات جديدة.. سوف تظل حفرة العجز الدائم قائمة، فالحمل يفوق وزارة بمفردها.
الجهة الثانية، ممثلة ببنك الإنماء (بنك التسليف سابقاً) عن طريق القروض السكنية التي تمنح للمواطن، وأيضا هناك مشكلة كبيرة لمن يريد الاستفادة من قرض المصرف، ممثلة بالحصول على أرض سكنية فضاء، في ظل التصاعد المستمر للأراضي السكنية بصورة لم يشهد لها مثيلا، بحيث غدا الحصول على أرض فضاء نوعا من المستحيل لأغلبية كبيرة من ذوي الاحتياج السكني، من جراء ارتفاع الأسعار، ولا يستطيع إلا عدد محدود جداً لديه القدرة المالية على شراء أرض والاستفادة من قرض بنك التسليف.
المصدر الثالث الذي يعمل على المساهمة في حل المشكلة الإسكانية، هي وزارة التجارة والصناعة، بما تقدمه من مواد بناء مدعومة من حديد وأسمنت وصلبوخ، وتمَّت زيادة الكميات، بعد إقرار زيادة مبالغ الدعم في المدة الأخيرة، لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الإنشائية، والمساهمة الفعلية في معالجة هذه المعضلة غير القابلة للحل النهائي، مهما كثرت الوعود أو التمنيات.
مساهمات معرقلة
مقابل هذه المساهمات التي تقوم بها الجهات الحكومية الثلاث لمعالجة القضية الإسكانية، ولو جزئيا، قامت وزارتان بموجب المهام والصلاحيات الخاصة بهما، بوضع عراقيل زادت من حدة المشكلة، وهما؛ وزارة الداخلية، في سعيها لتطبيق القانون الذي ظل مجمداً ومسكوتا عنه طوال سنوات بشأن الإقامة ومنع تجار الإقامات، فقامت منذ ما يزيد على ثلاث سنوات بالتدقيق في شأن العمالة، بعضها مسجل على شركات وهمية، وأخرى حصل على مبالغ مالية نظير كل إقامة من إقامات العمل.. قامت الوزارة بإبعاد أعداد كبيرة من هؤلاء العمال أو الفنيين، وهذا من مهام الوزارة بلا شك لتنظيم موضوع الإقامات ومحاربة الاتجار بالبشر، وأيضا حذت وزارة الشؤون حذوها، بمحاربة مثل تلك الشركات الوهمية التي تحصل على مبالغ طائلة على كل عامل أو فني، نظير منحه إقامة عمل، وأيضا هذا من مهام الوزارة، بتنظيم سوق العمل، ولكن كلتا الوزارتين لم تعمل على إيجاد بدائل للعمالة التي تم إبعادها، وكانت النتيجة ارتفاع أجور العمالة في مجال الإنشاءات إلى أكثر من 100 في المائة خلال السنوات الأخيرة الماضية، حيث وصلت أجرة العامل الفني للبناء من 10 إلى 25 دينارا يومياً، من جراء نقص العمالة وزيادة المشاريع الخاصة والفردية ومنها الدور السكنية.
المشهد الحالي
يذهب أغلب المقاولين إلى أن ارتفاع الأسعار لا يشمل المواد الإنشائية، فهي ضمن أسعارها الاعتيادية، وحتى وإن كان هناك نقص في السوق يمكن بسهولة تعويضه من الدول الخليجية، ولكن كلفة البناء وتزايدها تأتي من جراء ارتفاع أسعار العمالة، وأحياناً الشح في توفير عمالة لاستكمال المشاريع.
وبالتالي، أصبح المشهد لدينا أن هناك اتجاهين متناقضين في معالجة الوضع السكاني، ثلاث جهات تعمل على معالجة المشكلة، وجهتان ساهمتا بزيادة تكاليفها بالنسبة للأيدي العاملة الفنية، من دون إيجاد حلول للنقص الحاد في أعدادها ضمن حملتها الساعية لمكافحة مشكلة العمالة السائبة أو تجار الإقامات.
في أي إجراء يتخذ، عادة ما تكون هناك جوانب سلبية يجب أن تتم معالجتها، وخاصة تجاه ندرة العمالة، التي أثرت في سوق الإنشاء والبناء.
الهيئة العامة للمعلومات المدنية لديها كافة الأعداد المتعلقة بالعمالة، كما تملك الدولة عن طريق تراخيص البناء حجم وعدد المشاريع، والتي على ضوئها يمكن معرفة الاحتياجات وتنظيم سوق العمل.. الأرقام هي أساس التحرك والمعالجة، عدا ذلك، سنصل إلى حالة تضارب في الاتجاهات، كما الوضع الآن.