
كتب آدم عبدالحليم:
لم يكن رفض مجلس الأمة، بأغلبية ساحقة، لمقترح تعديل قانون المديونيات، ورفعه نهائياً من جدول الأعمال، سوى عنوان أخير لقضية أثارت الرأي العام في الأسابيع القليلة الماضية، ونجح فيها الضغط الشعبي من خارج المجلس في صياغة ذلك العنوان، الذي كان من الممكن أن يختلف كثيراً، لو تقاعس الشارع السياسي عن أداء دوره في التصدي لمثل تلك المقترحات المرفوضة شعبياً.
وبذلك، يؤكد الشارع السياسي، أنه طرف أصيل في المعادلة السياسية للبلاد، والتي لا تقتصر فقط على الحكومة والمجلس، وذلك على الرغم من افتقاده للأدوات الدستورية، بسبب عدم وجود ممثلين لبعض القوى السياسية في المجلس.
وتعود القصة إلى إعلان اللجنة التشريعية على موافقتها على مقترحين لتعديل قانون المديونيات، الصادر عام 1993، ويقضي المقترح بجواز لمَن صدر حُكم بإشهار إفلاسه، بسبب تخلفه عن السداد، وزادت قيمة موجوداته على قيمة ما يُعادل السداد الفوري والأعباء والغرامات المنصوص عليها في القانون، أن يُعامَل بنفس المعايير التي طُبقت عند صدور القانون قبل 22 عاماً.
وبذلك، يتيح وفقاً للمقترح لمن أنهي إفلاسه السداد بطريقتين؛ الأولى السداد الفوري بدفع 45 في المائة من مديونيته لدى البنوك، وبعضاً من بقية الدين إلى 55 في المائة، والطريقة الثانية تقسيط كل المديونية على مدى 15 عاماً بآلية معينة.
يأتي هذا التعديل، على الرغم من أن القانون نصَّ على التزام المدين بدفع كل الدين، إذا تخلف عن دفع أي قسط من الأقساط، مع تحمُّل الفوائد المستحقة والغرامات.
سحب تواقيع
وقد قوبلت خطوة موافقة اللجنة التشريعية على المقترح بعاصفة شديدة، وتصدَّى لها سياسيون ومؤسسات صحافية وكُتاب رأي ومراقبون، أجبروا أعضاء المجلس في وقت قياسي على التحرُّك ضد القانون.. وبالفعل، لوحظ نشاط إعلامي نيابي (تصريحات نيابية) مضادة للقانون، إلى جانب إعلان أكثر من نائب عن سحب توقيعه على المقترح، في بادرة نادرة بالحياة النيابية.
ويعد أول رد فعل عملي لمكاسب الضغط الشعبي، تسجيل الأمانة العامة لثلاث حالات «سحب توقيع»، وذلك بعد أن سحب كل من النواب: مبارك الحريص وفيصل الكندري وروضان الروضان، توقيعاتهم من المقترح، ليتبقى فقط ثلاثة نواب متبنين للاقتراح، وهم: عبدالحميد دشتي ونبيل الفضل ويوسف الزلزلة، إلى جانب الاقتراح الآخر، الذي وافقت عليه اللجنة التشريعية، والمقدَّم بشكل منفرد من النائب يوسف الزلزلة.. وتعد تلك الخطوة بمثابة قفز من المركب الخاسر، الذي واجه أمواجاً شعبية عاتية منذ إبحاره.
رفض اللجنة المالية
المكاسب الشعبية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد سارعت اللجنة المالية، عقب إحالة المقترح إليها من اللجنة التشريعية، إلى رفضه، بإجماع أعضائها، واستندت في رفضها إلى رأي الأعضاء، ورأي الحكومة، التي فندت رفضها بذلك عن طريق مذكرة من هيئة الاستثمار سلمها وزير المالية أنس الصالح للجنة، وأكدت في مجملها عدم دستورية المقترح، فضلاً عن تأثيره على المركز المالي للبلاد.
موقف هيئة الاستثمار
أوضحت الهيئة العامة للاستثمار، ممثلة بمكتب تسوية المديونيات، ما يلي:
– الفوائد التي تحمَّلتها الدولة على السندات المصدرة مقابل المديونية المشتراة من قِبل الدولة بلغت ملياراً وسبعمائة وواحداً وستين ديناراً لـ679 عميلاً أشهروا إفلاسهم، وتولت الهيئة إدارة التفليسة.
– المستفيدون من المقترح 182 عميلاً، من أصل 679 عميلاً مفلساً بنسبة 27 في المائة، وستتكبَّد الدولة تكاليف تفوق 520 مليون دينار، في حال لو كان أقر المقترح.
– المقترح تحيط به العديد من المحاذير الدستورية والقانونية والاقتصادية، حيث تضمَّن بالإضافة الى كونه تمييزاً غير مبرر بين المدين المفلس المتأخر والمتقاعس عن السداد، بل ومكافأته على مخالفته القانون، ولاسيما أن هناك مَن صدرت ضدهم أحكام جنائية، بسبب قيامهم بتهريب أموالهم.