
محمد الغربللي:
خبر مهم نشرته صحيفة الراي في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي (25 مارس)، ذكرت فيه واقعة في غاية الأهمية، عن جلسة لإحدى الدوائر القضائية، والمتهم فيها أحد المواطنين، بتهمة تعليق شعارات لـ»داعش» داخل منزله.
القصة، كما رواها ضابط المباحث نقلاً عن «الراي» أمام المحكمة، بأنه «وردت إليه معلومات سرية مؤكدة، أن المتهم يحوز سلاحا ناريا، عبارة عن مسدس عيار 9 ملم، فأصدر إذنا من النيابة لتفتيش منزله مع عدد من أفراد المباحث، وتم ضبط المتهم في سيارته، وتوجهوا به إلى منزله، بعد تفتيش سيارته التي لم يجدوا فيها أي شيء مخالف.. ولدى دخولهم المنزل بمنطقة جابر الأحمد، وجدوا شعارات معلقة داخل منزله تخص تنظيم داعش، ولم تسفر عملية التفتيش عن وجود سلاح، وفق ما أفاد به مصدرهم السري.. ونتيجة لوجود هذه الشعارات الملصقة على بعض حوائط المنزل من الداخل، تم تحويل المتهم إلى أمن الدولة، كونها الجهة المختصة بهذه الأمور».
وتنقل بعد ذلك صحيفة الراي الحوار الذي دار بين المحكمة وضابط المباحث، الذي حدد بدوره أنهم وجدوا الشعارات داخل غرفة نوم المتهم. تأتي هذه القصة التي تحوَّلت إلى قضية أمام دوائر المحكمة، من جراء قانون جمع السلاح، الذي أقرَّه مجلس الأمة أخيرا، ضمن «حفلة الإنجاز»، من دون وضع معايير محددة من أي نائب من النواب لمنع أي تجاوزات أو انتهاكات أو خروج عن هذا القانون تحديداً تجاه المواطنين.
تجاوز صارخ
«الداخلية» وردتها معلومات، تبيَّن لاحقا أنها غير موثوقة من مصدر خاص، أن المتهم يمتلك سلاحا غير مرخص.. لا بأس في ذلك، وحين تم طلب إذن النيابة لتفتيش المتهم ومنزله تم الحصول عليه، ولكن لم يتم العثور أي سلاح، وهنا الحالة المفترضة، أن يعتذر رجال المباحث وضابطهم الذي يقودهم عن الإرباك الذي تعرَّض له المواطن، على أقل تقدير، وأن يعتذروا عن فعلتهم، كون معلوماتهم بُنيت على باطل، ولكن بدلاً من ذلك حولوه إلى دائرة قضائية بتهمة تعليقه داخل منزله، وليس في مركبته، بل حتى داخل غرفة نومه شعار «داعش»، وفق ادعائهم، وألبسوه تهمة جديدة، بعد فشل مهمتهم في وجود سلاح، وفق ادعائهم، ولا نعلم أن هناك منعا لتعليق علم أخضر أو أسود أو أي علم آخر داخل المنازل. رجال المباحث حصلوا على إذن من النيابة، بهدف البحث عن سلاح، فقط لا غير، والمهمة محددة من النيابة بهذا الأمر، استناداً للقانون، وليس من مهامهم تحرير محاضر على وجود شعارات لهذا التنظيم أو ذاك.. المواطن حُر داخل منزله في تعليق أي صورة أو شعار ما.. لكن رجال المباحث تعدوا الإذن الممنوح للنيابة، ولتغطية فشلهم من مصادرهم الموثوقة، فإنهم يريدون إيجاد أي تبرير لتوجيه أي اتهام للمواطن.
مكمن الخشية
هذا التعدي هو ما كنا نخشاه عند إقرار قانون جمع السلاح، الذي مرَّ من دون وضع أي ضوابط تجاه عملية مداهمة المنازل، وكأننا نعيش تحت قانون الأحكام العرفية أو الأنظمة الاستبدادية، كأيام نظام المقبور صدام حسين. فتحت ذريعة هذا القانون، واستناداً إلى مصادر المباحث الموثوقة، وفق كلامهم، يتم انتهاك حُرمة المنازل، حتى غرف النوم، بل و«تدبيس» المواطن بأي قضية كانت، من دون سند قانوني.
الحكاية هذه قد تتكرر، وقد وصلت بالفعل إلى دائرة قضائية، ولهذا السبب تم نشرها في إحدى الصحف، وقد تكون هناك مداهمات لا يعلم أحد عنها، من جراء تجاوزات وزارة الداخلية، التي لا يُساءل وزيرها، وكأنها لا ترتكب أي مخالفات أو تجاوزات أو انتهاكات، آخرها منذ أيام مواطن مسكين أُلقي القبض عليه، من جراء عدم وجود أوراق ثبوتية يحملها، وأودع نظارة المخفر وتوفي داخلها، ولم يعلم عنه إلا بعد الوفاة، وقد يكون اكتشاف وفاته مصادفة، كما تبيَّن أن لديه ملفا في الطب النفسي، وقد تكون لديه أدوية يجب تناولها، إلا أن «الداخلية» لم يهمها هذا الأمر، وأودعته النظارة، حيث توفي هناك.. روح إنسانية بريئة لاقت ربها، وأتى الخبر وكأنه قضاء وقدر، وتم إغلاق الحديث عن الموضوع.
ممارسات عنيفة
أما أحدث تلك التجاوزات التي تقاربنا من الدول الدكتاتورية، فهي الممارسات التي ارتكبتها قوات مكافحة الشغب، التي هي من أثار الشغب في ساحة الإرادة، مستخدمة عنفا غير مبرر تجاه أبناء الوطن المسالمين، وكأنها في ساحة ثأر، وتود القصاص منهم بالضرب والركل والسحل.
فيا بعض أعضاء المجلس – وقد يكونون بعضاً صغيراً بالعدد- إنكم بكل صراحة ترتكبون خطيئة كبرى بحق وطنكم ومواطنيكم، وشاركتم بتغول السلطة ضد الشعب، بإقراركم مثل هذا القانون، من دون ضوابط، وأفسحتم المجال أمام رجال «الداخلية» لارتكاب تجاوزات ضد المواطنين، وأخرستم ألسنتكم أمام مشاهد سحلهم وضربهم، والمصيبة أنكم وصلتم إلى ما وصلتم إليه بأصوات عدد من هؤلاء المواطنين.
فأي أيام نعيش؟!
