الكويت الأخيرة خليجيا في جاذبية الإقامة والعمل.. والهجرة لم تعد خيارا

قطاع العقار الاستثماري يعتمد في انتعاشه بشكل كبير على العمالة الوافدة
قطاع العقار الاستثماري يعتمد في انتعاشه بشكل كبير على العمالة الوافدة

كتب إيهاب علام:
لم يكن أمراً مستغرباً أن تحلّ الكويت في مؤخرة الدول الخليجية، من حيث جاذبية الإقامة والعمل، فما قامت به الحكومة خلال سنوات قليلة جعل الكويت، بامتياز، غير جاذبة، على كافة المستويات، سواء على مستوى الاستثمار أو العمل، بل لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد أصبحت الكويت طاردة للاستثمارات والكفاءات المهنية والعمالة الماهرة، بسبب ما تشهده من سوء خدمات صحية واجتماعية، وفي الوقت ذاته الغلاء الكبير الذي لفَّ البلاد، ما جعل الكثير يفضل البحث عن فرص للاستثمار، والعمل بعيداً عنها.

ووفق أحدث تقرير أصدره بنك «إتش إس بي سي»، احتلت الكويت المرتبة الأخيرة خليجياً والـ 29 عالمياً ضمن قائمة أفضل الدول للإقامة والعمل خلال عام 2014، وحلّت البحرين في المرتبة الـ 5 عالمياً والأولى خليجياً، ثم قطر في المرتبة الـ 13 عالمياً والثانية خليجياً، تلتها عُمان في المرتبة الـ 14 والثالثة خليجياً، فيما جاءت الإمارات في المركز الـ15 والرابع خليجياً، والسعودية الـ 28 والخامس خليجياً

وعالمياً احتلت سويسرا المرتبة الأولى، وجاءت سنغافورة في المرتبة الثانية .واستند تقرير «إتش إس بي سي» إلى استطلاع أجرته شركة «YouGOV»، من خلال الإنترنت للمغتربين في 100 دولة، وشمل معايير عدة، منها فرص العمل، الرعاية الصحية، دخل الأسرة، السكن، السياحة، التعليم وتربية الأبناء، تكوين الصداقات، اللغة.

عزوف

وبلاشك، فإن عزوف الكفاءات المميزة والأيدي العاملة الماهرة والتخصصات النادرة عن الكويت سيؤثر في كفاءة كافة القطاعات الاقتصادية والخدمية في البلاد وتنفيذ المشاريع الكبيرة، إذ ستعاني هذه القطاعات نقصا في هذه الكفاءات، ما سيؤثر في خططها وتطورها، وستكون البلاد وجهة مفضلة للعمالة الهامشية فقط، والتي لا تملك مؤهلات عملية مميزة، وهذا سيتسبب في مشكلات اقتصادية واجتماعية عديدة. كما أن هذا العزوف سيؤثر في كافة القطاعات الاقتصادية، ومن هذه القطاعات، قطاع العقار، وخصوصاً الاستثماري منه، وقطاعات النقل والتجزئة والخدمات، فكثير من هذه القطاعات تعتمد اعتماداً كلياً في رواجها على العمالة الوافدة التي يزيد عددها على مليوني وافد، ومن دون هذه العمالة، ستصاب هذه القطاعات بالركود.

الأسباب

ومن أهم الأسباب التي أدَّت إلى هذا العزوف والتفكير الجدي للكثير من الكفاءات والمهمن المتميزة في ترك الكويت والبحث عن فرص عمل في الدول الخليجية المجاورة، الغلاء الفاحش الذي شهدته الكويت خلال العام الماضي، والقرارات غير المدروسة التي اتخذتها الحكومة، وبدأت انعكاساتها السلبية تظهر، وتسببت في موجة غلاء غير مسبوقة في البلاد.

طوفان

وقد كان للقرار الذي اتخذته الحكومة برفع سعر مادة الديزل من 55 إلى 170 فلساً للتر آثار سلبية جداً على الجميع، فقد نتج عن ذلك ارتفاع جميع السلع، من مواد غذائية، وخضراوات وفواكه، ومواد إنشائية وغير ذلك، وهو ما هدد مداخيل الكثير من الأسر، وكانت له تأثيرات سلبية على الجميع.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد طوفان ارتفاع الأسعار، ليشمل خدمات يحتاجها المواطن والمقيم بشكل يومي، ولا علاقة لها بالديزل، من قريب أو بعيد، ولكن القائمين عليها رفعوا أسعارها، تماشياً مع موجة الارتفاعات، مستغلين في ذلك غياب الرقابة الحكومية، حيث امتدت موجة الغلاء إلى كل أركان الحياة، بدءاً من السلع الغذائية واللحوم، والخضراوات والفواكه، والمواد الإنشائية، مروراً بالخدمات مثل المغاسل التي رفعت الأسعار، وهي التي ليس لها علاقة بالديزل، ثم شمل الأمر صالونات الحلاقة والتاكسي الجوال ومستلزمات المنزل.

والمؤكد أن المواطن والمقيم هما مَن سيدفعان فارق ارتفاع الأسعار من جيوبهما، فأسعار الديزل ليست كما تقول الحكومة لا تمس حياة المواطن والمقيم، وكل هذه الأمور جعلت البعض يفكر في هجرة الكويت، حيث بات كثيرون لا يستطيعون مواجهة أعباء الحياة وارتفاع الأسعار، خصوصاً فئة الموظفين الذين يتقاضون رواتب محددة، ولا يملكون أن يزيدوها من تلقاء أنفسهم، لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، مثلما يفعل أصحاب المهن والحرف.

ارتفاع إيجارات جنوني

ومن العوامل التي ساهمت بشكل كبير في تراجع الكويت إلى مراتب متأخرة في جذب الكفاءات، الارتفاع الجنوني لإيجارت العقارات في كافة المناطق الداخلية أو الخارجية، لتصل خلال الفترة الماضية، خصوصاً في العامين الماضيين إلى أرقام لم تسجلها من قبل، من دون تقنين هذه الارتفاعات، أو وجود قانون ينظمها، وقد تفوَّقت القيم الإيجارية في الكويت على الكثير من الدول العربية والأوروبية، أيضا، وأشار إلى ذلك بنك «أتش أس بي سي» في تقريره السنوي لعام 2014، إذ أكد أن الكويت احتلت المرتبة الثانية في تأثير أسعار الإيجارات على الوضع المالي للوافدين ورفاهيتهم، مشيراً إلى أن 51 بالمئة من الشريحة التي شملها التقرير أكدوا تأثر ميزانيتهم بشكل كبير من ارتفاع أسعار الإيجارات، والتي تستحوذ على جزء كبير من رواتبهم، فلا يُعقل أن يصل متوسط سعر إيجار الغرفة وصالة، أو غرفتين وصالة إلى ما بين 200 و350 ديناراً، في حين وصل متوسط إيجار الشقة التي تتكوَّن من 3 أو 4 غرف إلى ما بين 450 و600 دينار، وقد تصل الشقة إلى 4 غرف في بعض الأماكن المميزة إلى 700 دينار، ما يعني أن الإيجارات تلتهم ما يقرب من 50 في المائة من دخل المقيم والمواطن، الذي يسكن بالإيجار، ومن ثم تكون معاناة الوافد والمواطن مشتركة من ارتفاع الإيجارات.

ووفق تقارير اقتصادية، يحتاج السوق العقاري إلى حلول جذرية تنتشله مما يعانيه من فوضى وعشوائية في العملية الإيجارية، فقد أصبح الكثيرون لا يستطيعون تحمُّل هذه الإيجارات المرتفعة، لذلك أصبح وجود قانون جديد يلزم المُلاك بسقف معيَّن للإيجارات يتناسب مع مساحة السكن وموقعه ومواصفات البناء أمرا ضروريا.

الخدمات كافة

 وعن تصنيف الدول الخليجية الأقل تكلفة على المقيمين، بيَّن تقرير بنك «HSBC»، أن مملكة البحرين تعد الأقل تكلفة خليجياً، لذا يفضل المقيمون العيش فيها، لوجود توازن بين العمل وأسلوب الحياة والترفيه، في حين حلّت سلطنة عمان ثانياً وقطر ثالثاً.

وقد صنف التقرير دول العالم ضمن أربع مجموعات، المجموعة الأولى تتميَّز بتكاليف مقبولة وجودة عالية في الخدمات، وتضم السعودية فقط من دول الخليج، والمجموعة الثانية «أسعار مرتفعة وجودة عالية» وتضم هذه دولة الإمارات وقطر، والبحرين.. أما المجموعة الثالثة، «فالتكاليف فيها مرتفعة والجودة منخفضة في الخدمات»، وضمت الكويت وعُمان.

بوادر هجرة

وقد بدأت بوادر الهجرة من الكويت وعزوف الفئات المميزة عنها، سواء من خبرات في مجالات متعددة، أو الفئات المهنية المميزة في الظهور، وانعكس ذلك على قطاع العقار الاستثماري، حيث أشار تقرير للخبير العقاري سليمان الدليجان إلى أن هناك ركودا حاليا في إيجارات العمارات الاستثمارية في حولي والسالمية والفروانية، على سبيل المثال.

كما أكد تقرير وحدة البحوث الاقتصادية في بنك الكويت الدولي، تراجع أهم مؤشرات سوق العقار الكويتي، بضغوط من التراجع الحاد في القطاع الاستثماري، وتراجع واضح وبوتيرة أقل نسبياً في القطاع السكني، مبيناً أن أعلى مستويات التراجع في القطاعات العقارية سجلت في القطاع الاستثماري، حيث تراجعت سيولة القطاع بنسبة 32.4 في المائة على أساس شهري، وبما يفوق 73 في المائة على أساس سنوي.

فهل ستشهد الأشهر والأعوام المقبلة تزايدا في عدد العمالة المهاجرة من الكويت إلى دول الجوار، خصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات، اللتين تشهدان نهضة عمرانية واقتصادية كبيرة، ونرى تراجع بعض القطاعات الاقتصادية، تأثرا بهذه الهجرة؟

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.