
كتب محرر الشؤون الدولية:
شهدت السنوات الست، التي قضاها بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية، الكثير من الأزمات، والحروب، ومبادرات التسوية، بل حصلت تغيُّرات تاريخية في العالم، ولاسيما في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من ذلك، فإن القضايا التي كان ينبغي أن يتعامل معها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حينما تسلم رئاسة الحكومة عام 2009، بقيت على حالها في عام 2015، بل وأصبحت أكثر صعوبةً وتعقيداً.
ملفات ساخنة
من هنا، تأتي أهمية اضطرار رئيس الحكومة الإسرائيلية القادم إلى التعامل مع العديد من التحديات والقضايا والملفات الساخنة، حال توليه منصبه، وعلى رأسها الوضع في قطاع غزة، والاتفاق مع إيران حول مشروعها النووي، والعلاقات مع الولايات المتحدة، والتسوية مع الفلسطينيين، إضافة إلى جملة قضايا أخرى خارجية وداخلية.
وقبل أيام، نقلت صحيفة «هآرتس» عن موظفين حكوميين، تولوا مناصب في السنوات الست الأخيرة، أن نتنياهو لم يكن لديه استراتيجية أو خطة عمل للتعامل مع القضايا السياسية الأمنية، وفي معظم الحالات أنجر خلف الأحداث، وكانت السياسات تتبلور في أعقاب حدوثها.
فعلى سبيل المثال، توّج خطاب نتنياهو الأسبوع الماضي في الكونغرس، ذروة الأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، وإذا ما شكل يتسحاق هرتسوغ الحكومة، سيكون من السهل عليه تحسين العلاقات مع واشنطن، لكن في حال عودة نتنياهو، فإن المهمة ستكون صعبة.
أما بالنسبة للمفاوضات النووية الإيرانية، فسيكون رئيس الحكومة القادم مضطراً للعمل على محاولة تحسين بنود الاتفاق لصالح إسرائيل، ويتوقع أن تنتهي المفاوضات بين الدول الغربية وإيران نهاية شهر مايو المقبل، لذلك سيتعيَّن على إسرائيل الشروع في اتصالات لتعديل الاتفاق، ومن ثم تحديد السياسات، التي تعقب التوصل إلى اتفاق، أي تحديد خطوات الرد على الخروقات من جانب إيران. وسيتعيَّن على رئيس الحكومة التوصل إلى تفاهمات مع البيت الأبيض حول الضمانات الأمنية والسياسية، التي يمكن أن تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة.
التسوية المنبوذة
في أعقاب الأزمة الحادة، التي عصفت بالعلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بعد تفجُّر محادثات التسوية، سيتعيَّن على إسرائيل معالجة هذا الملف، فهناك انقطاع بين القيادتين، فيما يسعى الفلسطينيون لاستصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال، وتقدَّموا بطلب للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، لتقديم دعاوى قضائية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد إسرائيل وضد البناء الاستيطاني، فردَّت إسرائيل على ذلك، بوقف تحويل واردات الضرائب، وهناك خشية من وقف التنسيق الأمني، وانهيار السلطة الفلسطينية.
ووفق تقرير «هآرتس»، فإن المرشحين لرئاسة الحكومة لم يوليا الملف الفلسطيني أهمية في حملتهما الانتخابية، فنتنياهو تنصَّل من فحوى خطاب بار إيلان، فيما يصرّح هرتسوغ، بأنه سيحاول تحريك عملية التسوية، بل وسيتوجه لإلقاء خطاب في البرلمان الفلسطيني في رام الله، لكنه عبَّر عن شكوكه بوجود ما أسماه «شريكا جديا».
كما أن الفرق بين نتنياهو وهرتسوغ في الملف الفلسطيني ليس فرقا بالمواقف بقدر ما هو فرق بطريقة التعاطي مع الفلسطينيين.
هرتسوغ، على عكس نتنياهو، على استعداد للمجاهرة بمواقفه والوقوف خلفها، ولهذا السبب لا يثق المجتمع الدولي والفلسطينيون بجدية نتنياهو إزاء المفاوضات، وما قد تنتجه من تسوية غائمة.
البناء في المستوطنات
علاوة على القضايا الشائكة أو ضمنها، يشكل البناء الاستيطاني أحد أبرز معوقات التسوية، وكان قد تسبب بالكثير من المواجهات بين إسرائيل والمجتمع الدولي.. وفي ظل تهديدات جدية بفرض عقوبات على إسرائيل، فإن مجال المرونة في هذا الملف محدود. ورغم أن نتنياهو يؤيد أيديولوجيا تعزيز الاستيطان، فإنه اضطر لتجميده، ومعظم الأحزاب تدرك واقع الأمر، حتى لو لم توافق عليه.
هرتسوغ، من جانبه، يؤيد تجميداً جزئياً للاستيطان، ولاسيما في المستوطنات الواقعة خلف الجدار وخارج تكتلات الاستيطان، وتؤيده في ذلك ميرتس وييش عتيد وكولانو، والسؤال الذي سيواجه رئيس الحكومة القادم، ليس إذا ما كان سيجمد الاستيطان، بل أين وحتى متى؟
منع حرب جديدة في قطاع غزة
بعد 6 أشهر من عدوان «الجرف الصامد» على قطاع غزة، لم يتغيَّر الواقع هناك، فلاتزال القنبلة الموقوتة التي تشكلها غزة بالنسبة لإسرائيل على حالها، بسبب الحصار، وتعثر إعادة البناء وزيادة التضييق من جانب مصر، وفشل المصالحة الفلسطينية، ما يعني أن إحدى المهام الأساسية أمام رئيس الحكومة المقبل، هي منع اندلاع حرب جديدة، وتغيير الواقع لمدة طويلة في منطقة الجنوب.
ووفقا لتقرير «هآرتس»، فإن هناك الكثير من الملفات التي ستمثل أمام رئيس الحكومة الإسرائيلي القادم، منها دفع مبادرة إقليمية، بمشاركة الأردن ومصر ودول الخليج، تؤدي إلى انطلاقة جديدة في علاقات إسرائيل مع العالم العربي، على قاعدة المصالح المشتركة، بشأن الملف الإيراني، والحرب ضد تنظيم «داعش».
ومن المهمات التي ستلقى على رئيس الحكومة، أيضا، العمل على وقف التدهور في مكانة إسرائيل في أوروبا، وقف فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل، وتعزيز العلاقات مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبلورة استراتيجية لوقف ابتعاد اليهود الأميركيين عن إسرائيل، على خلفية سياسات احتلال وتضييق الحريات.
فقدان الأمل
فلسطينياً، لا يبدو أن هناك بصيص أمل لدى أبناء الشعب الفلسطيني يمكنهم أن يعولوا على الحكومة الجديدة ورئيسها الجديد، أياً كان، فالصراع الذي مضى عليه عقود لم يكد يلقى الاهتمام الكافي أثناء الحملة الانتخابية، الأمر الذي يجعل الفلسطينيين يشعرون بأنه سواء فاز رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بولاية رابعة في منصبه، أو فازت المعارضة، فليس من المحتمل أن يتغيَّر شيء.
لقد انهارت جميع جولات المفاوضات العتيدة، وآخرها في أبريل عام 2014، بعد تسعة أشهر من المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة، ووصلت إلى طريق مسدود، بسبب تعنت إسرائيل، وباعتراف أميركي، حتى بدا ويبدو أن «حل الدولتين» بات من الماضي، بعد كل تلك المتغيرات التي حدثت، كنتاج للتعنت الإسرائيلي، وتراجع نتنياهو عن تصريحات خطابه في بار أيلان.
علاوة على ذلك، فإن سياسة بناء المستوطنات على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، لن تشهد الكثير من المتغيرات ما بعد الانتخابات، فنتنياهو وحلفاؤه يحبذون مزيداً من التوسع، و»المعسكر الصهيوني» يؤيد بناء المزيد من المنازل في التجمعات الاستيطانية القائمة، وذلك على الرغم من الانتقادات الشديدة من جانب الولايات المتحدة وأوروبا.
ومع ميل غالبية الناخبين الإسرائيليين نحو اليمين، وتفضيلهم سياسة أمنية قوية، حين يتعلق الأمر بالضفة الغربية وغزة، فإنه من السذاجة توقع أي تغيُّر في الملابسات والظروف.
وعلى هذا، يجب أن ينصب الرهان الفلسطيني على تقوية الوضع الداخلي والتمسك بالثوابت الوطنية التي يجب عدم التخلي عنها.