عن المرأة ويومها العالمي: القهر تراتبي.. ويوم واحد لا يكفي

من التظاهرة
من التظاهرة

كتب المحرر الثقافي:
يعود مُسمى «اليوم العالمي للمرأة» إلى القرن التاسع عشر، في الفترة الصناعية في أميركا، حيث قامت آلاف النساء بالخروج، للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كُن يُجبرن على العمل تحتها، وفي 8 مارس 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورد، واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار «خبز وورد».

طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الاقتراع، وشكلت تظاهرات الخبز والورد بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة، خصوصاً بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف، رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية، وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس، كيوم المرأة الأميركية، تخليداً لخروج تظاهرات نيويورك سنة 1909.

وفي المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاغن عام 1910 طالبت إحدى الألمانيات باستلهام التجربة الأميركية، وتخصيص يوم عالمي للمرأة، وتم الاحتفال به للمرة الأولى في 19 مارس 1911، ثم احتفلت عدة دول في توقيتات أخرى، إلا أن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977، عندما أصدرت قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس, وتحوَّل بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة، تخرج فيه النساء عبر العالم في تظاهرات للمطالبة بحقوقهن.

مظاهر الاحتفال في الأرض المحتلة

لم نجد دلالة للاحتفال بهذا اليوم تمجيداً للمرأة ومواقفها، سوى ما حدث في الأرض المحتلة، حيث وصلت مئات اليهوديات والعربيات من داخل إسرائيل إلى حاجز قلنديا، للعبور إلى رام الله، للمشاركة في تظاهرة نسائية، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فتجمَّعن قرب الحاجز، ورحن يقرعن الطبول، وسط هتافات «لا للاحتلال» بالعربية والعبرية، فقد نظمت جمعية النساء الديمقراطيات في إسرائيل مع سبع حركات نسائية يهودية وعربية هذه التظاهرة تحت شعار «فلسطينيات وإسرائيليات يكسرن الجدار»، والتي حملت خلالها لافتات كتب عليها «كفى للاحتلال»، كما تم إصدار بيان بثلاث لغات.. إنجليزية وعربية وعبرية، جاء فيه «كيف لنا أن نقف جانباً وننظر إلى ما خلفه العدوان الغاشم على غزة من قتلى وجرحى، من خراب ودمار وحصار؟ كيف لنا أن نتجاهل معاناة النساء وتعرضهن للقمع والعنف والقتل والتمييز والاضطهاد والإفقار والاستغلال؟».

حال الدول العربية

ورغم أن النضال في أرض الاحتلال له أوجه منطقية، فإن النضال النسائي في بلادهن العربية ــ الحرّة ــ له وجه آخر غير منطقي، كالزج بهن في غياهب السجون، بحجة معارضة هذا النظام أو ذاك، الأمر هنا يسري على الرجال والنساء، إلا أن تاريخ انتهاك المرأة العربية ووجودها في مجتمع يُنكره من الأساس، جدير بأن نتذكّر ما تعانيه، من دون أن يكفي يوم احتفال روتيني تُرفع فيه اللافتات وتدار اللقاءات في الفضائيات، وهو قهر تراتبي، إذا جاز التعبير، يبدأ من سلطة النظام الموهوم في امتلاك مصيره، ثم سلطة الذكور الممنوحة لهم، بفضل تراث اجتماعي وديني، يرضخون للسلطة الأولى، وأخيراً تصبح المرأة هي مجال أفعال سُلطتين مشوهتين في الأساس، ومرآة لعجزهم المقيم.

فهل سيكفي يوم واحد للتذكير بهذه الحال؟!

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.