
محمد الغربللي:
مرة أخرى يُعاد التحرُّك من جديد، بشأن استحداث مادة جديدة في القانون رقم 1993/41، بشأن شراء الدولة بعض المديونيات، أو ما يُعرف بالمديونيات الصعبة، الذي جرى تطبيقه منذ صدوره، لمعالجة مديونيات عدد من المؤسسات والشركات التي تأثرت ماليا، من جراء الغزو العراقي، ووجدت لديها عجزاً في سداد كامل المديونية للبنوك أو المؤسسات المالية.
هناك مَن سدَّد مديونيته على أقساط سنوية، ودبَّر أحواله.. إما ببيع أصوله وإما من النشاط الذي يقوم به، وأنهى تسويته المالية تجاه البنوك.. وهناك أعداد أخرى لم تستطع سداد مديونيتها، وقالت بعدم قدرتها على السداد، وأعلنت إفلاسها، كون الأصول التي تملكها لا تفي بقيمة الدَّين المستحق، وتم الإعلان عن ذلك، تبعا لما قدمه الشخص المدين، ولم يعتمد على بحث وتدقيق من قِبل جهات خارجية رسمية، عما يملكه هذا المدين.. ومع إشهار الإفلاس لهؤلاء المدنيين، آلت هذه الأصول للهيئة العامة للاستثمار التي استملكتها، من جراء تسديد جزء من ديون المعلن إفلاسه.
فحوى المقترح
المقترح المُراد تسييره في مجلس الأمة الحالي ذي الصوت الواحد وفي المجلس الذي سبقه وأيضا بالصوت الواحد، يقضي بأن يُعاد تقييم أصول المدين المفلس، ومعرفة قيمتها الحالية، وإذا كانت هذه القيمة تزيد على قيمة الدين ستتم إعادة المبالغ الزائدة عن الدين، سواء كانت أراضي، أياً كان نوعها؛ سكنية، تجارية، استثمارية أو أسهم أو بنايات وغيرها من أصول خرجت من إجمالي أصوله، لتصبح ملك الهيئة العامة للاستثمار، بعد إعلان الإفلاس.. هذا هو المقترح الذي يحاول البعض إعادة إحيائه من جديد، علما بأنه لم يتم استدعاء الهيئة العامة للاستثمار، للاسترشاد برأيها مرة أخرى، على الرغم من أنها بينت وجهة نظرها تجاه هذا الأمر في عام 2013، ذاكرة في ملاحظاتها “أن هناك مثالب ومحاذير دستورية تتلخص في إهدار المبادئ الدستورية المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص وفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من المنازعات القضائية ضد الهيئة العامة للاستثمار ووزارة المالية، بالإضافة إلى تحميل الخزانة العامة للدولة تعويضا للعملاء الذين سبق أن التزموا بالمبادرة إلى سداد مديونياتهم للدولة، كما أن رد بعض أصول المفلسين يمثل حال حدوثه تنازلا عن مال عام وحق من حقوق الدولة، وكذلك فإن تعديل القانون لم يراعِ حالات العملاء الذين خضعوا للقانون والتزموا بأحكامه، فقاموا ببيع أصولهم وفاءً للدين المستحق للدولة، حيث إن الأصول التي اضطروا لتسييلها قد زادت قيمتها وصارت في الوقت الحاضر أغلى بكثير مما كانت عليه وقت بيعهم لها”.
هذا ما أعلنته الهيئة العامة بشأن المقترح ونشرته صحيفة الراي بعددها الصادر في 2013/4/13، وهكذا جاء ردها على المقترح عند تقديمه عام 2013، ومع إعادة إحياء المقترح مرة أخرى، فإن مجلس الأمة سيتلقى الرد ذاته، فالحال والوضع لم يتغيرا من الناحية القانونية والدستورية.
تداعيات المقترح
والسؤال؛ ماذا سيحدث في حال تم تمرير هذا التعديل وهذا المقترح؟
ستتم رفع دعاوى قضائية في اتجاهين؛ الاتجاه الأول من قِبل المفلسين، أو عدد منهم، لإعادة تقييم أصولهم، التي أصبحت بحوذة الهيئة العامة للاستثمار، وسيتم تقييم الأصول في الوقت الحالي مع الدين الأساسي، وفي حال الزيادة، ستتم إعادة المبالغ المالية للمدين، الذي أعلن إفلاسه.. ومن الطبيعي أن تكون تلك الأصول قد ارتفعت عمَّا كانت عليه الحال منذ عقدين تقريبا.
الاتجاه الثاني من الدعاوى القضائية التي سوف يتوالى تكاثرها سترفع من قِبل أفراد أو مؤسسات وشركات على الهيئة العامة للاستثمار، لإعادة تقييم أصولها التي سيلتها منذ عقدين، والمطالبة بالتعويض والمعاملة بالمثل، ما سينجم عنه استنزاف كبير لمالية الدولة، وستكون تلك الدعاوى معززة بوثيقة في غاية الأهمية، وهي رأي الجهة المرفوع ضدها الدعوى، أي الهيئة العامة للاستثمار التي تعترف في وثيقتها التي قدمتها لمجلس الأمة بـ “انعدام العدالة والمساواة” في حال إقرار المقترح، أي أن الشهادة مثبتة من الطرف المدعى عليه بغياب مبدأ العدالة والمساواة.
تصريح نيابي
لم يرد أي تعليق على مستوى الصحف والدوائر الإعلامية على هذا المقترح النيابي الكارثي سوى تصريح واحد من النائب عبدالرحمن الجيران، نشر في جريدة الراي في بداية فبراير الماضي، مبديا استغرابه من إعادة طرح هذا المقترح من جديد، مع ما فيه من تحمُّل الدولة لأعباء مالية كبيرة في ظروف اقتصادية صعبة وعجز في الميزانية العامة.
وتشير بعض المعلومات إلى أن تصريح الجيران أتى من جراء احتكاكه شبه اليومي بأطراف من خارج مجلس الأمة تعي خطورة هذا المقترح من واقع متابعتها السابقة له، سواء على الصعيد البرلماني أو الوزاري .
فكما أن هناك “لوبي” ماليا يدفع باتجاه إقرار مثل هذا الاقتراح، يوجد أيضا “لوبي” آخر مناهض له، نظراً للعواقب المالية التي ستتحمَّلها الدولة في حال إقراره.
وتظل هناك خشبة من أنه في ظل وجود هذا المجلس الذي تمر به القوانين أو مقتراحاتها بخفة الظل أن يسير مثل هذا المقترح وسط قدر من الصمت تحت عدة ذرائع، منها بالطبع الإنجاز، ما لم يتم إيجاد ضوء أحمر لإيقافه، وإيقاف الهدر المالي المتواصل.