
محمد الغربللي:
أمر جيد أن يعلن سمو رئيس مجلس الوزراء عن تراكم معاملات المواطنين في بعض الدوائر الحكومية، وعن أنه لا يتم تخليص أو إنجاز المعاملة إلا بدفع الرشوة، التي تعد غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، وفق ما أتى في تصريحه!
بالطبع، سمو الرئيس لم توقف معاملاته، كما أنه لم يدفع رشوة، بل سمع عن هذا الأمر من محيطه، أو مما يُنقل إليه من المحيط، عن تردي أداء الإدارات الحكومية.. وهذا التصريح ليس الأول من نوعه للرئيس، بل منذ أن عقد أول مؤتمر صحافي له مع صحافتنا المحلية، أشار إلى تدني أداء الإدارة الحكومية، وإلى أن هناك قياديين وصلوا إلى مراكزهم الوظيفية، ليس بأهليتهم، بل عن طريق الواسطات والترضيات لا أكثر.. ولكن هذه المرة يضيف تفشي الرشوة وتعطيل المعاملات.. بالطبع، هناك عملية جدلية، فلا يمكن المطالبة بالرشوة، أياً كان نوعها، مبالغ مالية، خدمات، أو هاتف نقال متطورا.. وغيرها، ما لم يكن هناك تأخير متعمَّد للمعاملات، وهذا الأمر يقود لذاك الأمر.. وأي دائرة حكومية ذات علاقة مباشرة مع الجمهور ومع كثرة المراجعين تظهر الرشوة لتسيير المعاملات.
وضع طبيعي
وربما ما سمعه عن قصص الرشوة لا يمثل إلا النزر اليسير من الحكاية، فالقضية أوسع من ذلك، وحجمها يتزايد مع حجم المعاملة المراد إنجازها، فقد أصبح الوضع الطبيعي أن يوافق صاحب المعاملة على تقديم الرشوة، وكأنها «طابع رسمي» يتم وضعه على المعاملة كي تسير.. طابع غير ظاهر على أوراق المعاملة، ولكنه يجعلها تسير كسير السكين الحاد في الزبدة، وابتسامة صاحب المعاملة على محياه.
متى تتفشى الرشوة والفساد؟ عند غياب المساءلة والشفافية والعدالة في المجتمع.
فقط نذكر سمو رئيس مجلس الوزراء، بأن مجلسه اتخذ قرارا وزاريا في وقت سابق، بتشكيل لجنة من عدة مختصين، يبحثون في الأخطاء التي ارتكبت في إنشاء استاد جابر، وتم تحديد موعد لتقوم اللجنة بإنجاز أعمالها ضمن الفترة الممنوحة لها.. بعدها، لم نسمع أي تقرير صادر عن اللجنة، كما لم نسمع أي مساءلة أو حتى معرفة المشاكل والأخطاء التي حالت دون استخدام هذه المنشأة التي كلفت الملايين.
كل ما سمعناه من سمو الرئيس وقرأناه، أيضا، هو قيام الديوان بإسناد الإصلاحات في استاد جابر بمبلغ يصل إلى 8 ملايين دينار.. أما أخبار اللجنة، فظلت مكتومة، ولم يعلن عنها.. ولنا أن نسأل سمو الرئيس عن الشفافية والمحاسبة لأي جهة كانت، إن كانت هذه الأمور تصل إلى سامعها من الناس، هذا خلاف مأساة التأمينات الاجتماعية، وما فيها من خفاء.. ماذا يتوقع أن يسود المجتمع من قيم؟
حكاية صغيرة
حكاية صغيرة أوردتها د.نجاة الجاسم، في كتابها الذي صدر منذ ما يزيد على العقدين «بلدية الكويت منذ خمسين عاما»، تناولت فيه بالوثائق، وبعضها بخط اليد، التي جمعتها من أرشيف بلدية الكويت، التي كانت تدير الأمور الداخلية للبلد، كبيرها وصغيرها.. هناك إعلان صادر من البلدية بخط اليد ومعلَّق في سوق المباركية، كما جرت العادة، آنذاك، في نشر الإعلانات، يقول إن «أحد العاملين في جمع القمامة عثر على مصاغ ذهبية في القمامة، وعلى مَن فقده التوجه لبلدية الكويت»، بعدها بأيام نشرت البلدية إعلانا آخر يفيد بأنه لم يتقدَّم أحد بادعاء ضياع مصاغه، وتحث مَن يقرأ الإعلان مرة أخرى على التوجه للبلدية، لاستعادة مصاغه الذهبي».. حكاية طريفة ومدلولها ذو قيمة عالية، فهذا العامل الذي يجمع القمامة، ولا يحصل إلا على بضع روبيات في الشهر، ويحسن إليه ولزملائه بعض المحسنين بفائض من الوجبات لم يستولِ على ما وجده من ثروة بالنسبة إليه، وقيمة اجتماعية أخرى، بأنه لم يدعِ أحد ممن قرأ الإعلان أن المصاغ الذهبي له كذبا. عندما تتلاشى القيم الأخلاقية في المجتمع وتتضاءل المساءلة وينعدم العدل تتفشى الرشوة والفساد.
سمو الرئيس العملية تحصيل حاصل.