
حوار: آدم عبدالحليم
انتقد الخبير الاقتصادي ورئيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، جاسم السعدون، قرار سحب الجناسي من بعض المواطنين، مشيراً إلى أنه قرار سياسي سيئ، لابد أن يترك آثاره على المدى البعيد، لأن قضية المواطنة أمر مقدَّس، موضحاً أن بعض الدول تجيّش أساطيلها لحماية مواطن واحد، فكيف يمكن لي أن أسلب مواطنة مواطن، لمجرد رأي سياسي؟
وأضاف في حوار مع «الطليعة»، أن قرار أو حكم تحصين الصوت الواحد غير دستوري، مشيراً إلى أن مفهوم الصوت الواحد يشبه تماماً تزوير الانتخابات في 67، وخرق الدستور في في 76 و86، فالغرض في جميع المناسبات السابقة تثبيت الحكومة وتغيير ما عداها.
ويعد جاسم السعدون من السباقين، منذ عقدين، إلى مزج الأوضاع الاقتصادية بالمحطات والأحداث السياسية، وصياغتها في تقرير يصدر أسبوعياً عن شركته ويتداوله المتخصصون والجهات العالمية التي تنتظر تقارير حيادية بطريقة تحليلية.
قضايا عديدة، سياسية واقتصادية، تناولها اللقاء، وفي ما يلي التفاصيل:
● ما تقييمك للمشهد السياسي؟
ـ المشهد السياسي في الكويت غير قابل للاستدامة، فهو يعتمد لفترة طويلة على شراء الناس بالأموال، وهذا الأمر لم يعد قائماً، كونه يعتمد على استبعاد الآخر، بغرض تركيز السلطة بأيدي الحكومة.
الحكومة الآن تخلق الرصيد المضاد، بسبب أدائها السيئ لدى الشارع، وبسبب ذلك تخلق أعداءً لها، سواء كان الأداء السيئ على مستوى الإنجاز أو استشراء الفساد.
المحظورات، التي تميَّزت بها الكويت في السابق، أصبحت الآن في متناول الأيدي، كالاعتقالات بسبب سطرين على «تويتر»، والأحكام القاسية، والأدهى والأمر انتهاك المواطنة، بسبب سحب الجناسي، وأصبح من الطبيعي أن يتحوَّل المواطن بين يوم وليلة إلى «بدون»، بسبب رؤى وآراء معارضة، فالمشهد الذي كان يمر قليلاً بواسطة المال لم يعد يستمر، وفي الوقت نفسه الرصيد الدائم للإدارة العامة السياسية في تناقص مستمر، وربما بعد فترة سنصل إلى مرحلة العجز، وبالطبع، أتمنى ألا نصل إلى تلك المرحلة، ولكن يبدو أننا سائرون على هذا النحو.

سحب الجناسي
● كلامك عن سحب الجناسي وغيره يتنافى مع تصريحات حكومية تشير الى أن ذلك يأتي في إطار تنفيذ القانون الذي أثار حفيظة البعض؟
ـ سنأخذ جزئيتين، ونسلط الضوء عليهما، لنعرف هل طبَّقت الحكومة القانون أم لا؛ الأمر الأول يتعلق بالفساد.. في الانتخابات قبل الماضية شكلت لجنة من تسعة قضاة (اللجنة العليا للانتخابات)، وأقرَّت تلك اللجنة باستبعاد مجموعة من المرشحين، لعدم الأهلية، وبعضهم متهم بالرشوة، جاء قاضٍ بعدها وأصدر حكماً بإعادتهم مرة أخرى، لتضع الحكومة اليوم يدها في أيديهم، ومنهم أعضاء في لجنة حماية المال العام، كيف يطبق القانون وبعض ممن يشرع ويراقب على هذا النحو؟ كيف يكون ذلك الوضع صحيحاً؟
● وما الأمر الثاني؟
ـ بعد التحرير، وعندما قبل بمحاكمة رئيس الحكومة المؤقتة أثناء الاحتلال، صدر الحكم بعد ثلاث درجات من التقاضي ليتم سجنه.. الآن، وتحت ذريعة الأمن القومي أسلب جنسية إنسان وأحيله وعائلته الى “بدون”، من دون أن يمر بإجراءات التقاضي، فعن أي قانون يتحدث؟!
● وكيف تصف الأمر؟
ـ هذا ليس تطبيقاً للقانون.. هذا قرار سياسي سيئ، لابد أن يترك آثاره على المدى البعيد بجانب آثار سيئة على المواطنة، فقضية المواطنة أمر مقدَّس، وبعض الدول تجيّش أساطيلها، لحماية مواطن واحد، فكيف يمكن لي أن أسلب مواطنة مواطن، لمجرد رأي سياسي؟
تحصين الصوت الواحد
●حديثك عن اللجنة العليا للانتخابات واستبعاد مرشحين وإعادتهم مرة أخرى تم بأمر القضاء.. فما الضير في ذلك؟
ـ كل هذا الأمر صمم للوصول إلى الصوت الواحد، ومن ثم تركيز السلطة بيد الحكومة، حتى قرار المحكمة، أنا ممن يحترمون القضاء وأحكامه، ولكن من حقي أن أختلف مع اجتهادات القضاء.. وبرأيي قرار أو حكم تحصين الصوت الواحد غير دستوري.
● بمعنى؟
ـ أقيمت الدساتير، ليس لأن هناك قانونياً عبقرياً أراد أن يصمم دستوراً، ولكن هي خلاصة فترات طويلة من المعاناة الشديدة، بدأت مع حرب بريطانيا في القرن السابع عشر، واكتشفوا وقتها أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، لذلك دخلت بريطانيا في حرب أهلية، وكان هناك جيشان، أحدهما يتبع أنصار البرلمان، والآخر تشارلز الأول، ومن هنا خلصوا إلى ضرورة ألا تكون هناك سلطة دائمة، والسلطة هنا سلطة دائمة.
● وما علاقة ذلك بمرسوم الصوت الواحد؟
ـ مفهوم الصوت الواحد يشبه تماماً تزوير الانتخابات في 67، وخرق الدستور في 76 و86، فالغرض في جميع المناسبات السابقة تثبيت الحكومة، وتغيير ما عداها، وبالتالي ما دام يثبت سلطة من السلطات الى الأبد، فهو غدر، بصرف النظر عن اجتهادات القانونيين، والأساس الذي جاءت به الدساتير التغيير وتداول السلطة، وإذا منعت تداول السلطة، فالأمر حتما سيصب في اتجاه عدم الدستورية.
فشل القوى السياسية
● هل يعني كلامك أن الفشل غاب عن القوى السياسية في المحطات السابقة؟
ـ نعم، هناك فشل اعترى أداء القوى السياسية على مرّ تاريخها، كان يفترض عليها أن تركز على الأساسيات التي تؤسس لنظام ديمقراطي كامل، ولكنها للأسف لم تسعَ إلى ذلك.
● كيف؟
ـ كان يفترض أن تتفق القوى السياسية في وقتها على إصدار قانون الأحزاب، وأن تسعى لقانون انتخاب محصن، والتأكيد على أن تكون الأغلبية لتداول السلطة، حتى لو اضطروا لتعديل الدستور.
وكان من المفترض أن تكون المعارك باتجاه مؤسسة الدولة.. وباعتقادي أنها انشغلت في قضايا جانبية، وفي الصراع مع بعضها بعضاً، ولم تنجح في تأكيد مأسسة الدولة، والتي كان يجب أن تكون معركتها الأساسية، بعد أحداث 67، 76، 86، وضح أن هناك هجوماً سيأتي حتماً عندما تضعف المناعة، ليخطف السلطة.
● وهل فطنوا لذلك؟
ـ أعتقد أنهم لم يفطنوا لذلك، وعليه ارتكبوا خطأ جسيماً واستراتيجياً، يتمثل في عدم القيام بجهد حقيقي لمؤسسة الدولة.
إصلاح الإدارة
● إذن، ما الداعي لكي يعطي الشعب ثقته مرة أخرى لقوى سياسية أخطأت على مر تاريخه؟
ـ الشارع ليس مطلوباً منه أكثر من إعطاء صوته لمن يقتنع به، ودعونا نعود للشارع والرأي العام وحده مَن سيختار.. لسنا أوصياء على أحد، لو اختاروا نفس الأشخاص، فسنقول أهلا وسهلا، والعكس صحيح، ولكن عليها أن تكون انتخابات حرة نزيهة مفتوحة إلى آخر الاشتراطات التي تضمن ذلك.
● ماذا تعني بإصلاح الإدارة؟
ـ الإدارة الحالية إذا بدأت تعمل على أنها إدارة ثابتة ستستهلك كل موارد البلد، لكي تثبت في موقع لا تستحقه، وبالتالي لابد من تغيير الإدارة.
● هل ستنجح المساعي بين القوى السياسية الحالية لتبني مشروع وطني للخروج من الأزمة؟
ـ ذلك الأمر ينطبق عليه تماماً المثل الشهير “عمك أصمخ”.. فمن ستخاطب؟ هل ستخاطب الحكومة؟ هي موجودة لتبقى، وبالتالي أي كلام لا يرتبط بتغيير حقيقي في الإدارة وتداول السلطة لن تكون هناك فائدة من ورائه.
الصراع الحقيقي بين مَن يريد استمرار شيء دائم وغير كفؤ، وتغيير لإنقاذ البلد، وما لم تفرض علينا الظروف ذلك، لا أرى تغييراً سيحدث، فالشح المالي للتطورات الإقليمية ربما يفرض علينا شيئاً من الإصلاح، لكن لا أرى إصلاحاً عن قناعة في الطرف الآخر (الحكومة).
● كلامك قد يتناقض مع آراء أطراف شعبية ترى أن هناك إنجازاً يحدث وإقراراً للقوانين؟
ـ نحن نتكلم عن تشريعات تقر بنظام هواية جمع الطوابع، ما فائدة التشريعات التي لا تطبق؟ ما فائدتها وهناك 26 في المائة من أعضاء المجلس متهمون بالرشوة ولا ينطبق عليهم القانون؟ ماذا أستفيد من قانون لا يعاقب، والرشوة أصبحت منتشرة والبطالة المقنعة؟ ماذا أستفيد من قانون، ومستوى التعليم في منتهى الرداءة والخدمات الصحية نكملها بعلاج فاسد في الخارج والمشروعات مكلفة ورديئة جداً؟ ماذا أستفيد من القانون، ولا يمكننا إنجاز معاملة من دون انتهاء الوقت أو دفع رشوة؟.. كل هذا عليه أن يُقاس بالإنجاز ويشعر الناس به.
● ولكن هناك هدوءا يسيطر على المشهد السياسي؟
ـ إن كنت تتحدَّث عن الهدوء، فليس هناك أهدأ من روسيا إبان الاتحاد السوفييتي أو أيام صدام حسين.. ما فائدة الهدوء والناس تحت تستعر؟
السياسة تدير الاقتصاد
● وفقا لحديثك السابق، بالتأكيد أن وجهة نظرك في الأداء الاقتصادي لا تختلف عن الأداء السياسي؟
ـ بالطبع، السياسة تدير الاقتصاد، وبالتالي الفريق الذي يدير الاقتصاد في دولة ثلثيها قطاع حكومي و92 في المائة من إيراداتها نفطية بمثابة مزيج من السياسة والاقتصاد في الإدارة العامة، وللأسف، الإدارة العامة في البلاد يتم اختيارها على أسس سياسية وبالواسطة.
● وما تقييمك للمشهد الاقتصادي؟
ـ يفترض ألا توجد لدينا مشكلة من ناحية الموارد.. لدينا نفط، وحتى إن وصل سعر البرميل إلى 60 دولاراً، فلن يكون لدينا مشاكل، لدينا 528 مليار دولار مدخرات، وبالتالي لدينا عقل. المشكلة تكمن في العقل الذي يدير هذه الموارد، والذي سينقلنا بتلك العقلية إلى مشكلة جوهرية، والدليل أنه في فترة الرواج النفطي كان من المفترض علينا أن نحصن، لكي لا نكون عبيداً لسوق النفط، ولكن زاد في تلك الفترة معدل النفقات العامة إلى 13 في المائة، بدلاً من 3.5 في المائة في الفترة التي سبقتها.
خلاصة الأمر، كيف أثق في إدارة صنعت كل هذه المشاكل، وهي غير قادرة على أن تحل المشاكل القادمة؟!
خطة التنمية والإنجاز
● ماذا عن خطة التنمية؟
ـ التنمية تعني إدارة وإرادة، وهم يفتقدون هذين العنصرين، من خلال التنمية عليك أن تقوم خلال مدة معينة بخفض هيمنة الحكومة على الاقتصاد والإيرادات العامة، وخفض هيمنة القطاع النفطي على الإيرادات، وأيضاً خفض هيمنة الحكومة على سوق العمل.. 71 في المائة كويتيون والباقي مدعومون، نحن بحاجة إلى تركيبة تتسق مع احتياجات التنمية.
● وماذا عن مقاييس الإنجاز المعلن عنها؟
ـ عليك ألا تقيس أي مشروع تنموي بما تنفق عليه، ولكن الأمور تخضع إلى عدد فرص العمل، التي أوجدها، وكيف عزز مركزك التنافسي كمركز مالي وتجاري، وإن لم تقسه بهذه المعايير، فلن يكون للمشاريع معنى، وسيكون الأمر عبارة عن هدر، وخطة التنمية تتحدث عن مقياس رديء كم أستطيع أبني وكم يمكن إنجازه.. الأموال عمرها ما كانت مشكلة.
● ولكن الحكومة أعلنت عن إقالة عدد من التنفيذيين المقصّرين في الخطة الإنمائية؟
ـ للمرة العاشرة يعلنون عن ذلك.
● لكنهم أخذوا خطوات بإعلانهم عن إقالة ثلاثة مسؤولين؟
ـ «شالوا ثلاثة»؟ سيأتي عشرة غيرهم بالباراشوت، ماذا فعلنا؟!
● وما الحل من وجهة نظرك؟
ـ بمنتهى البساطة، إن لم يأتِ الأمر بإدارة تعرف أنها مؤقتة، ويرتبط وجودها بأحداث عليها أن تحققها، فلن يكون هناك أمل. في كل دول العالم الحكومات مؤقتة والدول هي الدائمة، الحكومات تخدم الدولة، وليست الدولة هي تخدم على بقاء الحكومات، فبعد الأزمة العالمية كل الحكومات الأوروبية سقطت، عدا حكومة ميركل، كونها أجادت الخروج من الأزمة، وعلى الرغم من ذلك عاقبها الشعب وأفقدها أغلبيتها.
● هل يمكن لبيئة سياسية في الكويت، بمناوشاتها شبه اليومية، إعطاء الفرصة لنجاح حكومة مؤقتة؟
ـ الأمر يرتبط ببقاء الدولة، وليس فيه مجاملة.. أتحدث عن نفط لزمن محدد، وإن لم أستغل فترات الامتياز في خلق دولة دائمة، فسينتهي الأمر للأبد.
● كم هي فترة الامتياز؟
ـ عندما تفقد سنة يصعب عليك تعويضها.
● هل لك أن تعطي مثالا؟
ـ لو بدأنا سنة 2000 كنا سنبدأ بمستوى نفقات عامة 4.000 مليار، اليوم إن أردنا أن نبدأ سنبدأ بمستوى نفقات 19.000مليار، بزيادة خمسة أضعاف تقريباً، وهذا هدر وفجوة واضحة.
تخيل لو بدأنا بنسب النفقات العامة لسنة 2000، وبمعدل نمو 3.6، لأصبح اليوم معدل نمونا 7.5، بمعنى لو هبط النفط إلى 30 دولاراً للبرميل، فلن تكون لدينا مشكلة، بل على العكس، سأكون قادراً على البناء والتنافس، الفرصة ضاعت، وإذا سرنا عشر سنوات على النهج نفسه، ستكون العودة صعبة.
● كلامك يتناقض مع التصنيفات الائتمانية التي تصدر عن الكويت وتصنفها بتصنيفات AA؟
ـ تلك التصنيفات تصدر عن منظمات في دول متقدمة، تستهدف تقييم الاقتصاد لفترة متوسطة أو قصيرة في حدود ثلاث سنوات، هي غير معنية بديمومة الاقتصاد، فقط تعنى بقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها على المديين القصير والمتوسط، ليس لها علاقة بالاستدامة.. الهدف مختلف، وما يهمهم علاقة الدولة بالوفاء بالتزاماتها تجاه العالم.
المجلس القادم لن يكون انتقامياً
استبعد السعدون أن يكون المجلس القادم انتقامياً، وقال: هل يستطيع أحد أن يتحدَّث عن أن انتخاب اليونانيين لليسار، على الرغم من أن ذلك ضد وحدة المجموعة الأوروبية، أمر خطر، مضيفا: إما أن تقبل باختيار الشعب أو لا، لكن وضع شروط على الديمقراطية يخرجها من إطارها الديمقراطي، وإن كانت هناك أخطاء، فالشعب سيصلح أخطاءه.
وقال: إذا قبلنا الديمقراطية، ووضعنا لها شروطاً وأطراً، لم تعد ديمقراطية، بالطبع ستحدث هناك أخطاء أو خطايا، لكن إذا تركنا الأمر للرأي العام، فسيعمل على إصلاح نفسه، وأتوقع ألا يكون المجلس القادم انتقامياً، لسبب بسيط، هو أن الكويت على الرغم من الخلافات التي تشهدها، فقد ثبت في الغزو أن لديها اتحاداً وتحامياً أكبر مما كنا نتصوَّر.. بالفعل هناك خلافات، لكن في النهاية لا نرضى بإيذاء بعضنا بعضاً، وستكون هناك ردة فعل طبيعية على ما حدث ويحدث، وقد تكون قوية وعنيفة، لكنها ستكون ضرورية للتنفيس على البخار، ولكن بعد ذلك التنفيس ستنصلح الأمور.