
كتب آدم عبدالحليم:
في سابقة هي الأولى من نوعها في الكويت، وعلى وقع أجواء اختلط فيها التوتر بالترحيب والعفو والامتنان، وفي ديوانية سياسية عريقة، وبحضور واسع، استضاف النائب السابق عبدالله النيباري حدثا اجتماعيا فريدا، قيل عنه إنه صناعة جديدة للتاريخ الاجتماعي، بعد استقبال النيباري وفداً من عائلة الرومي الكريمة، لتقديم الشكر له، على مبادرته بالعفو عن ابنهم سلمان شملان الرومي، الذي حاول اغتياله في يونيو 1997 في طريق عودته من منطقة الشاليهات مع قرينته السيدة فريال الفريح.
حالة صمت
وقد سيطرت على الأجواء في بادئ الأمر صعوبة كبيرة، نظرا لحساسية المشهد، وظل الصمت ملازما الجميع، حتى بعد دخول أفراد عائلة الرومي الديوانية في الساعة الثامنة من مساء يوم الأحد الماضي (8 فبراير)، على الرغم من الترحيب الشديد والأحاديث الجانبية التي دارت بين عدد من الحضور.
إنسانية نادرة
وقد كسر النيباري تلك الأجواء، بتواضع شديد وبإنسانية نادرة، بكلمة شكر للحضور على مجيئهم لديوانه، لتبدأ الأمور بعد ذلك بأخذ منحى آخر واتجاه مختلف، ليختتم الحدث بتقبيل الشملان رأس النيباري، اعتذارا من جانبه عما بدر منه، متمنيا أن يسامحه «بومحمد» على ما حدث، معاهدا إياه بأن يكون الصديق المخلص والأخ المحب.
حضور سياسي وأكاديمي
وقد ساعد على تلطيف الأجواء، حضور قيادات سياسية وأكاديمية تاريخية، تقدَّمهم د.أحمد الخطيب وأحمد النفيسي ود.غانم النجار، وأمين عام المنبر الديمقراطي بندر الخيران، والأمين السابق يوسف الشايجي، والنائب السابق د. محمد العبدالجادر والمحامي بسام العسعوسي وعدد كبير من أعضاء المكتب السياسي في المنبر الديمقراطي، إضافة إلى آخرين قريبين من التيار الوطني، وفي المقابل حضر من عائلة الرومي كلٌ من: حمود حمد الرومي، يوسف شملان الرومي، يوسف مجرن الرومي، فيصل الرومي، يوسف صالح الرومي، يوسف علي الرومي، يوسف خليفة الرومي، صالح علي الرومي، محمد حمود الرومي، النائب السابق عبدالله الرومي، بجانب سلمان شملان الرومي.
عائلة واحدة
في البداية، رحَّب النيباري بالحضور، قائلا: أهلا وسهلا بكم، وأتمنى أن تكونوا بخير، مضيفا: بالنسبة لي، أشعر بالحرج من الموقف، وما أودُّ قوله إن الحدث كان مؤثراً، وله صداه الكبير، سواء في الكويت أم خارجها.
وأضاف: بجانب محنة الغزو العراقي، كانت هناك مأساتان؛ محاولة اغتيال النائب السابق حمد الجوعان ومحاولة اغتيالي، وكلاهما يتعلق بالدفاع عن الوطن والمال العام والمجتمع.
وأردف قائلا: شخصيا، لا يوجد لديَّ أي حقد تجاه الأخ سلمان الشملان، فالأمر برمته قضية عامة ومصلحة وطن، وقد تدخَّلت الوساطات منذ بداية الحدث، لكي أسامح مرتكب الحدث، وكان هدفي معرفة مَن المحرّض على ذلك الجُرم، كوني مدركا تماما أن الأخ سلمان كان يعيش في جو من التحريض.
زيارة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد
وقال: لن أنسى كلمة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، عندما زارني، وقال إنه متألم، لأن القضية من كويتي وضد كويتي.
وأضاف النيباري: الموضوع مضى، وبقيت الكويت، وسنظل عائلة واحدة يسودها الترابط، وعلينا تجاوز الأحداث والقضايا الشخصية، ونعود للتلاحم والتراحم بين مكونات وعائلات المجتمع الكويتي.
شكر للوسطاء
واختتم النيباري كلمته بتوجيه الشكر لكل مَن قام بالتوسط لإنهاء الموضوع، وهم: يوسف النصف يوسف الإبراهيم، د.غانم النجار، وبالطبع صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد.
الاستفادة من التجارب
من جانبه، جدَّد عميد عائلة الرومي، العم حمود الرومي، شكره لله، الذي جمع الحضور في هذه المناسبة، وبتلك الصدور الرحبة، قائلا: تلك الأجواء التي يسيطر عليها التسامح ليست بغريبة على أبناء الكويت، ذلك الشعب الذي جُبل على التواصل والمحبة، حتى وإن اختلفت آراؤهم.
وأضاف: الاختلاف في الرأي طبيعي، وما حدث قدَّره الله.. المهم الاستفادة من الأحداث والتجارب للخير، لكي ننشر الأخوة والمحبة بين الشعب الذي يجمعه الترابط.
وضرب الرومي مثالا بالترابط الذي كان عليه الشعب الكويتي بمحنة الغزو، التي لم يجد فيها الغازي شخصا يتعاون معه، وقال: الأخ «بومحمد»، أبدى – مشكورا – استعداده لكي يتجاوز عما فعله الشملان، وذلك عندما كلموه أول مرة، وندعو الله ألا تكون هناك أزمات أخرى بين كويتي وكويتي.
اعتذر من بومحمد
من جانبه، جدَّد سلمان الشملان شكره للنائب السابق عبدالله النيباري، شاكرا كل من ساهم في الوصول لهذه المرحلة، قائلا: منذ أن خرجت من السجن، كنت حريصا على مقابلة «بومحمد»، كي أشكره لعفوه عن أخيه الصغير، وأضاف: لقد أخجلني «بومحمد»، وآسف عما بدر مني تجاهه وللسيدة القديرة فريال الفريح.
بيان الشملان
وتلا الشملان بيانا، تم توزيعه جاء فيه:
السيد الفاضل عبدالله النيباري، الأخت الفاضلة فريال الفريح..
أتقدَّم بالشكر وكثير العرفان على موقف عفوكم وتنازلكم عن حكم السجن المؤبد الذي كان ينفذ في حقي منذ عام 1997، وأود هنا أن أسطّر اعتذاري وأسفي، على ما بدر مني آنفا، حامدا الله على سلامتكم وحفظكم من كل مكروه، كما أعاهدكم أن أكون الصديق المخلص والأخ المحب والابن البار، والله على ما أقول شهيد.

رأس الأفعى
بدوره، د.أحمد الخطيب كانت له كلمة ومداخلة، قال فيها إن الكويتيين قادرون على فعل أشياء كثيرة، فهم يحبون «عيالهم» وأنفسهم، وهذه ظاهرة كويتية حقيقية تخصهم.
وأضاف: المسلسل لم ينتهِ، والأمور تتطوَّر، ولم نصل حتى الآن إلى رأس الأفعي، فهناك ثغرات، وأؤكد لكم أن ما نشاهده الآن من توترات موجودة على الساحة لها علاقة برأس الأفعى، والأمور وصلت إلى منتهى الخطورة.
وتمنى الخطيب أن يسود العقل والحكمة، وتنتهي العاطفة عند المسوولين، لكى نتدارك الواقع، قائلا: إنهم يعرفون رأس الأفعى، وهذا الخطر بهذا الشكل سيجعلنا جميعا ندفع الثمن.
واختتم الخطيب كلمته بأمل توحيد الجهود في تعرية مخططات الأفعى، للحفاظ على الكويت وأهلها، فإذا لم يتم التعاون سنضيع كلنا.
نبل الفرسان
وفي المقابل، قال أمين عام المنبر الديمقراطي، بندر الخيران: إنه على الرغم من حجم الجريمة وعظم الاعتداء، فإن النيباري، بنبل الفرسان وكرامة الأقوياء، يقبل بالعفو عن باقي مدة العقوبة، استجابة لنصيحة صاحب السمو أمير البلاد.
وأضاف: نحن في المنبر الديمقراطي الكويتي ننتهز هذه اللفتة الكريمة والموقف الإنساني، لنطلب من سمو الأمير أن يشمل بعفوه كافة الموقوفين والمتهمين بقضايا الرأي، الذين وجهت لهم بانتقائية تهم تطاول وقذف في أجواء مشحونة ساهمت السلطة بخلقها وتعظيمها، وبثت أسباب الانقسام والتصادم اللفظي بين مكونات المجتمع، وتكاد تكون المشاركة فيها طالت أغلب الشرائح والمكونات والسلطات، وقال إن ما نطلبه من سمو الأمير ليس غريبا عنه، فهو مَن عُرف عنه التدخل الإنساني والإصلاحي بين الدول، فكيف لا يكون ذلك بين شعبه؟
لقاء تاريخي
وفي كلمة له، أكد د.غانم النجار أن هذا اللقاء تاريخي وغير عادي وغير تقليدي، وقال: أشعر بحساسية داخلية، فعندما تم الإفراح عن الشملان كنت خارج الكويت، فحادثة بهذا المستوى تتعرَّض لقيم المجتمع المسالم الذي يرفض أن تحدث، كان عليها ألا تخرج بالشكل الذي خرجت عليه.
وأضاف: لقد نال «بومحمد» إعجابي الشديد، لأنه تسامح، لكن الطريق التي تلت ذلك كانت بحاجة إلى مراجعة، إلا أن ما أسعدني، هو التجاوب السريع والكبير من سلمان الشملان، لذلك جلست مع «بومحمد»، وشرح لي الكثير من الأمور والأحداث التي كانت غائبة عني، وتوصلنا لصيغة محددة.
وأكد أن هناك قيما يجب إعلانها؛ أهمها أنه عند ارتكاب خطيئة بهذا المستوى تكون فضيلة الاعتذار حاضرة، ومن ثم فضيلة التسامح مقابلة لها، وهذا ما أودُّ أن يلتف إليه الجميع، بعد أن ظهرت الكراهية في مجتمعنا الصغير في السنوات الأخيرة، وأصبح التحريض السمة العامة.
وقال: إنه حدث تاريخي في بلدنا الكويت، فنحن نصنع التاريخ حاليا، فالأمر يتعدى الاعتذار عن خطأ ارتكب، الأمر يتجاوز النيباري والشملان، فما نفعله الآن قيمة ربما تكون عكس القيم السائدة في المجتمع، وهي قيم الكراهية والبغضاء، ونحاول تغييرها للاتجاه الآخر.
مغردون: هذه هي أخلاق الكبار
«عبدالله النيباري يسطر أروع أمثلة التسامح والعفو، باستقباله سلمان الشملان، وقبول اعتذاره عن محاولة اغتياله وحرمه سنة 97».
مشاري بويابس @mbuyabis
«إلى عبدالله النيباري: تحية طيبة وبعد، شكراً لك على عفوك عمن حاول قتلك وزوجتك، وحُكم عليه بالمؤبد لفعلته. نحن فخورون بك».
ناصر السعد المنيفي @LetGoq8
«عبدالله النيباري يعفو عن سلمان الرومي الذي حاول اغتياله عام ٩٧.. عبدالله النيباري أعجز عن وصف أخلاقك».
يوسف القطان @y_alqattan
«عبدالله النيباري الذي تعرَّض لمحاولة آثمة لاغتياله وزوجته وبعد عفوه عمن ارتكب ذلك.. يستقبله اليوم في ديوانه.. ليت لنا قلبا كقلبك يا بومحمد».
راشد العنزي @kuwait1986
«الأخ الكبير عبدالله النيباري يصنع قيمة وطنية تسجل بماء الذهب عبر التاريخ، بتنازله في ديوانه عن سلمان الشملان.. هذه أخلاق الكبار دائماً».
بسام العسعوسي @Bassam_Alasousi
«صورة تجمع الحضور في لقاء تاريخي يبين معدن أهل الكويت بين عبدالله النيباري وسلمان الرومي والخطيب والنجار».
عبدالهادي السنافي @a_alsanafi
«سلمان الرومي حاول اغتيال النيباري وزوجته قبل 20 عاما خرج قبل أسابيع بعفو من النيباري نفسه، واليوم زاره ليقبّل رأسه ويعتذر».
ناصر المجيبل @NAlmujaibel
«عبدالله النيباري بطريقة الكبار يستقبل سلمان الشملان ويقبل اعتذاره».
أحمد الهندال @ahmadhendal
«النيباري يعفو عن قاتله ويستقبله بديوانه.. العفو عند المقدرة من شيم الكبار، وأنت كبير من يومك».
هيفاء العرفج @haifa_q8
«الوطنية لست شعارات وكلمات.. بل هي أفعال ومواقف.. هذا هو عبدالله النيباري».
علي حسين العوضي @ali_alawadhi
«الدرس الأول كان بقبول العفو عنه، والثاني استقبال مَن حاول اغتياله بديوانه الليلة وتقبل اعتذاره.. عبدالله النيباري مدرسة مازالت ساطعة ببريقها».
يوسف عباس شمساه @yashamsah
«اليوم حدث تاريخي يطوي حقبة في تاريخ الكويت السياسي، تسامح الكبار وفروسية الاعتذار».
د.محمد العبدالجادر @Mohd_Abduljader





