
كتب المحرر الثقافي:
الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل، علامة دالة على الأدب الكويتي والعربي، وشهدت تجربته الروائية مجالاً حافلاً وتجديداً للسرد الروائي العربي، وهو قيمة كبيرة لا يُنكرها أحد من قامات الأدب العربي.
ولهذه المكانة المرموقة التي يحتلها هذا الروائي الكبير، تم الاحتفاء به من قِبل اتحاد أدباء البصرة، وخاصة مع صدور روايته الجديدة (طيور التاجي)، إضافة إلى الاحتفاء بعدة أصوات في الأدب الكويتي، مثل: ميس العثمان، عقيل عيدان والناقد المسرحي محمد عبد الجاسم.
ولعل هذه المبادرة تمثل خطوة جديدة لمحو الماضي، والتعامل من خلال منظور مختلف بين بلدين شاءت الظروف خلق العداء بينهما، والأدب والفن وحدهما أكثر الأدوات القادرة على تقريب وجهات النظر، ومحاولة كتابة صفحة جديدة في التاريخ الاجتماعي لكل منهما.
من ناحية أخرى، فإن الروائي المُحتفى به له صلة قوية بالعراق، الذي ولد به وعاش فترة طويلة من حياته فيه، وقد أكمل تعليمه وعمل مُعلماً بإحدى مدارسه، مدينة البصرة – جنوب العراق، على وجه التحديد، فهو خير مثال لهذا التواصل بين الشعبين، الذي راح كل منهما ضحية سياسات عابثة، كما أوضح إسماعيل نفسه.
الضحية وهامشها
ذكر إسماعيل أن روايته الجديدة تحث على إعادة التفكير في ما حدث، وأن التعاون بين الطرفين لابد منه. والعمل يستند إلى جزء من الواقع، حيث فقد شقيقه في أحداث غزو الكويت، ولم يعد للآن، وأن حزب البعث هو سبب كل هذا البلاء، فإن كانت الكويت فقدت 600 مواطن، فالعراق فقد 600 ألف، هم ضحايا نظام البعث، الذي أتاحت توابع أفعاله ظهور تنظيم القاعدة و«داعش»، فالرواية تريد التنبيه إلى أن الضحية الأكبر هو العراق.
الذات والآخر
تناول الروائي محمد خضير رواية «طيور الناجي» من كونها نافذة تحاول توضيح مفهوم الذات والآخر، هذا المفهوم الكبير، الذي ينتج عنه عدة مفاهيم تمس الإنسان، وتجعله دوماً في لحظات اختيار قاسية، فالآخر هنا هو سبب الكارثة والمعاناة، المحتل والقاتل، ويبقى الاختيار إزاء ما يحدث على الذات وتنوعها تجاه هذا الآخر، كالضمير والعدالة، وهل سيشوَّه الإنسان، كرد فعل على تصرفات هذا الآخر؟ وهنا تصبح الذات في أقصى اختباراتها، وكيف ستحافظ على نفسها، في ظِل كل هذه المفارقات!
الوعي بالعالم
في ورقته البحثية المعنونة بـ «إسماعيل فهد إسماعيل.. وعي الذات ووعي العالم» يُشير الناقد لؤي حمزة عباس إلى الرؤية الرحبة التي تتميَّز بها أعمال إسماعيل، وتعدد وجهات النظر إلى العالم، من دون الانحسار في رؤية منفردة، أدَّت به لخلق رؤية كاملة للعالم.
تعدد الرؤى هذا جعل إعادة إنتاج العالم في النص الروائي يتميَّز بالاختلاف والتمايز، وكأن كل رواية هي إعادة صياغة جديدة من وجهة نظر مختلفة، وبالتالي أصبحت تجربته الروائية من أخصب التجارب الروائية العربية، والأقدر على استيعاب حيوات ورؤى كثيرة جعلت لأدب إسماعيل سمة تحيط بتفاصيل المجتمعات العربية والإنسان عموماً.
الزمن والتكنيك
وأشارت الناقدة المصرية أماني فؤاد إلى تكنيك رواية «طيور الناجي»، وكيف أن المؤلف لجأ إلى أزمنة وأماكن مختلفة، وكان لهذا تأثيره على تكنيك الكتابة ذاتها، فالأحداث لم تعتمد الترتيب المنطقي، والتنقل بين الأماكن الكثيرة كان أدعى لاستخدام هذا التكنيك، هذا المنطق الروائي الذي يتنافى ومنطق الواقع يتناسب تماماً وعبث الواقع/الحرب، بما أنها الفعل الأكثر عبثية في العالم، وبالتالي تصبح الرؤى لا تحتمل المنطق الطبيعي للحياة، لأن الحرب كسر في إيقاع الحياة، وهو ما جسَّده إسماعيل، من خلال تكنيك السرد نفسه، من دون أن يكتفي بالموضوع.
فالكاتب يتذكَّر أخيه الأسير والمفقود بحرب عبثية، ويستنزف ذاكرته هذه بالضرورة في أحداث حقيقية لا يحكمها أي منطق. إضافة إلى زمن الكتابة وزمن السرد، وداخل المساحة بين الزمنين تتعدد الأزمنة، وبالتبعية الأماكن، فالأمر أشبه بالسرد السينمائي غير التقليدي، ما أضاف للرواية وروحها الكثير، ويدل على حرفية كبيرة يتمتع بها سرد ورؤية إسماعيل فهد إسماعيل.