استاد جابر.. مسلسل مكسيكي متوالي الحلقات و«العك» مازال مستمراً

صورة براقة لواقع مزرٍ
صورة براقة لواقع مزرٍ

محمد الغربللي:
هذا المسلسل يفوق بمدته الزمنية المسلسلات المكسيكية أو التركية.. بدأ منذ عقد من الزمن، ولايزال مستمراً، يحيطه الغموض الكلي والتفاصيل التي قد لا تُعرف أو يُكشف عنها بشكل متعمَّد.. مسلسل ليس للتسلية أو المشاهدة وقضاء الوقت، بل مشروع يستنزف الملايين.. ونقصد هنا ترسية أعمال إعادة تأهيل استاد جابر على إحدى الشركات المحلية بمبلغ 7 ملايين و900 دينار.. ليس عن طريق وزارة الأشغال، التي كفت يدها عن بعض المشاريع، وليس عن طريق هيئة الشباب والرياضة، التي طرحت مناقصة جديدة لتغيير واجهات مبناها الزجاجية، علماً بأنه لم تمضِ سنوات على تركيبها، ولكن تم ذلك عن طريق الديوان لمباشرة أعمال إعادة التأهيل بهذا المبلغ المليوني، ولمدة زمنية تعاقدية تصل إلى300 يوم للإنجاز.

لا توجد، أو بالأحرى لم يُعلن عن نطاق الأعمال الموكلة لهذا المشروع، ولا عن مهام المقاول في إعادة تأهيل استاد جابر، وبقيت الأمور تجاه هذا الأمر شبه سرية، ولم يُشر إليها على مستوى الصحافة اليومية، فقط تم تحديد قيمة المناقصة ومدتها الزمنية.

لماذا نريد معرفة نطاق الأعمال؟ أو المفترض معرفة بشكل علني نطاق الأعمال الموكلة للمقاول، من باب شفافية المعلومات، وليس إخفاءها، مادامت المناقصة قد أُعلنت سعراً ومدة تنفيذية.. ولماذا يفترض معرفة نطاق الأعمال؟

مما سيتم تحديده في تلك المناقصة سيؤدي حتما إلى الأخطاء التي ارتكبت بداية عند تشييد الاستاد، سواء كانت أعمالا إنشائية أم كهربائية أم أرضيات الملعب.. وغيرها من المشاكل التي ارتكبت في التنفيذ الأول، فعندما يُذكر في المناقصة الجديدة تدعيم القواعد، فهذا يعني أن هناك أخطاء إنشائية ارتكبت.. وغيرها من المهام الموكلة للمقاول الجديد، وهكذا يفترض أن تكون هناك جهة ما قد حددت مسبقا التصليحات المفترض القيام بها، وهي جهة هندسية بالطبع، قبل أن تتم إعادة طرح المناقصة، التي بموجب تلك المحددات، يتم تقديم العروض.

لجنة مجلس الوزراء

من ناحية أخرى، وفي العام الماضي، شكَّل مجلس الوزراء في إحدى جلساته الأسبوعية لجنة من جهات مختلفة، لدراسة المعوقات الإنشائية لهذا المشروع، وتم تحديد سقف زمني لتقوم اللجنة بهذه الدراسة وتضع تصوراتها كافة، سواء على مستوى إعادة تأهيل الاستاد أو المسؤولية القانونية التي ارتكبت طوال فترة الإنجاز، والتي قادت إلى تجميد كامل للاستعمال، فأن تنشئ مشروعا بأكثر من 55 مليون دينار وفيه هذه العيوب، يفترض أن تتم محاسبة المسؤولين عن هذا الفشل، سواء كان المقاول أو الجهة الاستشارية أو أصحاب العلاقة.

بعد قرار مجلس الوزراء هذا انعدمت أيضا الشفافية، ولم نسمع أو نقرأ تقريرا ما، ولو موجزا، عن أعمال ونتائج عمل اللجنة.. فقط قيام الديوان بإعادة طرح المناقصة الخاصة بالتأهيل وذابت أعمال اللجنة التي تم تكليفها.

شركة تنظيف

وأيضا المستغرب بالأمر، أنه منذ مدة وجيزة تمت إعادة تكليف الشركة المعنية بتنظيف الاستاد، بمبلغ 300 ألف دينار سنويا.. وكأن هذا المبنى قابل للاستخدام للفعاليات الرياضية في الوقت الحاضر.. ونحن لا نفهم، إطلاقا، كيف يتم التنظيف وقد عاد الاستاد ليتحوَّل إلى ورشة عمل من جديد.. تنظيف وورشة عمل وبناء.. لا يمكن تصور ذلك! ويعني ذلك أن هناك جهتين تنفيذيتين، كل منهما يؤدي دوراً منفرداً، وكل دور فيه كلفة مالية.

أسئلة المواطن

هناك عدة أسئلة يطرحها المواطن.. هل سيتم إيقاف مناقصة التنظيف مادام الاستاد قد تحوَّل مجدداً إلى ورشة عمل من جديدة؟ وما نتائج عمل اللجنة التي شكَّلها مجلس الوزراء بشأن معرفة سوء إنجاز استاد جابر والمسؤولية القانونية للأطراف التي شاركت في إنشائه؟

من المعروف تماما أنه عند إنجاز أي مشروع، بموجب المواصفات التي تم اعتمادها، هناك استلام مبدئي من المقاول ونهائي لكافة الأعمال الإنشائية، لوضع كافة ملاحظات إنشاء المشروع الإنشائية والكهربائية والميكانيكية.. وغيرها، ويشترك في لجنة الاستلام، إن كانت مبدئية، المقاول الذي قام بإنشاء المشروع، إضافة إلى المكتب المهندسي، المشرف على المشروع، والجهة الرسمية، إن كانت هيئة الشباب والرياضة أو وزارة الأشعال، أو كلاهما معا، ويفترض أن يتم الاستلام بدقة لجميع الأعمال وإبداء أي ملاحظة صادرة من جهة الاستلام، ليقوم المقاول بإعادة تنفيذها في كافة مكونات المشروع، وهذا الاستلام النهائي هو حصيلة الاجتماعات الأسبوعية الثلاثة التي تتم ما بين الأطراف الثلاثة (المقاول، الاستشاري والجهة المستفيدة)، أثناء جميع مراحل إنجاز المشروع، من بداية الحفر وحتى انتهاء الأعمال.. ومن واقع هذه الاجتماعات الدورية، يتم إبداء الملاحظات أو الاعتراض على التنفيذ، لتتم معالجة الأمر بوقته، حتى اكتمال المشروع.. ولكن طوال السنوات التي تمَّت فيها عملية الإنجاز، والتي تعدَّت الفترة الزمنية المقررة، حيث إنه كان من المفترض أن ينجز في أكتوبر عام 2006.. تخيَّلوا وبعد مرور ثمانية سنوات لايزال «العك» في الإنجاز مستمرا.

كيف تمَّت عملية الاستلام النهائي للمشروع؟ وما الجهة الاستشارية والجهة الحكومية التي وافقت على الاستلام، ووضعت تواقيع مسؤوليها الذين وافقوا على أن الجهة الموكل إليها المشروع قد نفذته وفق المخططات الكاملة المعدة له؟!

لون المشاريع

النتيجة أن هذه الموافقة قادت في النهاية إلى تخصيص ما يقارب الثمانية ملايين دينار لمعالجة الأخطاء المرتكبة، ولا عزاء للمال العام.. إنه بالفعل مسلسل مكسيسكي لايزال مستمراً، وهو لون صبغ مشاريعنا في السنوات الأخيرة، ليس هذا وحده، بل عدة مشاريع أخرى، سواء بالتأخير أو سوء الإنجاز، وهي في نهاية المطاف صورة من صور الفساد في البلد لا غير.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.