
نشر موقع «مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية» دراسة أعدَّها د.محمد الشيخلي، حول استراتيجية حلف شمال الأطلسي (ناتو) بمنطقة الخليج العربي، بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، التي أصبحت مهمته الأساسية أمنية بحتة.
وتوضح الدراسة، أن الحلف أضحى اليوم واحداً من الفاعلين المؤثرين في البيئة الدولية، حيث تسمح استراتيجيته الجديدة بالتدخل في دول أوروبية من خارج الحلف، إضافة إلى مناطق من خارج أوروبا.
وتسلط الدراسة، التي تعيد نشرها «الطليعة» باختصار، الضوء على التوجه الكبير للحلف في منطقة الخليج العربي، باعتبارها تمتلك أحد أهم مصادر الطاقة، وتقدم فرضية أن حلف الناتو أصبح منظمة عسكرية سياسية لها أدوار خارج نطاقها الجغرافي.
تشكل حلف شمال الأطلسي في 4 أبريل 1949، وتطور في عصر الحرب الباردة، لمجابهة التحديات التي فرضتها الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، سابقا، لتحقيق نوع من التوازن العسكري في مواجهة كل منهما، وعندما تراجع نظام الثنائية القطبية، ليحل محله النظام العالمي الجديد الأحادي القطبية عام 1991، كان ذلك يشكل – من وجهة نظر صناع السياسات الأميركية – فرصة تاريخية لقيام النظام العالمي الجديد.
وفي المقابل، تحتل منطقة الخليج العربي موقعاً استراتيجياً على خارطة الاهتمامات والمصالح الدولية، باعتبارها منطقة ذات بُعد جيواستراتيجي وجيوبولتيكي، وتأتي أهمية الخليج العربي من أهمية الموقع الجغرافي الذي يسيطر على ممرات استراتيجية تمر عن طريقها الإمدادات النفطية العالمية، مثل مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وخليج عمان، إضافة إلى امتلاكها للاحتياطيات النفطية التي تبلغ 65 في المائة من نسبة الاحتياطي العالمي، وهذا بدوره يجعل من منطقة الخليج مصدر استقطاب للقوى الكبرى للسيطرة على تلك المنطقة.
وبدأ اهتمام حلف شمال الأطلسي بمنطقة الخليج العربي منذ مشاركته في حرب الخليج الثانية عام 1991، وزاد اهتمامه بأمنه، بعد أحداث سبتمبر 2001، في إطار الاستراتيجية الجديدة، التي تبناها، وتقوم على ضرورة توسيع الحلف لنطاق عملياته إلى خارج أوروبا، وبناء علاقات تعاون مع كل جيرانه، بمن فيهم أعداؤه السابقون، وعلى رأسهم روسيا.
وقد أصبح الشرق الأوسط، بصفة عامة، ومنطقة الخليج العربي، بصفة خاصة، في السنوات الأخيرة موضع اهتمام دولي كبير، من النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية، وأدَّت حرب الخليج الثالثة عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على العراق إلى تراجع مستوى الاستقرار والأمن الإقليميَّين، وتزايد الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة.
المبحث الأول: الأوضاع الجديدة في العلاقات الدولية
فرضت نهاية الحرب الباردة (1991-1989) على كل من الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إعادة النظر في توجهاتهما المشتركة حيال الأوضاع الجديدة في أوروبا والعالم، ككل، فكان لدى معظم الأوروبيين توجهات مستعدة ومؤيدة لقبول بزوغ نظام عالمي جديد ذي طبيعة إيجابية، كما أصبح من الواضح، آنذاك، عدم كفاية مفهوم الأمن المعتمد على أساس عسكري فقط، على نحو ما كان سائداً خلال فترة الحرب الباردة، ومن ثم أصبح على حلف الناتو، وما كان يُعرف حينئذ بالجماعة الأوروبية، أن يعيدا تقييم دورهما ووظائفهما الأساسية.
وقد وجدت كل من الجماعة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي نفسيهما في نقطة بداية فكرية وسياسية، فقد تمَّ الاتفاق في قمة المجلس الأوروبي في هلسنكي في ديسمبر 1999 على أن يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تأسيس آليات للاتصال مع حلف شمال الأطلسي، وارتبط هذا بقرارات تطوير قدرات عسكرية مستقلة للاتحاد الأوروبي تكون قادرة على نشر قوات عسكرية لحفظ السلام، إضافة إلى ذلك، فقد تتالت مبادرات وسياسات القمة الأوربية الهادفة نحو جهود إحلال السلام، وإعادة البناء ونشر وتوسيع نطاق الديمقراطية، وإدماج دول البلقان وأوروبا الشرقية السابقة في إطار الاتحاد الأوروبي.
وتبدو أهمية التنسيق والتعاون المشترك في الاهتمام بأفكار ودوافع ونظام الأمن الأوروبي الشامل، الذي يحتاج وبقوة إلى أن يعمل على تقليل الاختلافات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بين الاتحاد الأوروبي من جهة، وشرق أوروبا ووسطها، أي بما يطلق عليه مارتين سميث بعد «الأمن الناعم».
المبحث الثاني: التحولات الاستراتيجية الجديدة في عقيدة حلف شمال الأطلسي
خلال العقدين الأخيرين مرَّ حلف شمال الأطلسي بمرحلتين تاريخيتين:
ـ المرحلة الأولى (انتهاء الحرب الباردة): كان الهدف المعلن من إنشاء حلف الناتو، المحافظة على أمن القارة الأوروبية ضد منظومة الدول الاشتراكية، بقيادة الاتحاد السوفييتي، وعلى إثر انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وشن التحالف الدولي حرب الخليج الثانية عام 1991، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وحرب عام 1999، على كوسوفو، أصبح الحلف يواجه منعطفاً تاريخياً في مسيرته، يتطلب منه التكيف بناءً على اجتماع الحلف في واشنطن في 24 أبريل 1999، وقد استجدت لديه عدة أمور، هي:
أ- ضرورة تغيير المفاهيم الأمنية، من مفاهيم عسكرية بحتة إلى مفاهيم أمنية تعنى بقضايا الأمن الإنساني المعاصرة، مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، محاربة الإرهاب، مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، إدارة الأزمات.
ب- اضطرار الحلف للتوسع جغرافياً، ومد نفوذه خارج حدود أعضاء الحلف وفقاً لطبيعة القضايا التي تبناها.
ج- اتباع الحلف لاستراتيجية جديدة لرأب الصدع والخلافات داخل الحلف والحيلولة دون سعي أوروبا لاعتماد سياسة دفاعية مشتركة مستقلة عن الأطلسي.
ـ المرحلة الثانية: ما بعد11 سبتمبر 2001
بدأ الحلف بمرحلة تتسم بالغموض والبعد عن الأهداف واتساع المسؤوليات والحدود الجغرافية، منذ أن شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان عام 2001، وكذلك حربها على العراق عام 2003، ما أدَّى لانقسام حقيقي في رؤى الحلف لأدواره المستقبلية، حيث وجهت بعض الدول الأوروبية نقداً لاذعاً وكلمات قاسية لأميركا، وأذكى هذا الخلاف طموح أوروبا بالوقوف بوجهها، وأخذ زمام المبادرة بالمحافظة على أمنها بنفسها، وتشكيل قوة أوروبية للتدخل السريع واستمرار عدم المشاركة في إرسال قوات للعراقومن خلال استعراض دور الحلف ضمن التطوّرات والتغيرات الدولية، وفي ظل النظام الدولي وتغيراته، يرى البعض أن الحلف سيبقى قائماً، وأن هناك عوامل عدة تساعد على وحدته وتماسكه أهمها:
– في ضوء التحوُّلات الدولية وبروز أهمية القوة الكامنة، المتمثلة في الاقتصاد والتكنولوجيا، فإن أعضاء الحلف يرتبطون بعلاقة اعتماد متبادل ذات آثار إيجابية على جميع الأطراف.
– في ضوء التطور التكنولوجي للأسلحة النووية، أصبحت معظم الدول الأعضاء تمتلك (أو قادرة على امتلاك) السلاح النووي، وبالتالي، فإن بقاء حلف الناتو واستمراره يؤدي إلى صيانة وتنظيم علاقة أطرافه، ويعمل على تقييد «طموحاتهم» وتنظيم إمكاناتهم العسكرية وطاقاتهم النووية، والحيلولة دون العودة إلى بناء جيوش وطنية، كما كان الأمر في الماضي.
– على الرغم من زوال الخصم (حلف وارسو)، فإن حلف شمال الأطلسي محكوم بالبقاء، فضلاً عن أن أطرافه تحقق الكثير من المصالح المهمة، من خلال هذا البقاء.
المبحث الثالث: الموقف الخليجي تجاه الدور الجديد لحلف شمال الأطلسي
على الرغم من أن الحوار بين دول مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو بدأ منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، فإن التطور الحقيقي بهذا الشأن تمثل في مظاهر ثلاثة، هي:
– مؤتمر تحولات الناتو والأمن في الخليج، والذي عقد في قطر في أبريل 2004، حيث كان هذا المؤتمر بمنزلة تمهيد لقمة إسطنبول التي عقدت في العام ذاته، وقد اقترح المشاركون في المؤتمر العمل من أجل إيجاد آلية للتعاون المستقبلي بين دول الخليج الست والحلف، في الوقت الذي أعلن فيه مسؤولو الحلف أهمية منطقة الخليج بالنسبة للناتو.
– عكست المباحثات الثنائية بين الناتو وبعض الدول الخليجية تعاونا، ومن تلك التي أُجريت بين مسؤولي الحلف وعدد من الدول الخليجية في مارس 2005، والتي لقيت استجابة من بعض الدول الخليجية لوجهة نظر الناتو، ومنها الكويت، التي أعلنت – على لسان رئيس وفدها في تلك المفاوضات – أن مبادرة إسطنبول للتعاون، التي أقرَّتها قيادة الحلف، بلورت الرغبة في مد جسور التعاون مع هذه المنطقة، ووضعت لها إطاراً، وأضاف أنه ليس من الصعب التعاون مع الناتو في ثوبه الجديد، بعد التحولات العالمية في العقدين الأخيرين، واختفاء الاتحاد السوفييتي، والتهديدات القديمة مع ظهور تحديات جديدة، مثل ظاهرة الإرهاب، التي تعد خطرا يهدد الجميع، ومثل مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
– المحادثات غير الرسمية التي أُجريت خلال أكتوبر 2005 بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين من حلف الناتو في مقر الحلف ببروكسل، التي وصفت بأنها كانت مفيدة وناجحة ومثمرة، مشيراً إلى توافق في الرؤى.
ورغم التجاوب خليجياً مع دعوات حلف شمال الأطلسي، وهو ما عكسته التصريحات واللقاءات المكثفة بين الجانبين، فإن هناك ملاحظتين تجدر الإشارة إليهما:
الأولى: لا توجد رؤية خليجية موحدة إزاء مقترحات الناتو.. ففي الوقت الذي أعلنت فيه أربع دول، هي: الكويت وقطر والإمارات والبحرين، موافقتها على تلك المقترحات، لايزال موقف كل من السعودية وسلطنة عمان غير محدد.
الثانية: لا يتضمَّن عرض الناتو مقترحات للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، ككتلة واحدة، وإنما الصيغة الثنائية هي المقترحة (27+1)، وهو ما يعني أن دولة ما قد تختار برامج مهارات المراقبة البحرية، وأخرى تفضّل العمل على الحدود الأرضية وغير ذلك، وبالتالي لا تكون هناك صيغة موحدة للتعامل مع برامج الناتو المقترحة، ما يحد من التنسيق الخليجي في مجال الدفاع.
المبحث الرابع: حلف شمال الأطلسي ومستقبل العلاقة مع دول الخليج
لقد أُثيرت في الاجتماع السنوي الخمسين لأعضاء الناتو في أبريل 1999 بعض النقاط حول دخول الناتو منطقة الخليج العربي، ودوره العسكري فيها، وقد عارض هذا الاقتراح خصوصاً أعضاء المنظمة من الدول الأوروبية الأقوياء، مثل فرنسا وألمانيا.
لكن أظهرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتفجيرات الإرهابية في لندن ومدريد عام 2004، الحاجة إلى التصدي للإرهاب ونطاقات وجوده بصورة أكبر، والاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، باعتبارهما من المناطق المعرضة للخطر، أكثر من ذي قبل، وقد تبيَّن ذلك جلياً من خلال «استراتيجية الدفاع الوطني الأميركي»، التي أكدت أهمية التعاون العسكري مع دول الخليج العربي، بوضع استراتيجيات دفاعية خليجية يمكن أن تتكامل مع الاستراتيجية الأميركية.. وعلى الرغم من وجود خلافات بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا حول كثير من أهداف ومهام السياسة الخارجية، فإنهما متفقتان على مد نطاق الناتو إلى منطقة الخليج العربي.
وعلى الرغم من إعلان مسؤولو حلف الأطلسي، أن دوله تواجه الأخطار نفسها التي تواجهها دول الشرق الأوسط، ومن بينها الدول الخليجية الست (الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل)، فإن القضية الأهم في هذا الشأن، هي أمن الخليج، والدور المحتمل أن يقوم به الحلف مستقبلاً في الترتيبات الأمنية مع كل دولة خليجية على حدة، وتثير تلك العلاقة الجديدة عدة إشكاليات:
الأولى، كيف يمكن للدول الخليجية التوفيق بين التزاماتها، في إطار الاتفاقيات الأمنية الثنائية المبرمة مع بعض أعضاء الناتو، ومنها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، والصيغ الجديدة المقترحة من جانب الناتو، فضلاً عن الدفاع الخليجي المشترك في إطار قوات درع الجزيرة؟ بمعنى آخر، هل يمكن التوفيق بين المصالح الوطنية والمصالح الإقليمية والمصالح القومية؟
الثانية، كيفية تعامل الدول الخليجية مع أطراف المنظومة الأمنية الإقليمية التي قد يقترحها الناتو مستقبلاً، والتي تضم إلى جانب الدول الخليجية عددا من الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا وإسرائيل، خصوصاً أن الناتو، مهما بلغت قدراته العسكرية، لا يملك حلولاً جذرية لمعضلات تعانيها المنطقة الخليجية عموماً، ويأتي في مقدمتها الخلل بين أطراف تلك المنظومة.
أما الثالثة، فكيف يمكن للدول الخليجية الست التوفيق بين التزاماتها تجاه الناتو والتزاماتها العربية بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي، في ظل تزايد حدة التوجه الشعبي الخليجي تجاه قضية التطبيع مع إسرائيل، ابتداءً بتأسيس مؤتمرات لمناهضة التطبيع، ومروراً ببعض التظاهرات التي شهدتها بعض الدول الخليجية، احتجاجا على الممارسات الإسرائيلية، وهنا تجدر الإشارة إلى تأكيد عدد من الأكاديميين الخليجيين الذين شاركوا في مؤتمر تحولات الناتو وأمن الخليج، الذي شهدت فعالياته مدينة الدوحة عام 2004، على أن أي صيغة للتعاون مع الناتو لن تحظى بالقبول، إلا بعد حلّ الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن ثم فإن محاولات الناتو لإجراء مثل هذه الحوارات مع الدول الخليجية، هو إيجاد نوع من التطبيع العسكري مع إسرائيل، حتى في ظل تماديها في أعمال القتل والتخريب والدمار ضد الفلسطينيين.
وتتفق الأهداف الأميركية – من جر «الناتو» إلى منطقة الخليج العربي – مع أهمية هذه المنطقة بالنسبة للناتو، فالخليج العربي له أهميته لأسباب عدة، أبرزها: النفط وتأمين موارده وخطوط انتقاله، حيث تنتج دول الخليج العربي يومياً 26 مليون برميل. وتتوقع «أوبك» أن يزيد هذا المعدل عام 2020 إلى 35 مليون برميل يومياً، ويوجد في الخليج العربي أيضاً ما يقرب من نصف احتياطي الغاز في العالم، وتستحوذ كل من إيران وقطر والسعودية والإمارات على المراكز من الثاني إلى الخامس من احتياطي الغاز في العالم.
وقد أشار المفهوم الاستراتيجي الجديد للناتو إلى أن مصالح دول الحلف الأمنية يمكن أن تتعرَّض للخطر من قطع مصادر الطاقة (مثل النفط)، ولهذا ناقشت الدول أعضاء الناتو عام 2006 قضية أمن الطاقة، ووافقت في اجتماع القمة في بوخارست (2008) على تفعيل التحالف في هذا المجال بصورة أكبر.
إضافة إلى ذلك، فإن مواجهة الجماعات الإسلامية الأصولية ومنع حصولهم على أسلحة الدمار الشامل من الأسباب الأخرى لاهتمام الناتو بالمنطقة.
ويسعى الناتو في هذا السياق لملء فراغ القوة في منطقة الخليج، في ظل حالة الغياب العربي الواضح عن ترتيبات الأمن في الخليج، ما يتيح لقوى أخرى، مثل إيران، الاستفادة من هذا الوضع.
فمنذ حرب الخليج الثالثة 2003 ومنطقة الخليج تعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني، حيث زادت قوة إيران الإقليمية، ما دفع الدول الخليجية – أكثر من ذي قبل – إلى القوى فوق الإقليمية، لإحداث توازن في ميزان القوى في النظام الإقليمي الخليجي، في ظل استمرار إيران لاحتلال الجزر الإماراتية، ومطالبتها بعودة البحرين لسيادتها، واستمرار محاولاتها التدخل في الشؤون الداخلية، وقد ساعد هذا الوضع على زيادة الروابط بين دول مجلس التعاون وحلف شمال الاطلسي.
من ناحية أخرى، يمكن القول إن قدوم حلف شمال الأطلسي إلى منطقة الخليج العربي يعني محاصرة إيران استراتيجياً، فوجود قواته في أذربيجان في شمال إيران، وتركيا والعراق في الغرب، وأفغانستان في الشرق، والخليج العربي في الجنوب، يعني محاصرة إيران من كل جانب.. وعلى الرغم من تعاون طهران مع الناتو في بعض المجالات في أفغانستان، لكن من الواضح أنه لا يمكن اعتبار إيران «صديقة» له.
وحدد حلف شمال الأطلسي معالم استراتيجيته الجديدة التي لم تشتمل على بند مواجهة «الخطر الشيوعي»، بل أصبحت مهمته الأساسية لعب دور حاسم في السياسة الخارجية بتحديده للتهديدات المقبلة ووظائفه المستقبلية، في ظل نظام أحادي القطبية، فقد شملت معالم الاستراتيجية الجديدة؛ محاربة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتأمين موارد الطاقة وخطوط إمدادها والتصدي لطموحات إيران بعيدة المدى في المنطقة.
كما هيأت مبادرة إسطنبول للتعاون 2004 مجالا لتوسيع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والناتو، وقد بحثت أيضاً مسألة انضمام دول أخرى لها.
ولاشك أن مجالات تعاون الناتو مع دول الخليج العربي ستزداد، نتيجة لسياساته المعتمدة على أسلوب الحوار والمشاركة والاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاحات السياسية، وبناء برامج التنمية المستدامة والبشرية ودورها في حماية البيئة، وبدخول دول الخليج العربي بتحالفات معه ستتغيَّر موازين الحكم والقوة والأمن في منطقة الخليج العربي وفي منطقة الشرق الأوسط بأكمله.
استنتاجات وتوصيات
مع انتهاء الحرب الباردة وتحوُّل النظام الدولي من ثنائي القطبية إلى أحادي القطبية، وسيطرة الولايات المتحدة الأميركية على مجمل العمليات العسكرية، أضحى الحلف واحداً من الفاعلين المؤثرين في البيئة الدولية، حيث تسمح استراتيجيته الجديدة التدخل في دول من خارج نطاقه الجغرافي.
فلم تعد مهمة الحلف أمنية عسكرية بالأساس، وإنما اكتسبت أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى، انطلاقا من حتمية الربط ما بين الأمني والسياسي في الشرق الأوسط، بصفة عامة، ومنطقة الخليج العربي خصوصا، ولاسيما أن هذه الأخيرة تمتلك أهم مصادر الطاقة لدول الحلف، وتقوم الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي على محاور رئيسة، منها: تحديد مصادر التهديد، وتعيين مسرح جديد للعمليات، إضافة إلى توفير المرجعية السياسية لاتخاذ القرار.
وهذه الأخطار ذات أهمية بالغة، لدرجة أنها ألقت بظلالها على معايير الحلف في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.. فعلى الرغم من أن الدول المتعاونة مع الناتو في الخليج العربي لا تتمتع بمعايير جيدة في هذا المجال، فإنه سيواصل تعاونه معها في مجال محاربة الإرهاب.
كما أن دور الناتو خلال المرحلة المقبلة مرشح للنمو والتصاعد، خصوصا في ظل التوجه الذي يرى ضرورة الربط بين ضمان الاستقرار والأمن وتحقيق الإصلاح السياسي لدول المنطقة.