
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات مطالبة بترشيد الإنفاق العام للدولة، حتى ولو كان هذا الترشيد على حساب المشاريع الرأسمالية المهمة التي تحتاجها الكويت.. وفي الوقت الذي نسمع فيه منذ عدة أشهر عن تعليمات مشددة من وزارة المالية بترشيد الإنفاق في وزارات وهيئات الدولة المختلفة، نجد الحكومة تتمادي في البذخ والإهدار المالي وتنفق 2.5 مليون دينار (ما يعادل 8.6 مليون دولار) مهمات سفر لموظفي شركة البترول الوطنية لمشروع الوقود البيئي.
أرقام موثقة
وهذا الرقم المذكور مؤكد وموثق، حيث كشف عنه وزير النفط علي العمير في جواب عن سؤال برلماني، مبيناً أن مصروفات رحلات عمل موظفي مشروع الوقود البيئي من تاريخ موافقة المجلس الأعلى للبترول على الميزانية النهائية للمشروع، وحتى تاريخه (الأسبوع الماضي) بلغت 2.52 مليون دينار، مع العلم أن المشروع لا يزال في طور استكمال الإجراءات الضرورية للبدء في تنفيذه وفق الخطة الموضوعة، وما تم حتى الآن هو توقيع عقود استشارية مع بعض الشركات، وإعداد المناقصات والمواصفات الفنية وتهيئة مواقع المشروع في مصفاتي ميناء عبدالله وميناء الأحمدي، واعتماد قائمة تأهيل المقاولين من قبل لجنة المناقصات المركزية، وهو ما يعني أن هذا المبلغ من الممكن أن يتضاعف عدة مرات مع نهاية المشروع.
وأظهرت أرقام قدّمها العمير، رداً على سؤال برلماني مقدّم من النائب نبيل الفضل، انتداب 57 موظفاً في المشروع لرحلات عمل، زادت تكاليف بعضها على 100 ألف دينار(342 ألف دولار) من دون احتساب تذاكر السفر، وهناك 7 رحلات لم تسجّل عليها أيّ تكلفة، ربما لأنها مغطّاة التكلفة من خارج ميزانية المشروع أو من جهات أخرى.
تذاكر السفر
ووفق الأرقام، التي سردها الوزير العمير، بلغت تكلفة تذاكر السفر 362.6 ألف دينار (1.2 مليون دولار)، أي بمتوسط 7250 ديناراً لكل من الموظفين الـ 50 الذين تمت تغطية تكاليف سفرهم من ميزانية المشروع، كما بينت الأرقام وجود 19 اسماً تم ابتعاثهم في مهمات طويلة الأجل، يرجّح أنها في إطار برنامج الابتعاث لمكاتب المقاولين لمدة 6 أشهر وما فوق. وتوضح الأرقام أن أعلى المهمات تكلفة هي لأحد المهندسين بقيمة 107 آلاف دينار – عدا تذكرة السفر- فيما تجاوزت تكلفة سفر 20 موظفاً حاجز الـ 50 ألف دينار لكل منهم.
ميزانية العام المقبل
والغريب أن الحكومة أقدمت على مثل هذا التصرف في الوقت الذي تعاني فيه أسعار النفط من تراجع منذ منتصف العام الماضي، وكل التحليلات الاقتصادية المحلية والعالمية تؤكد بقاء أسعار النفط على هذا الوضع المتدني غالبية العام الجاري، وأنه لا تحسن للأسعار قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري، أو بداية العام المقبل، وهو ما يعني تراجع إيرادات الكويت خلال العام الجاري، والوصول إلى العجز المالي، وهذا ما تؤكده أرقام الموازنة العامة للدولة للسنة المالية المقبلة، والتي أعلنها وزير المالية أنس الصالح الأسبوع الماضي بعد إقرارها في مجلس الوزراء، إذ بين الصالح أن التقديرات تشير إلى بلوغ الإيرادات – النفطية وغير النفطية- في موازنة 2015/ 2016 نحو 12 مليار دينار (قدرت الإيرادات النفطية على أساس 45 دولاراً للبرميل، وحجم إنتاج 2.7 مليون برميل في اليوم)، فيما تبلغ المصروفات المقدرة للرواتب وما في حكمها 9.99 مليارات، وللدعم 3.77 مليارات، أي إن الإيرادات لا تكفي حتى لتغطية الإنفاق على الأجور والدعم، مبيناً أن هناك 6.6 مليارات دينار لنحو 521 مشروعاً بين إنشائي وغير إنشائي للوزارات والجهات المستقلة، ليصل إجمالي الإنفاق قبل استقطاع نسبة الأجيال القادمة أكثر من 19 مليار دينار، بانخفاض نحو 4 مليارات دينار، مقارنة بإنفاق السنة المالية الحالية، مشيراً إلى أن العجز المقدر في ميزانية العام المقبل سيبلغ 8.2 مليارات دينار، لأن الإيرادات ستكون متراجعة 64 % قياساً بإيرادات 2013/ 2014، مبيناً أن الميزانية المقبلة تحتاج إلى برميل نفط بسعر 77 دولاراً (بارتفاع دولارين عن ميزانية العام الحالي)، لتغطية المصروفات واستقطاع نسبة احتياطي الأجيال المقبلة، لافتاً إلى أن الحكومة تبحث كيفية تغطية هذا العجز عبر آليتين، إما السحب من الاحتياطي العام، وإما الاقتراض من السوق التجاري، سواء كان المحلي بالدينار، أم الأجنبي بالدولار، والوزارة تبحث أي الخيارين أفضل.
وفي خضم كل ذلك، وفي الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة وضع سقف أعلى للإنفاق، وتخفيض المصروفات الثانوية، نجد كل هذا الإنفاق والبذخ على بند مصروفات رحلات العمل لموظفي مشروع الوقود البيئي.
التصرف بحكمة
والمؤكد أن أسعار النفط لن تعاود الارتفاع في أوقات قريبة، وهذا ما أكدته تقارير عدة، حيث توقع تقرير صادر عن مجموعة «يو بي أس» لإدارة الثروات، المزيد من التراجع في أسعار النفط الخام على المدى القصير، مشيراً إلى أن بدء التعافي لن يكون قبل نهاية النصف الأول من 2015، ليستقر سعر البرميل بين 67 و70 دولاراً للبرميل مع اقتراب عام 2016. وحتى في حال صدقت هذه التوقعات، وارتفعت الأسعار إلى هذه المعدلات، فإن خطر العجز المالي سيظل قائماً، حيث إن هذه المعدلات أقل من المعدلات التي يمكن أن تحقق فوائض مالية للكويت، وفقاً لما ذكره وزير المالية الذي أكد أن الكويت تحتاج إلى برميل نفط عند 77 دولاراً، لتحقيق التعادل في ميزانية العام المقبل. ونصح التقرير المستثمرين في أنحاء الشرق الأوسط، وما وراءه، بالحد من انكشافهم على النفط الخام على المدى القصير، مؤكداً أن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لتبني أي انكشاف مباشر لفترة طويلة على النفط الخام، والسؤال الآن: أليس كل ذلك يقتضي منا الحكمة في الإنفاق، حتى ولو كان ذلك على حساب مشروعات مهمة، وليس سفريات وتنقلات؟!.