
ترجمة: ظافر قطمة
تناولت مجلة «بي ام جي» تأثيرات الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين، وكيف أنها خذلت الشعوب، وحرصت على المصالح الشخصية فقط، وقالت المجلة في افتتاحية بقلم المعلق ريتشارد ويلكنسون:
ربما كانت شعبية كتاب توماس بيكيتي بعنوان «كابيتال» مفاجأة النشر لهذا العام، ولكن ذلك ينطوي على مفارقة لثلاثة أسباب؛ الأول هو أن صفحاته الـ 700 تخلو من الإثارة، والثاني أنه يروق بشكل رئيسي لمن يتملكهم القلق إزاء عدم المساواة، على الرغم من أن مجادلته الرئيسة، هي أن عدم المساواة المتزايدة قد بنيت داخل الرأسمالية، وسوف يصعب التغلب عليها، والسبب الثالث هو أن رسالة بيكيتي بالنسبة لمن يعد منا المزيج المكون من درجة متدنية من عدم المساواة والقليل أو الغياب التام للنمو الاقتصادي مثل شرط مسبق للاستدامة البيئية غير مرحب بها بصورة مضاعفة، فهي تشير ضمناً إلى أن النمو الاقتصادي الأبطأ يفضي إلى زيادة أسرع في عدم المساواة، وهكذا هل تردد جاذبية هذا الكتاب تحفة ماركس الأدبية من حيث تحميل اللوم إزاء زيادة عدم المساواة إلى الرأسمالية، بدلاً من الاقتراح القائل إن إصلاحات طفيفة يمكن أن تحل المشكلة؟
وقد تنبع شعبية كتاب نعومي كلين الأخير بعنوان «هذا يغير كل شيء» من المصدر ذاته – وعنوانه الفرعي «الرأسمالية في مواجهة المناخ» من إظهاره كيف اشترت الشركات الكبرى، وخاصة شركات الوقود الأحفوري، الحكومات والعديد من مجموعات حماية البيئة عبر تخفيف مقترحات سياسة وتشريعات واتفاقيات بيئية دولية، وحتى الالتزامات البيئية التي كثر الحديث عنها لعدد من الصناعيين الرئيسيين لم ترقَ إلى مستوى وعودهم.
المهم أننا أهدرنا القليل من الوقت الذي كان لدينا، من أجل خفض انبعاثات الكربون بصورة جوهرية، بحيث إن دعاة البيئة أصبحوا يعتقدون بشكل متزايد أننا نتوجه نحو ارتفاع كارثي في درجات الحرارة.
إن المسار المتنامي للمؤسسات (بما في ذلك بي ام اي) إزاء عدم الاستثمار في شركات النفط الأحفوري، هو تعبير مرحَّب به، لعدم الاستفادة من أرباح الشركات التي تعد في نهاية المطاف مسؤولة عن انبعاثات الكربون، ولكن مَن يملك أسهمها ويحصل على أرباحها يشكل فارقاً طفيفاً بالنسبة للشركات ذاتها.
ملاذات آمنة
كتاب آخر يشن هجوماً رئيساً على الرأسمالية على أسس صحية هذه المرة، هو للكاتب نيكولاس فرودنبورغ، بعنوان «مهلك ولكن قانوني»، وهو يطرح أدلة على أن الطعام والكحول والتبغ والسيارات والمواد الصيدلانية وصناعات الأسلحة هي الآن المصادر الرئيسة للضرر بالنسبة للصحة العامة. وفي النزاعات التي لا نهاية لها بين المصالح العامة ومصالح الشركات تستخدم الأخيرة ثروتها الدعائية الضخمة ووسائل الإعلام والنفوذ السياسي للدفاع عن نفسها، وهي تعمد إلى شراء رجال السياسة، وتستمر في رفع مبيعاتها إلى الحد الأقصى في وجه أدلة واسعة على الضرر، نتيجة البدانة والإسراف في تناول الخمر والأمراض المتصلة بالتدخين والأضرار البيئية.. إلى آخر ما هنالك.
وإذا أردنا أن نبرهن على أن السلوك اللاجتماعي للشركات الكبيرة يمثل مشكلة كبيرة، فإن ذلك يتضح من خلال تهربها من الضرائب في الآونة الأخيرة، ويراوح تقدير تكلفة تهرب الشركات من الضرائب بالنسبة لحكومة المملكة المتحدة بين 4 و12 مليار جنيه استرليني.
وقد ذكر مكتب المساءلة الحكومي في الولايات المتحدة في عام 2008، أن 83 في المائة من أكبر 100 شركة أميركية لديها فروع في ملاذات آمنة من الضرائب، وأبلغت شبكة العدالة عن وجود 99 من أكبر شركة أوروبية تستخدم أيضاً الملاذ الآمن، وهي تقدر بأن أكثر من نصف تجارة العالم تمر – بشكل اسمي – عبر ملاذات آمنة، بغية تفادي أو خفض الضرائب، كما أن كمية المال التي تفقد عبر عوائد الضريبة في الدول النامية تتجاوز كثيراً كل مساعدات التنمية الدولية.
وإضافة إلى تفادي الضريبة والأموال الضخمة التي يظهر كلين أن صناعة الوقود الأحفوري تضخها من أجل تخريب جهود خفض انبعاثات الكربون يبدو أن أذرع التسويق والإعلان المتقدمة لديها عازمة بقوة على تحقيق الحد الأقصى من المبيعات والاستهلاك، على الرغم من أن العملية الاستهلاكية تشكل عقبة كبيرة في طريق الاستدامة البيئية.
ولكن هذه الاستهلاكية ليست ببساطة انعكاساً للرغبة في البيع، فهي تعبير عن أهمية وضع المنافسة بين المستهلكين. وتظهر البحوث أن قلق الوضع يتفاقم من خلال ازدياد عدم المساواة في الدخل. ونتيجة لذلك، يعطي الناس في مجتمعات عدم المساواة أولوية أكبر إلى شراء بضائع الوضع وهم يعملون أيضاً لساعات أطول ويوفرون كمية أقل من المال ويغرقون في الديون بقدر أكبر.
وعدم المساواة يجعل المال أكثر أهمية، لأنه يصبح المعيار الرئيس لإظهار وضعنا وقيمتنا بالنسبة للآخرين.
خشية السياسيين
ولكن إذا كان مستقبلنا يكمن في تحقيق الحد الأعلى من الرفاهية، بدلاً من النشاط الاقتصادي، فسوف نحصل على عون مما يدعى «الحقيقة الملائمة»، وليس الاستفادة من مزيد من النمو الاقتصادي، والصحة والسعادة في الدول الغنية تتحققان الآن عبر جودة العلاقات الاجتماعية وحياة المجتمع. ويبدو كما لو أن القدر الأكبر من عدم المساواة سوف يخفض الوتيرة الاستهلاكية ويحسن البيئة الاجتماعية.
ويتعيَّن ألا تغيب عن ذهن المجتمعات العصرية حقيقة، أن ضمان الإنتاج يتم في خدمة الصالح العام والإنسانية والكوكب، وتكمن العقبة في كون الشركات الكبرى على درجة من القوة، بحيث إن السياسيين المنتخبين بصورة ديمقراطية يخشون التعرض لها، وتتملكهم خشية أكبر من التفكير في بدائل.
وقد قدر مكتب صحافة التحريات، أن الصناعة المالية البريطانية تنفق في سنة واحدة فقط أكثر من 92 مليون جنيه استرليني، من أجل استمالة السياسيين والمنظمين «في حرب استنزاف حققت شريحة من الانتصارات في السياسة».
والسؤال هو؛ ماذا لو أن هذا الرقم كرس في قطاعات أخرى، مثل الأدوية ومعالجة الأطعمة والأسلحة والطاقة والكحول؟ ولكن المؤكد أن ذلك سوف يشمل العملية السياسية الديمقراطية.
هل يصبح توسيع الديمقراطية، لتشمل الحياة الاقتصادية جزءاً من الحل؟ النماذج التجارية الأكثر ديمقراطية تشمل شركات مملوكة وتخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة لبعض أو كل موظفيها، وشركات بدرجات متفاوتة من تمثيل للموظفين في مجالس إدارتها والتعاونيات الاستهلاكية والاتحادات الائتمانية، وهي تشمل منظمات مختلفة، مثل أوركسترا سيمفونية لندن، وتعاونيات موندراغون، وكليات أوكسبريدغ وشراكات جون لويس وويتروز وسوما هولفودز، وديفاين تشوكولت، وكافيه ديركت وربما غور – تكس.