كتب محرر الشؤون الدولية:
مرة أخرى، تعود العلاقات الأميركية – الإسرائيلية إلى التوتر من جديد، وذلك على خلفية الموقف من إيران، وما أحدثته دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإلقاء كلمة في الكونغرس الأميركي، قبل أيام من الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، من توتر في العلاقات مع واشنطن، كون الدعوة صدرت من رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر، من دون تشاور مع البيت الأبيض، ما يُعد انتهاكا للبروتوكول، لأن المعتاد أن رئيس الدولة هو الذي يدعو الزعماء الأجانب لزيارة واشنطن.
ولا يبدو أن نتنياهو أبلغ إلى الرئيس باراك أوباما الدعوة قبل أن يقبلها، ما يؤكد زيادة التوتر في العلاقات بينهما، والنتيجة أن نتنياهو سيلقي كلمة في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس في الثالث من مارس المقبل للمرة الثالثة، وسيحضر أيضاً مؤتمراً لجماعة الضغط اليهودية القوية الموالية لإسرائيل (إيباك)، وذلك ضروري لأي زعيم إسرائيلي.
انتقاد وصدام
وفي هذا الموقف، يكون البيت الأبيض قد التقى المعارضة الإسرائيلية في توجيه الانتقاد الشديد إلى نتنياهو.. فبينما اعتبرتها أوساط البيت الأبيض تدخلاً من نتنياهو إلى جانب الجمهوريين، الذين يريدون تشديد العقوبات على إيران، خلافاً لموقف الرئيس باراك أوباما، المؤيد لمواصلة الاتصالات الدبلوماسية مع طهران، اعتبرتها المعارضة الإسرائيلية تدخلاً من الجمهوريين، لدعم فرص نتنياهو للفوز في الانتخابات العامة.
وأوجز معلق إسرائيلي بارز الصدام بين نتنياهو والبيت الأبيض بالقول إن دعوة نتنياهو لإلقاء كلمة أمام الكونغرس، بمثابة «عملية تفجيرية سياسية ضد منافسيه في الانتخابات، سواء معسكر الوسط أم اليمين، الأكثر تطرفاً، وعملية تفجيرية سياسية ضد جهود البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق تاريخي مع إيران حول مشروعها النووي».
لكن الإعلام الإسرائيلي توقف عند تصريح كيري «غير المألوف دبلوماسياً»، بأنه فهِم من أعضاء في الكونغرس زاروا إسرائيل الأسبوع الماضي، والتقوا قادة أذرعها المخابراتية (في إشارة إلى رئيس الموساد تمير بدرو) بأنه يعارض تشديد العقوبات على إيران، لاعتقاده بأن الأمر سيتسبب في تفجير المفاوضات، ولاحقاً نفى بدرو أن يكون موقف كهذا بدر عنه.
وقال المعلق السياسي في الإذاعة العامة إن كيري «رد الصاع صاعين» لنتنياهو على مسعاه لنسف العملية الدبلوماسية التي يقودها الرئيس أوباما حيال إيران، حين كشف أن رئيس «موساد» لا يتفق مع رئيس حكومته في الملف الإيراني، إنما مع موقف الرئيس الأميركي. وتابع أن ثمة شعوراً في البيت الأبيض، بأن نتنياهو قبل على نفسه أن يكون أداة بيد الجمهوريين لمناكفة الرئيس أوباما.
تدخل وتحدٍ
واتفق المنتقدون على أن الدعوة تحمل في طياتها تحدياً كبيراً من جانب نتنياهو للبيت الأبيض.
وفيما اعتبرتها أوساط الإدارة الأميركية تدخلاً خارجياً في أوج نقاش أميركي داخلي حول الملف النووي الإيراني، بين النواب الجمهوريين الذين يسعون لتشريع قانون بتصعيد العقوبات على إيران، والرئيس الأميركي المتمسك، كما أوضح في خطابه الأخير، بالجهود الدبلوماسية، ملوحاً بأنه سيستخدم «الفيتو» لمنع مثل هذا القانون، اعتبرها قادة أحزاب المعارضة في إسرائيل تدخلاً من الجمهوريين في المعركة الانتخابية في إسرائيل وإعلاناً صريحاً لدعمهم نتنياهو.
من جانبه، يرى نتنياهو في قبوله الدعوة، أنه يحقق أهدافاً عدة، من بينها عرض وجهات نظره أمام كونغرس يقوده الجمهوريون، ويكيل له المديح قبل أسبوعين من توجه الإسرائيليين إلى الاقتراع في 17 مارس المقبل.
ومع أن هذا قد لا يؤدي إلى تغيير رأي الناخبين الذين لم يستقروا على اختيار معيَّن، فإن هذا الحدث نوع من الظهور وقت الذروة، وقد يعزز قاعدته الانتخابية، ويساعد نتنياهو الذي تتساوي فرص حزبه مع فرص ائتلاف يسار الوسط المنافس، على ما تفيد معظم استطلاعات الرأي.
وكي تبدو الرحلة مثمرة، ربما سمح الحدث أيضاً لنتنياهو، المؤيد المتحمس لموقف أكثر تشدداً من إيران، بأن يزايد على الرئيس الأميركي، ويستعرض مؤهلاته كصقر أمني عالمي، وتلك رسالة لها صداها في الداخل. يُضاف إلى ذلك أن هناك فرصة لتقوية علاقاته الوثيقة بالفعل مع القيادة الجمهورية، قبل انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة.
بين نتنياهو وأوباما
وقد تكون هناك أسباب قوية لذهاب نتنياهو إلى واشنطن، من دون إرادة أوباما، لكن صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية نقلت عن مسؤول أميركي، لم تسمه، قوله إن رئيس الوزراء «بصق» في وجه الرئيس، وعليه، فإن هناك مخاطر إلى جانب الثمار التي سيقطفها. ولربما تقترب رئاسة أوباما من نهايتها، لكن عامين وقت طويل، وقد أظهر الرئيس الأميركي من قبل استعداداً لاتخاذ قرارات جريئة إذا حانت لحظتها، مثلما فعل مع كوبا والهجرة.
حتى حقيقة أن نتنياهو لن يجتمع مع أوباما قد تكون في مصلحته، فهو تعبير عن الصد من جانب الرئيس الأميركي، لكن الاجتماعات السابقة بينهما كانت فاترة، وجعلت نتنياهو يبدو محرجاً وفي موقف دفاعي، ولأنه لم يبقَ من رئاسة أوباما الأخيرة إلا أقل من عامين، فمن الصعب أن يسعى نتنياهو إلى التقارب معه.
لكن الأكثر إثارة للقلق، على ما يرى معلقون إسرائيليون، هو الطريقة التي صادق بها نتنياهو الجمهوريين، وأفضت إلى علاقة بحزب، وليست علاقة بين دولتين، حيث كتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بنكاس في «يديعوت أحرونوت» يقول: «هذه العلاقات مع أميركا أكبر ركيزة استراتيجية لإسرائيل منذ إنشائها».
وأضاف «نتنياهو أضعف ودمر القناة الشخصية، وأوجد صدعاً لم يسبقه مثيل، في العلاقات بين رئيس (أميركي) ورئيس وزراء (إسرائيلي)».