في ندوة مهرجان القرين الثقافي الـ21: العربي في رواية الآخر.. صورة نمطية تكرست بشكل قوة ناعمة

جانب من الندوة
جانب من الندوة

كتب محمد جاد:
تصدَّرت مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ 21، التي استمرت فعالياتها بداية من 5 إلى 22 يناير، ندوة رئيسة جاءت تحت عنوان «المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر»، وهو عنوان مهم وله من الدلالات أهمية قصوى، وخاصة في ظِل الظرف الراهن الذي يعيشه العرب وكل مَن ينتمي ويحمل الجنسية العربية، والذين ساهموا بشكل كبير في تشويه صورتهم بأنفسهم، من خلال أفعال ومواقف يجدها الغرب دوماً فرصة لتأصيل وجهة نظره في السلوك العربي بوجه عام.

الأمر الآخر الذي يدل على وعي مَن قام باختيار هذا العنوان، أن الاختيار جاء من خلال أكثر الأشكال الفنية رواجاً وتأثيراً اليوم، ألا وهو الرواية، فالسرد الروائي أصبح أفضل مُعبّر عن ثقافة وفكر فئة أو شعب من الشعوب، وقد أشار إلى ذلك الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، علي اليوحة، الذي يرى أن هذا العنوان يدل على أن الذات والآخر لا يتحققان إلا من خلال وجودهما معاً، فهما دوماً في حال ارتباط تعريف ووجود، فرؤية الآخر هي بالأساس رؤية للذات في المقام الأول.

شعار المهرجان
شعار المهرجان

هيمنة الغرب

في بحث بعنوان «تحولات صورة العربي في سرد الرحلة الغربي» يُشير د.صبري حافظ إلى مصطلح «الغرب»، الذي انطلق من الغرب الأوروبي حتى الغرب الأميركي، والذي بدأت نهضته الحقيقية بعد نهاية الحروب الصليبية، ويرى أن هناك نقطة تحوُّل فارقة عند الحديث عن دور السرد في تبني وجهة النظر المهيمنة، بل وأصبح السرد مجالاً لتكريس آليات الهيمنة الغربية على الآخر، بحيث أصبح الغرب يتحدث ويُصدّر خطاباً يُترجم رؤيته للعالم وللآخر بالضرورة، وخاصة العربي المسلم.

تتحدد هذه النقطة في عام 1492، مع خروج آخر عربي من الأندلس، وقد أصبحت الثقافة الغربية تشعر وتؤكد تفوقها ومركزيتها، لأنها بحكم التاريخ هي التي تتصدر الدورة الحضارية حتى الآن.

بدايات التعصب

من ناحية أخرى، يُشير صبري حافظ إلى أن بدايات التعصب الديني والعرقي ومحاكم التفتيش بدأت هي الأخرى في هذا التاريخ، وما تبعه من كشوف جغرافية وصراعات دموية بين القوى الأوروبية الصاعدة وعصور استعمارية تنهض على نهب الآخر وتدمير ثقافته وفرض ثقافة الأنا الأوروبية الصاعدة وأنماطها.. هذه النظرة التي لم تتغيَّر حتى الآن، فقط في الأساليب المختلفة لفرض الهيمنة ووجهة النظر الأحادية، كاستخدام القوة الناعمة أكثر من القوة العدائية.

وحاول حافظ عقد مقارنة بين طبيعة الحياة قبل سقوط الأندلس وبعدها، ورأى أنه ساد نوع من التبادل الثقافي السلمي المفتوح في العالم، لا في الأندلس وحدها، التي كانت خاضعة للرؤية العربية الإسلامية الحضارية للعالم، بما في ذلك احتضانها للديانات السماوية السابقة عليها والاعتراف بها وبمعتنقيها وإفساح المجال لهم لممارسة عقائدهم وشعائرهم.. وهي رؤية محل نقد، حتى وإن كان مناخ الأندلس أفضل من المناخ الأوروبي، إلا أن حالة التسامح ــ لاحظ لفظ التسامح ــ لم تكن مُطلقة، وكما ذكرنا أنها رؤى للعالم، ودورات حضارية تتوالى، فالمناخ الإسلامي لم يزدهر إلا من خلال البلاد التي تم غزوها تحت راية الدين، كما أن مفردة «الأعجم» ستظل تشير إلى تفرقة مُتعالية من قِبل العرب تجاه غيرهم، ويجب ألا ننسى تقسيم الرؤية الإسلامية للعالم، ما بين دار إسلام ودار حرب.

الصحراء والرحالة الغربيون

وفي بحث آخر بعنوان «من التعرف إلى التملك.. تمثيل أحوال عرب الصحراء في رحلات الغربيين» يرى د.عبدالله إبراهيم، أن الصحراء العربية ومجتمعاتها بقيت مدة طويلة سراً غامضاً بالنسبة للغربيين، حتى مطلع العصر الحديث، واتساع خبرة الغرب بالكشوف الجغرافية، كما يلفت إلى أن العديد من الرحالة الذين جابوا الصحراء العربية عمدوا إلى انتحال الأسماء، فكثير منهم تكتم اسمه الحقيقي، وتكنى بكنية عربية أو تلقب بلقب عربي وأخفى معتقده الديني وادعى امتهان التجارة أو الطبابة أو القدوم لأداء فريضة الحج.

من ناحية أخرى، نجد أن عالم الصحراء وساكنيه شكّل حالة من الجذب والاهتمام لمعظم الرحالة الغربيين، الذين حاولوا سبر أغواره والكشف عنه، هذا الفضاء المفتوح والمثير للفضول والتحدي في آن، وخاصة أن البيئة المغايرة تماما عن البيئة الأوروبية كانت من أهم دوافع استكشاف هذا العالم الغريب، ونتج عن هذا تجارب سردية متفاوتة القيمة، ما بين الإدهاش والكلام المجاني. إلا أننا نرى أنه حتى في حالة التأصيل لهذه الرؤية تجاه صحراء العرب، ورغم مرور الزمن وتقدم وسائل المواصلات وثورة الاتصالات، فالمستوى المعرفي للرجل الأوروبي العادي لا يتخطى وجهة نظر رحالة العصور الغابرة، فصورة العربي وعالمه تأصلا في لاوعي الأوروبي، فالعربي وعالمه يحيطه الغموض والأساطير، ونتج عن ذلك، وبفضل أفعاله، أن تحوَّل إلى رمز التدني الحضاري وعدو الحضارة الأول، وخاصة أن رؤيته للغرب/الكافر ساعدت كثيراً في تشكيل صورته في ذهن غرب العصر الحديث.

العربي يرفض الحياة وفق قوانين مُنظمة، ولم تزل عقلية القبيلة هي التي تسوقه وتتحكم في سلوكه واختياراته، وصولاً إلى عقلية الدين الأوحد الصحيح والحلم الوهمي بعودة حُكم العالم والسيطرة عليه، والنظرة المزمنة لفكرة التآمر التي يتنفسها، وهي فكرة نابعة من سلوكه بالأساس، وبالتالي يرى العالم كله في حالة تآمر، وهي الحالة المشروط بها وجوده الآن.

العرب في الأعمال الفنية

من أشهر الأعمال التي تناولت العرب روايتي (الغريب) لألبير كامو، و(اللاأخلاقي) لأندريه جيد، ومع اختلاف وجهة نظر كليهما، إلا أن العربي الضحية عند كامو وفقاً لظروف نشأته وموقفه من معركة استقلال الجزائر جاءت نظرة مُنصفة إلى حدٍ كبير، من ناحية أخرى نجد العربي في السينما – كشكل من أشكال السرد – وبغض النظر عن نظرية المؤامرة، لم تخرج عن أساطير العصور الوسطى والقرن التاسع عشر، والمُستمدة من لوحات وأعمال المستشرقين، إضافة إلى رجل مثل فيلليني على سبيل المثال لم يجد في فيلمه (إني أتذكّر) سوى صورة رجل يأتي للسياحة في إيطاليا ومعه سرب من النساء – ما ملكت يمينه – فهل تغيَّر شكل أثرياء العرب الآن؟

الصورة لم تزل نفسها، وإن كان وفق تعبير صبري حافظ في شكل قوة ناعمة، ذلك من خلال البذخ والتواجد في علب الليل الأوروبية، وجرائم القتل، بسبب امرأة أو تحت تأثير الخمر.

حالة فوضى الغرائز التي يحافظ عليها العربي كاليقين، والصورة نفسها يراها العربي في الغرب، بأنه كله فاسد ومنبع الشرور والانحلال، الأمر مرهون بما يقدمه العرب للحضارة، وأن يعرف أنه منذ وقت طويل عاش خارجها وأصبح عن جدارة عالة عليها، لا أكثر ولا أقل.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.