رامي مهداوي : إرهاب ما بعد الحداثة!

رامي مهداوي
رامي مهداوي

بعيداً عن لغة الشجب والاستنكار، للهجوم الذي تعرَّضت له صحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية، الذي أسفر عن مقتل عدد من رؤساء تحريرها والعاملين فيها، ثم مطاردة الفاعلين والهجوم واحتجاز رهائن في سوبر ماركت أسفر عن قتل الرهائن الأربع، علينا النظر إلى تفاصيل الأمور، حتى لو كانت ساذجة لا يتقبلها العقل، والخروج من دائرة التهم المسبقة والمعدَّة قبل وقوع أي حدث كان له ارتباط بما تم تسميته «الإرهاب».

لهذا علينا طرح عدد من الأسئلة، والنظر إلى وقائع وحيثيات ما قبل وأثناء وبعد الهجوم على الجريدة.

موقف فرنسا من القضية الفلسطينية متقدم، ويكاد يكون متطابقا مع الموقف الفلسطيني والعربي من الصراع، علينا ألا ننسى ما قام به البرلمان الفرنسي يوم الثلاثاء الموافق 2-12-2014 بالتصويت بالأغلبية لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، حيث صوَّت 339 عضوا مع الاعتراف بدولة فلسطين مقابل 151 مع عدم الاعتراف وامتناع 16 عضواً، علماً أن التصويت تم بحضور وتصويت 490 عضوا من أصل 506 أعضاء هم عدد أعضاء البرلمان الفرنسي.

من جهة أخرى، وإذا ما نظرنا إلى ما أوردته صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، أن هنري روسيل، الملقب بـ«دوفيل دو تون»، وهو أحد مؤسسي «شارلي إيبدو»، انتقد هذا الأسبوع في مجلة «لو نوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية اليسارية، رئيس تحرير «شارلي إيبدو» المعروف بـ «شارب»، واصفا إياه بأنه كان «عنيدا» و«غبيا»، وتساءل «ما الذي جعله يشعر بالحاجة إلى جرّ الفريق للتمادي في هذا الأمر». وأضاف روسيل أن «شارب» هو المسؤول عن مقتلهم «لإفراطه في استخدام رسوم كاريكاتير استفزازية، وتهوره من خلال التقليل من شأن عواقب ذلك على زملائه في الصحيفة».

تلك الفقرة تأخذنا إلى استفسارات ووقائع يجب معرفتها: لم تكن غالبية الناس تعرف اسم صحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية، قبل أن تتعرَّض للهجوم. الفرنسيون أنفسهم يعلمون أن هذه الجريدة كانت على وشك الإفلاس، والسبب في ذلك، هو هجران الكثيرين من قرائها، بسبب النهج العدواني القائم على ازدراء الأديان ونشر الرسوم الكارتونية والكاريكاتورية الساخرة من الأنبياء، ليس فقط النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتظهرهم في أوضاع جنسية مقززة وسافلة، فضلاً عن نشر العديد من الرسوم الساخرة من السود، وزراعة مفاهيم النزعات الطائفية والعرقية العنصرية.

لننتقل إلى الغطاء الذي يحتمي به مناصرو حرية الرأي والتعبير للصحيفة.. الجميع يعلم أن حرية التعبير ليست مطلقة، بالتأكيد هناك حدود وقيود على هذا الحق، خصوصاً بالأسرار الأمنية التي يمكن أن يلحق إفشاءها ضرر على الصعيد الوطني، أو ما يؤثر في الأخلاق العامة والنظام العام، وأيضاً ما يعد تحريضا ودعوة للكراهية العرقية.. المساس بالقومية.. العنصرية أو المذاهب الدينية السماوية وغير السماوية.

وهنا يولد السؤال: هل لفرنسا، التي تدعي الديمقراطية وحرية التعبير، الحق بفرض عقوبة السجن ثلاث سنوات على كل مَن يشكك أو ينكر جرائم النازية، حتى لو كنت باحثا أو مؤرخا تبحث عن المعرفة والحقيقة ولم يكن لك أي هدف في المساس بأجندات سياسية ما؟!

وبناءً على ما سبق، فإن ما قامت به المجلة الفرنسية لا يدخل ضمن باب حرية التعبير، لأنه فعل مسيء للعرب والمسلمين، ويشكّل دعوة للاستفزاز والكراهية.

بالنهاية، أقول لمن يريد أن يحارب «الإرهاب» عليه معرفة أسبابه، وعلينا التفرقة بين الإرهاب والتحرر من جهة، وكذلك علينا أن ننظر إلى الإرهاب الفكري الذي تمارسه دول ما بعد الحداثة على دول العالم الثالث.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.