
لم تزل مسلسلات المتأسلمين تتوالى، ولم تزل الحجج الواهية التي لا تجد ما يبررها تتواتر، لتصبح عقيدة مغلوطة من حيث المبدأ والمنشأ، فتصبح لغة القتل هي اللغة الوحيدة التي لا يعرفون سواها.
لم ولن تكون جريمة صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية هي الأخيرة، طالما يتم تفسير العالم من وجهة نظر أحادية، تعتقد أنها هي الوحيدة التي تمتلك الحقيقة المُطلقة. هذه هي معضلة المتشددين، سواء انتموا إلى الإسلام أو غيره من عقائد الدوغما. وبغض النظر عن ملابسات الحادث، من رسوم كاريكاتورية لشخصيات دينية، منها رسول الإسلام، إضافة إلى تداعيات الحادث وآثاره على سياسة فرنسا، والشبهات التي تدور حول طبيعة الجريمة والتخطيط لها، من حيث سهولة التنفيذ والتخطيط المُحكم، الذي يبدو أنه أقرب للتخطيط المخابراتي. فهي كلها تفاصيل من الممكن أن يُكشف عنها، أو أنها ستغيب كغيرها مثل كثير من الجرائم التي زادت غموضاً بمرور الوقت.
الأمر الأكثر تعقيداً والأكثر مدعاة للأسى، هو الرأي العام في نسبته الكبيرة، فالبعض رفض فعل القتل، كرد على ما قامت الصحيفة بنشره، وقالوا وفندوا سطحية وقصور عقل المجرمين والمتأسلمين عموماً ــ بما أن القتلة ينتمون لدار الإسلام – المشكلة في النسبة الكبيرة التي أيَّدت هذه الفعلة، كرد فعل على الإساءة لنبي الإسلام، رغم أنه لم يكن مقصوداً لذاته، فالصحيفة سخرت من قبل من جميع أصحاب الديانات السماوية منها والدنيوية، ولم يفعل أحد تابعيها ذلك، فلماذا الإسلام؟ ولماذا يتفق العديد من المسلمين على فعل القتل ويباركونه؟
الأمر لا يقتصر على رجل الشارع، بل امتد إلى مُدّعي الإعلام في الفضائيات، وكأنهم بهذا يثبتون حُسن نواياهم وسلوكهم الديني السوي!
الأمر أصبح عقيدة تتنفسها الأغلبية، الأغلبية التي لا تجد إلا القتل وسيلة للدفاع عن نفسها، وقد أعيتها الحُجج، وطالتها قِلة الحيلة، أغلبية أصبحت عالة على العالم وعلى الحضارة، فلم تجد سوى الهمجية أداة تأمنها من خوف، وتوهمها أنها دوماً على صواب، وللأسف، منابع عقيدتها بها الكثير من الشواهد التي من الممكن الاستناد إليها لتعضيد رأيها، من رمي الآخر المخالف في دار الحرب، ورؤيته دائماً وكأنه منبع الشر، الذي لابد من محاربته حتى يؤوب.
المشكلة ليست في المتشددين، بل في الذين يعيشون وفي نفوسهم بذرة التشدد، والتي تنتظر فقط الفرصة، حتى تنمو وتثمر جرائم جديدة، بفضل وهم امتلاكهم الحقيقة المطلقة.