
كتب المحرر الثقافي:
نظراً للأهمية المتزايدة للدراما التلفزيونية، ومدى تأثيرها على المواطن العربي، وخاصة بعد انتشار الفضائيات وتنوُّع الأعمال الدرامية، كماً وربما كيفاً، وفي ظِل سوق سينمائي راكد، من حيث الإنتاج والقيمة، بخلاف بعض التجارب المهمة، قامت مجلة الكويت في عددها الأخير، الصادر هذا الشهر ــ عدد رقم 375 ــ بإصدار كتابها رقم 13، ضمن سلسلة الكتب الخاصة، والذي جاء بعنوان «مدخل إلى الدراما التلفزيونية العربية»، وهي محاولة جيدة لرسم خريطة، ولو على المستوى التاريخي لنمو وتطور هذا الشكل من الدراما، ومدى تأثيره، سواء بالسلب أو الإيجاب.
تضمَّن الكتاب، الذي قام بإعداده الناقد المصري مدير نادي الكويت للسينما عماد النويري، عدة أبحاث نقدية حول الدراما التلفزيونية في العالم العربي، قام بها باحثون ونقاد من عدة دول عربية، حيث تنوَّعت الأبحاث بين ما هو فني واجتماعي، كتحليل لظاهرة الدراما وتأثيرها في الجمهور، من خلال أشهر أعمال هذه الدولة أو تلك. وأصحاب الأبحاث المنشورة، هم: الناقدة ماجدة موريس عن الدراما التلفزيونية في مصر، كوليت بهنا عن سوريا، زهراء المنصور عن الدراما التلفزيونية في دول مجلس التعاون الخليجي، منى سلطاني عن دراما بلاد المغرب العربي، جورج أنيس خاطر عن لبنان، منصور نعمان عن العراق، د.اليسع حسن أحمد عن السودان، أحمد مطهر عقبات عن اليمن، نادر القنة عن فلسطين، وأسامة المسباح الذي كتب عن الدراسات والابحاث العربية والكويتية المتعلقة بالدراما التلفزيونية.
التأريخ
السمة الغالبة على الأبحاث المُقدَمة، هي التأريخ لبدايات التليفزيون، كما في مصر وسوريا عام 1960، وبداية ظهور الأعمال الدرامية، كالحلقات القصيرة، والحلقات الطويلة التي تسمى بالسهرة التلفزيونية، فقد أشارت الناقدة المصرية ماجدة موريس إلى أن الإنتاج بدأ يأخذ شكلا آخر، كما في مسلسل «القاهرة والناس»، ثم صعود الإنتاج الخاص، ثم تناولت موضوع الدراما الرمضانية والدراما الفيلمية، وتحويل أعمال الأدباء إلى الأدب التلفزيوني، وضربت مثلا بـ «زينب والعرش» لفتحي غانم، كما عرضت لأهم المسلسلات التلفزيونية التي قدمها التلفزيون المصري، مثل «ليالي الحلمية»، «أرابيسك» و«زيزينيا»، وهي الأعمال التي قدَّمها الكاتب أسامة أنور عكاشة، والتي شكَّلت طفرة شكلية في المسلسل التلفزيوني، الذي كان يصل إلى 15 حلقة في ما مضى، وأصبح يصل الآن كشكل مُعتمد إلى 30 حلقة، ويصل إلى 40 أو يتعداها في بعض الحالات.
من جهتها، أضافت كوليت بهنا حول الدراما السورية، أنها «حققت مكانة متميزة، بعد انطلاقتها الأولى بالأبيض والأسود، مع بدء البث التلفزيوني عام 1960 حتى نهاية السبعينات، وازدادت ترسخا في العقدين الأخيرين من عمرها، الذي واكب العصر الفضائي».
وبالطبع، أصبح للدراما السورية مكانتها، وخاصة في ما يتعلق بالأعمال التاريخية، وأظهرت حرفية عالية لصنّاع الدراما في سوريا على مستوى الكتابة والتقنية.
الإحصاء واستطلاع الرأي
شكل آخر من الأبحاث اعتمد على استبيانات الرأي، والوصول إلى نسب تقريبية، من الممكن تحليل نتائجها، إلا أن البحث اقتصر على بيان هذه النسب فقط، وهو ما قدَّمته الكاتبة زهراء المنصور، التي تناولت الدراما في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد اعتمدت الدراسة الميدانية، وتوصلت إلى بيانات تتمثل في أن المسلسلات الكوميدية تتصدر نسبة المشاهدة، حيث وصلت النسبة إلى 41 في المائة، مقارنة بالأنواع الأخرى من الدراما التلفزيونية، والتراجيدي 21 في المائة، والتراثية 26 في المائة، والبدوية 3 في المائة، ومسلسلات باللغة العربية الفصحى 6 في المائة.
من ناحية أخرى، يتناول الباحث منصور النعمان في شكل ببلوغرافي أكثر منه تحليليا رواد الدراما التلفزيونية في العراق، فتحدَّث عن رواد العمل التلفزيوني في العراق، أمثال: يوسف العاني وصلاح عطوان وخليل الرفاعي وزهير العجيلي وغيرهم.
قراءة في مؤلفات سابقة
تناول الكاتب الكويتي أسامة المسباح الموضوع من زاوية أخرى، وهي القيام بقراءة في مؤلفات تناولت ظاهرة الدراما التلفزيونية العربية مثل: كتاب «تلفزيون الكويت بين الأمس واليوم» إعداد الكويتي وليد خليل الداود، و«الدراما التلفزيونية الكويتية» لفيصل محسن القحطاني، كتاب «مسارات الدراما التلفزيونية العربية» للناقد السينمائي الأردني عدنان مدانات، «الدراما في الإذاعة والتلفزيون» لسامية أحمد علي وعبدالعزيز شرف.. وأخيراً كتاب «الواقع والدراما في السينما والتلفزيون» للأستاذ بأكاديمية الفنون المصري د.عادل يحيى.
وقد حاول المسباح، عبر هذه القراءة، تقديم صورة شبه شاملة تحيط بقضايا الدراما العربية من حيث تطوُّر الأشكال، وكيفية معالجة الموضوعات، وطبيعة الإنتاج وتطوره، ومدى ارتباطه بالواقع الاجتماعي، كوجه من وجوه البنية الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج الفن وتعيد استقباله خلال عمل فني ــ الدراما التلفزيونية ــ يعد عند العرب من أهم مصادر التسلية والمعرفة، نظراً لتدني مستوى القراءة وتفشي الأمية والأمية الثقافية بوجه خاص.