وزيرة الشؤون «عفستها».. وقلبت خصخصة «التعاونيات» رأساً على عقب

الجمعيات التعاونية
الجمعيات التعاونية

محمد الغربللي:
لا نعلم إن كانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند الصبيح، قد خانها التعبير، أم أنها قصدت ما تقوم به حول دراسة الوزارة، بتحويل عدد من الأسواق المركزية أو الجمعيات التعاونية لبرنامج الخصخصة، وفق تصريحها، الذي أطلقته الأسبوع الماضي، حول «خصخصة الجمعيات التعاونية»، فهي بذلك ضربت تعريف سياسة الخصخصة، وقلبته رأساً على عقب.

هذا المصطلح الاقتصادي هو مبدأ ينطلق من تحويل المؤسسات العامة، أياً كانت، مصانع، وخدمات وطيران.. وغيرها من الأنشطة، من ملكية عامة للدولة إلى القطاع الخاص، عن طريق شركات ومساهمين، ليديروها بأموالهم وتحت إشرافهم، بموجب شروط ومقتضيات ومطالب خصخصة المنشأة، من دفع الضرائب واستحداث وظائف جديدة وغيرها من الشروط، ما يؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة، بدلاً من الصرف على المنشأة العامة، وخلق فرص عمل للمواطنين لديها.
مفهوم التعاونيات
أما الجمعيات التعاونية، التي تريد الوزيرة خصخصتها، فهي ملك للمساهمين الخاصين فيها، وليست ملكية عامة تصرف عليها الدولة، فمجالس إداراتها يتم انتخابهم عن طريق الجمعية العمومية، ليتولى المجلس المنتخب إدارة الجمعية التعاونية على مستوى الأسواق المركزية، أو تأجير الخدمات المصاحبة لنشاط الجمعيات التعاونية.

إذن، أين ذهب مبدأ الخصخصة؟ وعلى العكس من ذلك، فإن الجمعيات التعاونية تقدم بصورة عامة خدماتها للمنطقة، من خلال رعاية المدارس والمناطق السكنية، كما أنها تدفع نسبة من أرباحها السنوية للمحافظة التي تتبعها، إلا أننا لا نعلم كيف يتم صرف المحافظات للأموال التي تتلقاها من الجمعيات التعاونية كل سنة؟! فهناك عدة جمعيات في كل محافظة.

وهذا يعني أن الدولة لا تتحمَّل أموالاً سنوية تصرفها على الجمعيات التعاونية، من رواتب أو أعباء، بل تتلقى أموالاً، كما أن جهات، ممثلة بالجمعيات التعاونية، تقوم بالخدمات نيابة عنها، أي عن الدولة، إذن أين ذهبت سياسة الخصخصة واستخدامها بهذه الطريقة الخاطئة، وفق تعبير الوزيرة في الأسبوع الماضي، فالجمعيات أصلا ملكية خاصة تحت إشراف الوزارة، فكيف يتم تخصيص الملكية الخاصة؟ فإن قصدت «التأميم»، فهذا موضوع آخر، إلا أنها لم تقصد أو تتطرَّق إلى تأميم الجمعيات التعاونية.

هند الصبيح
هند الصبيح

أسباب ومبررات

وبررت الوزيرة هذا الاتجاه، أو التوجه، ولنسمه أي مسمى، وليس الخصخصة، كما أوردتها، لمحاربة الفساد في عدد من الجمعيات التعاونية، كما أوضحت في الوقت ذاته أن الوزارة قامت بدراسة أسعار 128 صنفاً استهلاكياً في الجمعيات التعاونية، ومثيلاتها في الأسواق المركزية الخاصة، وهي بالمناسبة كثيرة ومتعددة الأماكن في الكويت، ووجدت أن أسعار تلك الأصناف في «الخاصة» أقل من مثيلاتها في الجمعيات التعاونية، على الرغم من تمتع الجمعية التعاونية بمميزات ممنوحة من الدولة تفوق تلك لدى الأسواق المركزية الخاصة، هذه هي انطلاقة الوزيرة تجاه التصريح الذي أدلت به.

القانون الجديد

ونعود ونقول، في ما يتعلق بشأن مواجهة الفساد في الجمعيات التعاونية أو بعضها على الأقل، إن لدى الوزيرة قانوناً جديداً للجمعيات التعاونية تم إقراره أخيرا، كما أن لائحته التنفيذية قد صدرت، وضمن مواده، وجود مراقب مالي لدى كل جمعية عليه نقل تقاريره المالية الدورية على أداء الجمعية التعاونية المالي، وإيضاح أي فروق مالية تقوم بها الجمعيات التعاونية، إضافة إلى وجود مراقب إداري يقوم بالدور الرقابي الإداري على أداء الجمعية التعاونية من الناحية الإدارية، وتتبع الإجراءات القانونية بشكل كامل.. وإن كانت هناك خروقات مالية أو إدارية فيفترض أن تتم متابعتها بشكل مهني، وتحميل المسؤولية المالية والجنائية على أي حالة فساد قد تأتي بها إحدى الجمعيات التعاونية، وحالات الفساد قد تأتي في الجمعيات التعاونية إن كانت المراقبة شبه غائبة، أو حتى لدى القطاع الخاص.

وفي الوقت الذي تحدثت فيه الوزيرة عن موضوع فساد الجمعيات التعاونية، وتحويل عدد من مسؤوليها للنيابة، كان هناك مؤتمر صحافي لرئيس شركة الامتياز خالد السلطان، تحدَّث فيه عمَّا يشبه الاختلاس والتنفيع من قِبل رئيس مجلس الإدارة السابق وعدد من المسؤولين التنفيذيين، ووصل المبلغ الذي شابه الفساد إلى ما يقارب 245 مليون دينار، وهو مبلغ ضخم جداً، ويدل على فقدان الرقابة في تلك الشركة، التي تعد ضمن شركات القطاع الخاص، وهو ما يعني أن على وزارة الشؤون تفعيل دور الرقابة المالية، وفق ما أتى به قانون الجمعيات الأخير، والتفعيل يعني الإتيان بكفاءات محاسبية قادرة على وضع نظام محاسبي جيد للجمعيات، ومراقبة ماليتها ومناحي الصرف والشراء.

إن الانطباع السائد، وما تظهره بعض الحكايات من الجمعيات التعاونية، أن دور المراقب أخذ الطابع الشكلي، ومستوى الرقباء متواضع الإمكانات من جراء تواضع الراتب الممنوح له، وبذلك، يصبح الأداء شبه متواضع، ولا يعكس الرقابة المالية الصحيحة.

ارتفاع الأسعار

أما ما يتعلق بشأن الدراسة عن ارتفاع أسعار 128 صنفاً في الجمعيات التعاونية عنها في الأسواق المركزية الأخرى، فهذه نتيحة على الوزارة معرفة الأسباب التي بعضها شبه معروف، ومنها تأجير أرفف الجمعيات التعاونية، ومنها السلع المجانية، أو ما يطلق عليها بـ«المجاني»، التي تقدم للجمعيات كسلعة مجانية مضافة على طلبية السلعة، وكذلك قيام بيت التمويل الكويتي بتحصيل الأموال من الجمعيات التعاونية لصالح الموردين وفق نسبة معينة.. هذه المصروفات التي يتكبدها الموردون للجمعيات التعاونية، وغيرها من أسباب أخرى، تؤدي إلى نتيجة رفع أسعار السلع المعروضة في بعض الجمعيات التعاونية، إن لم يكن أغلبها، وبالتالي هناك أسباب يجب ويفترض أن تتم معالجتها، لنصل إلى نتيجة في النهاية، لتكون أسعار الأصناف لدى الجمعيات أقل من مثيلاتها في المراكز التجارية الخاصة.

النظافة والكفاءة

وأخيراً، الجمعيات التعاونية قائمة منذ أكثر من نصف قرن، بموجب قوانين صدرت بشأنها، وقد ازداد عددها وتعددت أفرعها وأنشطتها بشكل كبير جداً، وتمَّت إعادة دراسة القوانين، بما يتناسب مع القطاع التعاوني، وما يحمله من مشاكل وقضايا، وعلى وزيرة الشؤون اليوم مهام صعبة، خصوصا عندما تبدأ، لتراقب أداء الجمعيات التعاونية، بموجب التعديلات القانونية واللوائح التنفيذية، ولدى الوزارة قدر جيد من الكفاءات، إلا أنها تحتاج أيضا إلى المزيد من الكوادر النظيفة والمؤهلة، ونشدد على عنصر النظافة، لمراقبة ومواصلة رقابة الأداء لدى الجمعيات، وهي مهام صعبة، لكنها غير مستحيلة.. أما إطلاق التصريحات، كيفما كان، كتخصيص الجمعيات أو أسواقها المركزية، فلن تفيد المعالجة، وفيه نزوح كامل على القانون، ليس باستطاعة الوزيرة القيام به، كما أن استخدام مثل تلك المصطلحات الاقتصادية فيه نوع من الجهل بالشيء وقدر من التهرب لقيام الوزارة بدورها كما يفترض.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.