
كتب آدم عبدالحليم:
لم يكن إعلان ممثلي 39 جمعية تعاونية حول تصريحات وزيرة الشؤون وزيرة التنمية والتخطيط هند الصبيح عن توجه الوزارة لخصخصة الجمعيات التعاونية سوى تأكيد على رفض أطراف عديدة، من بينها أهل الاختصاص (رجال التعاون) لخصخصة القطاع التعاوني، ذلك القطاع الذي يأتي في المرتبة الثالثة بعد القطاعين الحكومي والخاص، بشركاته المتعددة.
تناقض وتخوُّف
وتناقض الحكومة بذلك التوجه نهجها، الذي أعلنت عنه من قبل مرات عدة، والداعي الى إنشاء شركات مساهمة يكون المواطنون شركاء فيها بنسب محددة، لذلك يأتي الإعلان عن خصخصة الجمعيات في إطار من التساؤلات العديدة، التي لم تفصح أي من الجهات الرسمية عن إجابات عنها، في الوقت الذي اكتفت فيه الوزيرة الصبيح فقط في لقائها بأهالي محافظة مبارك الكبير، الأسبوع الماضي، بالإعلان عن نيتها تجربة الفكرة بجمعية أو جمعيتين، لتقف الوزارة على مثالب وإيجابيات الفكرة قبل تطبيقها بشكل كامل.
ويأتي التخوُّف الأكبر في خصخصة الجمعيات التعاونية، في أن إجراءها، وفقاً للقوانين التي تنظمها والدراسات القانونية التي تفسرها، تعني أن التخصخيص لا يتم بنقل الإدارة فقط، وإنما بنقل الملكية كاملة (الأصول والممتلكات) لمشروع تمتلك فيه الدولة نسبة 100 في المائة.
ويعني ذلك انتقال كل الأصول المملوكة للجمعيات وفروعها، وأهمها المباني والأراضي المقامة عليها، والتي تقع في مناطق متميزة في مختلف مناطق الكويت، إلى المالك التي ستؤول إليه الملكية، بعد إجراء الخصخصة.
ويتخوَّف كثيرون، وعلى رأسهم التيار التقدمي، في بيان أصدره ردا على تصريحات الصبيح، من حدوث ذلك، خصوصاً أن تجارب الخصخصة في الوطن العربي شاهدة على فشلها، وآخر تلك التجارب ما شهدته مصر، عندما باع المُلاك الجدد الأصول بأسعار خيالية «من مخازن ومصانع»، وأنهوا خدمات العاملين فيها بطريقة إجبارية، بعد حصولهم على الأراضي بأسعار زهيدة.
استغراب
إلى ذلك، يستغرب البعض من كيفية نجاح فكرة خصخصة قطاع ضخم يستحوذ على 85 في المائة من سوق التجزئة في الكويت، ولاسيما أن التجارب السابقة للخصخصة، والأخرى المتعلقة بقانون BOT، حكم عليها المراقبون بالفشل، أو كما قال النائب السابق د.حسن جوهر إن التجارب السابقة المتعلقة بالخصخصة فشلت منذ التحرير إلى الآن على صعيدي رفع كفاءة الإنتاج أو استقطاب العاملين الكويتيين واحتضانهم، أو المساهمة في تعزيز موارد الدولة المالية.
وأشار أمين سر جمعية العدان والقصور السابق سالم الشعشوع لـ«الطليعة» إلى أن الخصخصة ستلغي الجانب الاجتماعي، الذي تقوم به الجمعيات التي تساهم في الاقتصاد الوطني بمبيعات سنوية تبلغ ملياري دولار، مؤكداً أن الاستقطاعات التي تقتطع من أرباح الجمعيات بنسب مختلفة، سواء على صعيد اللجان الاجتماعية أم الزكاة أم بند دعم المشروعات الوطنية، تصل جملتها إلى ما يقارب 12 مليون دينار سنويا، إلى جانب الخدمات الأخرى التي تقدمها الجمعيات للمخافر والمساجد ومدارس المنطقة والأماكن العامة فيها.
يأتي هذا، في ظل إعلان البعض عن تخوفه من تحكم الملاك الجدد (في حال الخصخصة) في سوق السلع الاستهلاكية بشكل كامل، ومن ثم التحكم بمصير أسعار السلع أو احتكارها، خصوصاً أن التجارب تؤكد أن غلاء الأسعار الحالي غلاء مصطنع، سبببه تقاعس الجهات الحكومية عن تطبيق القانون، وتضامن التجار في ما بينهم لجني مزيد من الأرباح.
مصير العمالة الوطنية
ويظل مصير العمالة الوطنية في الجمعيات التعاونية لغزاً كبيراً، خشية أن يتم تكرار تجربة محطات الوقود بعد تخصيصها، خصوصاً أن الوزارتين المعنيتين (التجارة والمالية) لم تقوما بأي دراسات أو استبانات، سواء على صعيد ماذا سيكون شكل الاقتصاد المحلي من دون القطاع التعاوني، أم على صعيد مصير العمالة الوطنية بعد التخصيص.
ويفند تعاونيون أسباب توجه الصبيح نحو خصخصة الجمعيات، والمتمثلة في محاربتها للفساد، بقولهم إن معالجة الفساد تأتي عن طريق إحالة المتجاوزين إلى النيابة العامة، وعدم التستر عليهم بخصخصة قطاع حيوي، مستغربين أن يكون هذا السبب الرئيس في التوجه الحكومي نحو الخصخصة، خصوصاً أن قانون الجمعيات الأخير الذي أصرَّت الحكومة على تمريره في المجلس المبطل الثاني هدف – وفقاً للتصريحات الرسمية وقتها – إلى القضاء على الفساد والتجاوزات المالية والإدارية، متسائلين عن كيفية ذهاب الوزارة إلى الخصخصة، وهي لم تحكم على التجربة الوليدة بعد.