عبداللطيف الدعيج : لو كان مبارك دينارا..!

عبداللطيف الدعيج
عبداللطيف الدعيج

أعلم أن الموضوع أصبح بائتا، بل أعلم أيضا، أن الكثيرين أو الأغلبية لم تتفاعل مع القضية أو تبدي الاهتمام الكافي بها، أي أن عليَّ، صحافيا وموضوعيا، أن أنسى – مثل البقية – الأمر، وأن أكتب أو أشغل نفسي بأمر جديد يستحق عناء المتابعة والاجتهاد فيه.

أعلم كل هذا، لكني، ولا تردد هنا، أعتقد أن قضية اضطهاد السيد مبارك الدويلة كانت، ولا تزال، قضية وطنية، وأن لها تأثيراتها وبصماتها السلبية التي تتزايد وتتعمَّق في كل وقت يستمر فيه تجاهلها وغض النظر عنها.

إنها محنة حرية الرأي الأزلية التي لا تجد في كل وقت أو مناسبة مَن يُعنى بها، أو على الأقل يلتفت إليها، في مقابل ومواجهة «الاستكلاب» والنهش اللامتناهي الذي تتعرض له.

مبارك الدويلة «ما قال شيء».. وستكشف إجراءات التحقيق في النهاية أنه لم يرتكب إثماً أو حتى يخالف القانون، فوصف السيد ولي عهد دولة الإمارات بأنه ضد «أهل السنة» ليس سبة، رغم التورية التي قد يتضمَّنها مثل هذا الوصف، لأنه يعتمد على مَن هم أهل السنة.

عند السيد الدويلة، فإن أهل السنة هو وجماعته، وأنا شخصيا يشرفني أن أكون ضد هكذا أهل سنة، أي أنها ليست سبة ولا تهمة، ولا أمرا من المفترض أن يهين أو ينتقص من شأن لا ولي عهد دولة الإمارات ولا أصغر فرد فيها، باعتبار أهل السنة – من جماعة الدويلة – هم ممن يهدد السلم والأمن العالميين، وفق تصنيف معظم دول العالم، وبالتالي، فإن التصدي لهم واجب ولي عهد الإمارات، وكل إنسان مؤمن بالتقدم والنمو الذي يعيقه فكر وسلوك الإخوان المسلمين وبقية التابعين لنهجهم.

مبارك الدويلة «ما قال شيء»، لكن البعض حاول مثل قضية «التأبين» أن يتصيَّد في الماء العكر، وأن يتكسَّب من خلال إثارة القضية، فالانتهازيون عندنا وجدوا فيها فرصة للنيل من حرية الرأي بشكل عام، ومن قناة مجلس الأمة وأيضا من قناة رئيس المجلس السيد مرزوق الغانم بشكل خاص، والبعض بالطبع وجدها فرصة لمواصلة حربه ضد الإخوان المسلمين، وهي حرب في نظري مشروعة وضرورية، ولكن يجب أن تكون حربا ضد المتخلف والمتطرف من فكرهم ونهجهم، وليس اعتداء على أبرياء، وانتهاكا لحقوق دستورية وقانونية لخلق الله، وفي النهاية خرقا للقانون وانتهاكا للدستور، وتعديا على المبادئ الديمقراطية الأساسية في الحرية والعدالة والمساواة.

إن خطورة الاعتداء على حرية الرأي الذي تم من خلال اضطهاد النائب السابق مبارك الدويلة تكمن بالأساس في كونها نتاج ظروف خارجية، وبتأثير أوضاع وحتى قوانين ليست محلية أو كويتية، فالذي جعل من الأمر قضية أو حوّل «الحبة إلى قبة» هو ضيق صدر البعض في الخارج، ونظرته ومفهومه الخاص – غير الكويتي- لحرية الرأي ولمفهوم المواطنة ولمعاني العدالة والمساواة، وقد أدَّت انتهازية البعض منا، إلى جانب تهاون الكل، مع الأسف، إلى أن تجد هذه الأطراف الخارجية فرصة لإملاء مفهومها ونظرتها الخاصة للحرية والعدالة والمساواة على الوضع الكويتي، وهذا ما يضاعف من خطورة الوضع ويفتح الباب ربما لتدخلات أو إملاءات قادمة تكون أشد خطورة وتأثيراً مع عدم التتقليل نهائيا مما حصل.

كل هذا حدث، وما يسمى بتياراتنا السياسية نائمة، وليس لديها عناية أو اهتماما بالدفاع عن الحريات أو المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي، خصوصا جماعة السيد مبارك الدويلة ورفاق مشواره السياسي الأخير، فهؤلاء أبعد الناس التزاما بالدفاع عن الدستور وعن الحريات، وجل اهتمامهم ينصب على ادعاءات حماية المال العام وملاحقة الدنانير التي يزعمون أنها اختلست.

مع أن الوقت متأخر، أو هو تأخر، لكن تبقى مسؤولية القوى الوطنية الديمقراطية ملحة هنا في الدفاع، وطنيا، عن الكويت ونظامها ضد أي ضغوط أو إملاءات خارجية، أياً كان مصدرها، بقدر ما يتزايد الإلحاح هنا للذود عن الحريات العامة والمبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي التي انتهكها الكثيرون في ردود فعلهم الانتهازية أو الجبانة، أو حتى العفوية على ما أثير.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.