
محمد الغربللي:
فجأة، استوعبت الدولة برمتها ما ارتكبته يداها، برفعها أسعار الديزل والكيروسين، اعتبارا من الأول من يناير، وكأن ارتفاع بعض أسعار المواد الاستهلاكية والإنشائية حدث فجائي لها، لم تعمل له حسابا أو تدبيرا، ولو قليلا! وزارة التجارة والصناعة استنفرت إداراتها، وبالذات «حماية المستهلك»، لمواجهة أي ارتفاعات في الأسعار، وتوعدت كل من يقوم بذلك، بأن يتم تحويله للنيابة العامة.. وغدت النيابة العامة نوعا من الفزاعة للتخويف بها، وليست جهة للفصل الأولي في الحقوق.. ويبدو أن جهاز الدولة من أخمص سلمه الإداري وحتى عاليه الأعلى، مصاب بالعطل الذهني والخمول البليد، ليتخذ قرارات ليس لها في المنطق ركيزة أو أي تبرير.. ففي الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط إلى ما يقارب 50 في المائة، يقوم هو في هذا الوقت بالذات برفع بعض المنتجات النفطية.. هل يوجد «ذكاء» أكثر من ذلك؟!
عندما تهدد وزارة التجارة مَن يرفع الأسعار، بتحويله للنيابة العامة، ماذا سيكون رد الشركات التي سيتم تحويلها للنيابة؟ لن يكون أمامها سوى أن تظهر أمامها كلفة منتجاتها السابقة بالأرقام والمستندات قبل الزيادة وبعدها، والتي على ضوئها قامت برفع أسعارها.
أين الجرم في ذلك؟ هل ستذهب النيابة العامة للفاعل والمسبب الأول، ممثل بقرار الحكومة، التي قامت برفع أسعار الوقود ثلاثة أضعاف سعره السابق.. من 55 إلى 175 فلسا للتر؟

تحذير مبكر
عندما أظهرت الحكومة نيتها رفع أسعار الوقود العام الماضي، كتبنا في عدد «الطليعة» بتاريخ 29 أكتوبر 2014، محذرين من هذا الأمر، وقلنا إن رفع أسعار بعض المحروقات سيؤدي إلى «زيادة تكاليف النقل بنسبة لا تقل عن 200 في المائة، وهي تكاليف سيتحملها المستورد، وسيعكسها على أسعار السلع التي يبيعها، جميع أنواع السلع غذائية واستهلاكية»، وهذا ليس ضربا بالودع، بل تداعيا منطقيا لرفع أسعار الوقود، كالديزل أو الكيروسين.
والأمر لا يحتاج إلى حاسبات إلكترونية جبارة أو جهاز فني عالي المستوى، بل دراسة صغيرة تضع نتائج أي قرار عند اتخاذه وتبيان سلبياته.. ولكن يبدو أن الحكومة برمتها عاجزة عن إنجاز مثل تلك الدراسة المبسطة لإظهار مثل تلك السلبيات.. هي تحاول المعالجة في الوقت الحالي، بعد اتخاذ القرار غير المدروس، وبدأتها بمعالجة الديزل لصيادي الأسماك، وأبقت الأسعار عما هي عليه، من دون تغيير، وذلك بالترتيب مع الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية.. وهذه الخطوة تعني بشكل واضح أن هناك سلبيات في مثل هذه القرارات، كما أن هذه الخطوة تعد ذريعة ثابتة للجهات الأخرى، من شركات شحن وفرسانها وغيرها من الأنشطة الأخرى التي تستخدم الديزل ولسان حالها يقول إما رفع أسعار منتجاتها وإما معاملتها كمعاملة اتحاد الصيادين، بالإبقاء على ذات الأسعار السابقة.. وهنا تنتفي حكاية التحويل إلى النيابة، كما رفعتها وزارة التجارة كشعار.
عكس الاتجاه
وأخيراً، في الوقت الذي زفت فيه الحكومة بشرتها لعام 2015 برفع أسعار الديزل والكيروسين، اعتباراً من الأول من يناير، قامت الحكومة السورية بخفض أسعار البنزين بنسبة 4 في المائة.. أما الأردن، الذي ينعدم فيه النفط، فقد خفض سعر البنزين بنسبة 15 في المائة، وحكومتنا الرشيدة جداً تطبّق المثل «يذهب للحج والناس عائدة منه».. فبعد تدهور أسعار النفط بشكل تراجيدي، تقوم هي برفع منتجاته!
يبارك الله كل من يقف مع الشعب