الكويت تواجه سلسلة من الازمات, والعديد منها متعلق بقضايا فساد وتعدّ على مصالح الدولة، والسؤال المطروح هو كيف تعاملت او تتعامل حكومتنا مع هذه القضايا التي تعد خطيرة?
ولنأخذ مثالاً ما يجري في دول أخرى، ولتكن دولة بريطانيا العظمى، وكيف تصرفت أمام قضية تعتبر جداً صغيرة او تافهة بالمعايير الكويتية.
القضية تتعلق باستقالة وزير الدفاع، فلماذا استقال؟ في الاسبوع الثاني من اكتوبر نشرت الصحف البريطانية، ان وزير الدفاع ليام فوكس يصطحب معه شخصية غير رسمية في اجتماعاته وسفراته الرسمية، هذا الشخص صديق حميم لوزير الدفاع اسمه ادم وريتي، ويقول تقرير ابتدائي ان وريتي قد حضر اجتماعات معه بلغ عددها 40 اجتماعاً، منها 18 اجتماعاً اثناء السفر في رحلات رسمية، وانه يستخدم بطاقة شخصية تحمل اسمه وصفته كمستشار خاص لوزير الدفاع، مستشار خاص ولكن غير رسمي. فحسب النظام البريطاني، مرافقو الوزير في الاجتماعات والسفرات وأعضاء مكتبه تعينهم هيئة الخدمة العامة ولا يعينهم الوزير شخصياً تفاديا للمحاباة وتعيين الاقارب.
وفوكس هذا، وعمره 50 سنة، من كبار شخصيات حزب المحافظين الحاكم، ومحسوب على المحافظين الجدد، أي اليمين المتشدد في بريطانيا واميركا من بقايا ثاتشر وريغان.
ومن الامور التي كشفتها الصحافة ان ادم وريتي كان على علاقة بالموساد الاسرائيلي، ودفعوا له قيمة تذاكر سفر بالدرجة الأولى واقامة في الفندق. وتحدثت جريدة التايمز عن حصوله على تبرعات من اغنياء بمبلغ 228 الف دولار استرالي لصندوق شركة غير ربحية يديرها ادم وريتي.
اشتعلت وانشغلت الصحافة البريطانية بالقضية، ودار الحديث في أوساط حزب المحافظين بضرورة رحيله، ولكن حاول تهميش القضية، إلا أنه وأمام هذه الضجة، تحرك رئيس الوزراء كاميرون بعد ايام من اثارة الضجة، وطالب بتحقيق، على ان تسلم نتيجة التحقيق الى مكتبه يوم الاثنين. وما ان سلم التحقيق في الميعاد لم يأت يوم الاربعاء الا وتقدم ليام فوكس وزير دفاع بريطانيا العظمى بالاستقالة، ولم يقف احد يدافع عنه فيما عدا كلمة شكر من رئيس الوزراء، قائلا انني اتفهم اسباب استقالتك، وانك أديت لبلادك خدمات جليلة في ادارة دور بريطانيا في حربي افغانستان وليبيا.
أما اسباب الاستقالة كما أوردها الوزير نفسه، فهي مخالفة لقواعد السلوك والتصرف التي يجب ان يتمسك بها من يتولى منصبا عاما، موظفا او وزيرا او نائبا في البرلمان، او، بطبيعة الحال، قاضيا. لم يتحدث احد عن فساد او استفاده مادية او حتى خرق القوانين، فقط مخالفة قواعد السلوك والتصرف الواجبة الاتباع والالتزام لمن يتولى منصبا عاما. لم يستولِ احد على أراض ولا رمل ولا ديزل، ولا حتى شيّد بناء فوق الارصفة، ولم يحصل احد على شيكات ولا ارسل افواجاً للعلاج السياسي، وطبعا لا ايداعات مليونية حتى لو كانت بالليرة اللبنانية.
نأتي إلى كيف تصرفت وتتصرف حكومتنا العتيدة، فمنذ شهر اغسطس انكشفت فضيحة الايداعات المليونية
لحوالي ربع اعضاء السلطة التشريعية، وهم الاعضاء المؤتمنون والمقسمون على حماية أموال الدولة ومصالحها، وان يقوموا باداء واجبهم بخالص الامانة والصدق، وقد اثارت هذه الايداعات اسئلة كثيرة.
1 ـ ما هي مصدرها، اي من الذي دفع؟ واذا كانت رشوة فمن هو الراشي؟
الاحتمالات تشير الى ان مصدر التمويل سياسي، فمن غير المعقول ان يكون 13 نائبا مشتركين في قضية غسل أموال، جائز ان يكون واحداً أو اثنين لكن 13 فهذه كارثة اجتماعية فوق انها سياسية.
2 ـ من هم اصحاب الايداعات، ولماذا التستر على اسمائهم؟ نحن نجد من يتخلف عن دفع قسط سيارة او قرض يمنع من السفر، ويصدر بحقه ضبط واحضار، والمحالون الى صندوق المتعثرين تنشر اسماؤهم في الجريدة الرسمية فلماذا التستر على المشتبه بهم في قضية الايداعات المليونية؟
3 ـ هل تأخرت البنوك في التقدم بحالات ايداعات بما يزيد عن الحد الاقصى بموجب تعليمات البنك المركزي؟ واذا كان ذلك فما هي الاسباب، ولماذا لم تتقدم البنوك بادعاءاتها للنائب العام الا بعد مبادرة «القبس» بنشر معلومة عن ايداعات نقدية من نواب بملايين الدنانير؟
4 ـ ما هو دور البنك المركزي، ولماذا لم يتحرك؟ أليس هو من اصدر تعليمات حول حدود الايداع النقدي؟ أليس من واجبه مراقبة التزام البنوك بتعليماته؟ وكم عدد الحالات التي سبق ان اعترض عليها البنك المركزي؟ وهل قدم تقريراً لوزير المالية بخصوص هذه الايداعات، وما اذا كان لها مثيل في السابق؟
فالشكوك تشير الى ان المسألة ليست آنية، والغالب ان لها امتداداً زمنياً يعود لآماد طويلة، فلماذا لم يتحرك البنك المركزي بتقرير بشأنها؟
5 ـ الآن نأتي الى بيت القصيد، موقف الحكومة من قضية الايداعات المليونية، ولماذا السكوت على طريقة «عمك أصمخ»؟ لقد مضى على القضية الفضيحة ثلاثة شهور أو اكثر والحكومة ملتزمة الصمت، ويصرح بعض اعضائها تعليقا على كلام الصحف وأعضاء مجلس الامة والتحركات الشعبية بقولهم أين الدليل؟ أليس هذا موقفاً غريباًً؟ هل تنتظر الحكومة ان يقدم المواطنون الدليل؟ أليس ذلك هو دور الحكومة واجهزتها؟ اذن لماذا هناك حكومة؟ تحركت الحكومة على نشاط التويتر والفيسبوك والتجمعات الشعبية، وقوى الأمن تلاحق المواطنين في كل ندوة وكل تجمع ولسان طويل على مواجهة الاضرابات بالحزم والشدة حتى لو أدى ذلك الى استخدام قوى الامن.
أما قضية فساد شراء ذمم أعضاء في مجلس الامة الى جانب سرقات الرمل والديزل والتحويلات من وراء ظهر وزارة الخارجية ومليونين لمن يخالف قوانين الرياضة، كل هذه الامور، تقف الحكومة ازاءها كما ابو الهول، لا أرى ولا أسمع.
اذا كانت قضية اصطحاب وزير الدفاع البريطاني لصديقه في سفرات واجتماعات فقط لا غير اثارت ضجة أدت الى استقالة الوزير وكادت تطيح بحكومة كاميرون، لمجرد رفقة سفر، فعندنا رفقاء السفر بالمئات وبدل الطيارة طيارتان.
فهل نستغرب إزاء ذلك ان يتفاقم الغضب الشعبي ويطالب بالاطاحة بالحكومة ورئيسها؟!