عبداللطيف الدعيج : المحنة الأزلية لحرية الرأي.. عندما تتكاثر الضباع

عبداللطيف الدعيج
عبداللطيف الدعيج

كنت في نهاية الأسبوع الماضي أتناول مسألة «حرية الرأي» وانعدامها في مجتمعنا، سياسيا واجتماعيا وقانونيا، رغم الادعاءات المعلنة بعكس ذلك، وجاءت مقابلة السيد مبارك الدويلة وموقف الأغلبية – مع الأسف- منها، ليؤكد صحة كل ما طرحت.

السيد الدويلة لم يقل شيئا، بل هو لم يتهجم أو حتى ينتقد، لكنه بالتأكيد تعمَّد عدم التوقير أو التبجيل اللذين يتطلبهما مجتمعنا في مثل المواقف التي كان بها.

هذا يذكَّرنا تماما بالإدانة القضائية التي صدرت ضد زميلنا المرحوم أحمد البغدادي.. فالمرحوم البغدادي كان يبحث علميا وفي مجلة علمية واستخدم التعبير اللغوي العلمي والدقيق لوصف الحادثة، لكن المجتمع أو المتدينين والمحافظين، وطبعا سايرهم القضاء، وجدوا في التعبير العلمي لوصف ما حدث إهانة لـ»الرسول»، وتمَّت إدانة الزميل البغدادي، بحجة شتم وقذف الرسول، ما اضطر المرحوم الأمير جابر الأحمد للتدخل للإفراج عنه.

نحن لدينا حساسية شديدة من حرية الرأي، وهوس غير معقول لتكميم الأفواه، وحرص على الإبقاء على الأوضاع على ما هي عليه، والغريب أن هذا يحدث في وقت أو عند مَن يتغنى بـ«إذا أتتك مذمتي من ناقص.. فهي الشهادة لي بأني كامل»، أو «لا تُرمى بالحجارة إلا الشجرة المثمرة»، أو «وإنْ بُليتَ بشخصٍ لاَ خَلاقَ لهُ … فكُنْ كأنَّكَ لمْ تسمعْ ولمْ يَقُلِ».

وفي هذه الواقعة اعترض بعض الإماراتيين على ما اعتقدوا بأنه إهانة لولي عهد أبوظبي، بحجة أنه «الرمز الوطني الشامخ الذي عمل ويعمل بكل إخلاص ودأب وتضحية لنهضة وعزة شعب الإمارات ومشروعها الحضاري»، وعند آخر أنها «تسيء لكل الإماراتيين والمقيمين على أرض الإمارات، بل والعالم أجمع، الذي شهد لقيادة وحكام الإمارات بالريادة والإنجازات الضخمة». إذا كان الحال كذلك، فكيف للغو «حزبي خبيث وساقط» وفق الوصف الإماراتي أن يؤثر في شخصية ومقام رمز وطني وعربي، بل وعالمي، مثل سمو ولي عهد أبوظبي؟!

ولماذا يكون «الاتهام» بأنه ضد الإخوان المسلمين، وهم الإرهابيون المعروفون انتقاصا. أو محاربة «أهل السنة» – على ما فيها من تورية – كما زعم الدويلة شتيمة؟! وأهل السنة المقصودون من جماعة النائب السابق في رأي كثيرين هذه الأيام هم الإرهابيون والقتلة والسفاحون.

المضحك هنا، أن الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية قبل إزاحة الإخوان من مصر، ومن ثم انقلاب الأنظمة المحافظة عليهم، كانوا يدعون إلى الوحدة الخليجية والارتباط الفوري بدول الخليج.. وها هم يحصدون الآن ثمار هذه الدعوة. تماماً كما حصد رفاقهم في المعارضة الجديدة نتائج تحريض السلطة على ما أسموه بالإعلام الفاسد.

خريش وظباء

تكاثرت الظباء علينا، فما ندري على مَن نرد وضد مَن نكتب. في الواقع أو وفق نظري، فإن ما تكاثر ذئاب أو ظباء مستأسدة كلها تعتقد أنها تنهش في مبارك الدويلة، بينما الواقع أنها تنهش في حرية التعبير، تسعى خلف تدمير الإخوان المسلمين، لكنها تجرف كل شيء في الطريق، في مقدمته بالطبع قواعد وأسس النظام السياسي العام المستندة إلى مبادئ الديمقراطية والدستور.

مقابلة أكثر من عادية جدا للسيد النائب السابق مبارك الدويلة. كل ما ذكر فيها أن خلاف جماعة الإخوان أو الحركة الدستورية، وفق تحديد الدويلة، هو مع الشيخ محمد بن زايد، وليس مع دولة الإمارات، وأضاف عندما تساءل المذيع عن السبب، «ربما لأن الشيخ محمد بن زايد عنده مشكلة مع أهل السنة».

ليس هنا شيء على الإطلاق، مجرد محاولة في الواقع من الدويلة للتقرب من دولة الإمارات – وليس لتخريب العلاقات معها- من خلال حصر الخلاف مع ولي عهدها فقط.

طبعا قد تكون هناك تورية في الإشارة إلى أن الشيخ محمد لديه مشكلة مع أهل السنة، وفق تعبير السيد الدويلة، وقد لا يكون، لكن يبقى من الواضح، بل المؤكد أن السيد مبارك الدويلة يعتقد أن جماعته هم أهل السنة، وأنهم «الفرقة الناجية»، وأن الشيخ محمد يجانب الصواب في الانحياز ضدهم.
مع كل هذا، تبقى مقابلة عادية، ليس فيها انتقاص، لا من الشيخ محمد، ولا إساءة لدولة الإمارات .

نفخوا في التأبين واليوم ينفخون في المقابلة

هذا يذكرني تماما بحادثة «التأبين»، وربما ليس صدفة أن من آثار حادثة التأبين، هو أيضا من آثار قضية «المقابلة». والمؤسف أن ما أثير حول التأبين جرَّ البلد كلها – في بداية الأمر- معه، وأدان أغلب الكويتيين، مع الأسف، جماعة التأبين، مع أنهم كانوا تماما مثل مبارك الدويلة، يمارسون حقهم كمواطنين كويتيين في التعبير عن رأيهم.

انحاز كل الناس ضد المؤبنين، واصطفت الحكومة، ممثلة بالشيخ أحمد الفهد، وقتها، مع مَن أثار القضية، تماما كما انضمَّت وزارة الخارجية، حاليا، بكل قوة وعنف للحملة ضد السيد الدويلة، بل قررت تأديبه!

لكن بالطبع وزارة الخارجية إما أنها «ما عندها سالفة» بالمرة في الدخول في الموضوع، أو أنها أجبن من أن تحدد أسباب رغبتها في تأديب السيد الدويلة، أو تشير إلى القوانين التي خالفها.
وزارة الخارجية لم تحدد القانون والمواد التي خالفها السيد الدويلة، وتفصل أسباب اتهامه، وهو أمر يتطلبه هذا الدخول المباشر والعنيف لها في الموضوع.

ممن دخل في الموضوع أيضا، السيد رئيس مجلس الأمة.. طبعا الرئيس الغانم كان مستهدفا من قِبل أصحاب الحملة في الواقع أكثر من السيد مبارك الدويلة، لكن هذا لا يعذره البتة. فالسيد رئيس مجلس الأمة تناسى حق المواطن الدويلة في التعبير عن رأيه، وغاب عنه أننا في القرن الواحد والعشرين، وأن لا لويس السادس عشر ولا غيره هو الدولة والدولة هو. ربما في بلد غير الكويت يؤله الأفراد ويعظم مَن يفترص أنهم زعماء ورموز على الناس، هنا لدينا دولة ديمقراطية سيدي الرئيس، والشيخ محمد بن زايد فرد له حق التقاضي ورد الاعتبار، تماما كما هو حق المواطن مبارك الدويلة – الذي أخذ كبار مسؤولي ومواطني الإمارات راحتهم في شتمه وتحقيره – في إبداء رأيه، رغم انه لم يتعرَّض لا لهم ولا لمسؤوليهم بسوء، لهذا ربما تكون إحالة القضية، رغم أنها ليست من شغل رئيس مجلس الأمة، للقضاء أمرا عاديا، لكن ليس عاديا أن يحيل الرئيس القضية وأن يتطوَّع للاتهام والادعاء ضد حرية الرأي. ثم هل سيكفل رئيس مجلس الأمة للمواطن مبارك الدويلة، وهو بالمناسبة كان نائبا أيضا قبل أن يبلغ رئيس مجلس الأمة سن الناخب، هل سيكفل له رد الاعتبار وحق التقاضي الذي حرص على توفيره للإماراتيين.. أم أن أهل الخليج أو الشيوخ محشومون والمواطن الكويتي غير محشوم؟!

حتى أنت يا بروتس!

من الظباء، أو ربما الأصح الضباع، بعض أعضاء مجلس الأمة الذين يبدو واضحا من دس «عصعصهم» في الأمر، أنهم يتأملون خيرا من جلد السيد مبارك الدويلة من هذا التعظيم المبالغ فيه للقضية. ولدينا وبشكل غريب أيضا الرئيس السابق لمجلس الأمة وأحد الأعمدة الوطنية النائب السابق علي الراشد، الذي من الصعب إيجاد تفسير لموقفه، سوى أنه – على ما يبدو – اضطر لمسايرة الحملة.

وأخيرا وليس آخرا، مملكة البحرين الشقيقة التي انتصرت كمملكة لدولة الإمارات ضد الفقير لله مبارك الدويلة، ومع هذا أتى وسيأتي من يعنف بعضنا إن تناول هنا أو هناك شأنا لمملكة البحرين أو غيرها من أنظمة الخليج.

لكن كل هذا «كوم»، وسعي بعض إعلاميينا، أو بالأحرى قيادتهم، وتزعمهم لحملة تهويل الأمر، «كوم»! فهذه وسائل إعلامية من صالحها، قبل أن يكون واجبها، تعزيز حرية الرأي وحماية حق النشر والتعبير، لكنها بدلا من ذلك تتولى قيادة الهجمة، وتسخّر نفسها لضرب الإعلام والإعلاميين، من خلال التحريض على قناة زميلة، مثل قناة المجلس .
الزبدة أنه ليس شيء من هذا غريبا وخارقا للعادة، فهذه محنة حري الرأي في الكويت، حرية الرأي التي كفلها الدستور، والتي تشكل أحد أهم أعمدة النظام الديمقراطي، بوصفها الضمان لتحقيق التعددية وتداول السلطة وحتى تحقيق العدالة والمساواة.. ولكنها الكويت وديمقراطيتها.. وإذا كان فيصل المسلم وأحمد السعدون ووليد الطبطبائي ومحمد هايف ومسلم البراك حماة الدستور، فلن يكون لدينا غير هذه «الديمقراطية».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.